الاثنين، 5 أكتوبر 2009

بطاقات تعليمية - 1

سبق أن نشرت سلسلة مواضيع سميتها أفكار في بطاقات، 10 مواضيع حول جمل قصيرة كتبتها في بطاقات صغيرة:
المواضيع كانت منوعة ويغلب عليها الطابع التقني، ولدي اليوم مزيد من البطاقات كلها تتحدث عن التعليم، وكل بطاقة منها قد تحتاج لموضوع منفصل، لكنني سأحاول الحديث عنها كلها في موضوعين أو ثلاثة، لنبدأ:
ثقافة المدرسة
لنغير التعليم لا بد من نقل التركيز على نتائج الامتحانات إلى التركيز على المهارات والأفكار المكتسبة، هذا ليس سهلاً، هذا يعني تغيير التعليم كلياً.
لدينا حقل ألغام في هذه البطاقة، الامتحانات وسيلة لمعرفة الكم الذي يحفظه الطالب من المعلومات التي حشيت في عقله، هذا الأسلوب انتقدناه كثيراً ونعرف جيداً أنه لا يضمن خروج طلاب متعلمين بل طلاب حافظين وحاصلين على شهادات لا أكثر، كثير منهم لا يحسن التعبير عن نفسه بمقالة قصيرة يكتبها عن أي موضوع يهمه، لدينا مواطن آخر متعلم وغير مثقف، رسمياً هو حاصل على الشهادة، يمكنه أن يقرأ ويكتب ولديه بعض المعلومات المتفرقة ويمكنه التعامل مع العمليات الحسابية البسيطة إلا أنه بحاجة لإعادة تأهيل لكي يستطيع أن يكتب بحثاً أو يلقي عرضاً حول بحثه، ولكي يفعل ذلك عليه أن يقرأ جدياً وهو أمر لا يفعله إلا نادراً خارج إطار المدرسة والجامعة، ولأنه لم يقرأ كثيراً في الماضي ولم يعلمه أحد كيف يقرأ كتاباً تجده يكره القراءة فهي مملة وبطيئة.

لو ركزنا على المهارات والأفكار سيكون الأمر مختلفاً، المهارات أعني بها القراءة والكتابة والاستماع والتحدث، أعني بها التفكير المنطقي والإبداعي والنقد، أعني بها مهارات أخرى يمكن أن يستفيد المرء منها طوال حياته، أما الأفكار هي أساسيات في العلم إذا اكتسبها المرء يمكنه أن يفهم المواد بشمولية أكبر، مثلاً الكسور في الرياضيات تبدو مملة عندما تعلمناها في المدرسة لكنني أجدها اليوم ممتعة لأنها ببساطة موجودة في كل مكان، 3 درهم و25 فلساً رقم يحوي كسراً، قطعة كعك كبيرة تقسم إلى 8 أجزاء، هذا درس لذيذ في الكسور، كيف تقسم 400 درهم على 3 أشخاص؟ هذا الربط بين الواقع والفكرة يجعل للأفكار قيمة أكبر، لكن أسلوب التعليم الذي أدعوا له يترك للطالب اكتشاف الفكرة بدلاً من أن تصله من قبل معلم أو كتاب، هو بنفسه سيشعر بالحماس عندما يفهم فائدة الكسور وتطبيقاتها في الحياة.

هل يمكننا فعل هذا؟ هل يمكننا ألا نتدخل كثيراً في تعليم الطالب ونتركه يكتشف بنفسه؟ هذا أمر بالغ الصعوبة في ثقافة رسخت فكرة التعليم باتجاه واحد، من الأعلى إلى الأسفل، من الوزارة وحتى الطالب.
ما تفعله المدرسة
هو وضع حدود لقدرات وأفكار الطالب وتحديد مساره في التعليم بدون وجود بدائل لمن لا يستطيع السير على هذا المسار.
بطاقة ثانية تدور حول نفس المعنى تقول:
سبب فشل البعض في التعليم
هو عدم توافق أسلوب تعلمهم مع أسلوب المدرسة
هذا موضوع يضايقني بشدة خصوصاً عندما أجد من يريد فرض نمط معين من النجاح على الجميع ومن لم يتوافق مع هذا النمط فهو فاشل، خذ المدرسة على سبيل المثال، رأيت في أعوام التعليم طلبة في قمة الفشل التعليمي، بعضهم يكرر نفس العام ثلاث أو أربع مرات، أصبح طويلاً وظهر شاربه ولحية خفيفة ولا زال في فصل كل من فيه طلبة صغار لا تزال أمامهم سنوات حتى يظهر شعر ذقونهم.

لاحظت أن كثيراً من هؤلاء "الفاشلين تعليمياً" يملكون مهارات لا يملكها المتفوقون، هؤلاء تجد مهارتهم خارج الفصل في الرياضة وفي هوايات مختلفة تتطلب استخدام اليدين لصنع شيء ما، بعض المدرسين يستغلون هؤلاء الطلبة لمساعدتهم في مشاريع مختلفة كزراعة أرض أو تربية النحل أو حتى الانضمام إلى فرق الرياضة المختلفة.

هؤلاء ببساطة ذكائهم مختلف ويجدون الجلوس في الفصل مملاً ومضيعة للوقت وليس لديهم أي حماس للتعلم بهذا الأسلوب وفي سن الطفولة والمراهقة ليس لديهم استعداد للتفكير بمحاولة النجاح والتفوق من أجل تجاوز مرحلة ما، هؤلاء الذين ينعتون بالفشل وتؤثر سنوات التعليم عليهم لديهم مهارة ولديهم ذكاء لكنه غير متوافق مع النظام التعليمي، من الظلم أن ينعت هؤلاء بالفشل بل من العيب أن يفعل شخص ما ذلك، كمجتمع نحن نخسر طاقات كثيرة لمجرد أننا لا نريد النظر خلف المظاهر ولا نريد أن نتعب أنفسنا قليلاً لنتأكد من مهارة الشخص وقدرته على العمل وبالتأكيد لا نريد المخاطرة بتوظيف شخص ما لا يحمل شهادة أو ليس متفوقاً في التعليم.

علينا أن نعيد التفكير في مقاييس النجاح وخصوصاً في ما يتعلق بالمدرسة والتفوق فيها، لدي أمثلة مختلفة لطلبة متفوقين دراسياً لكن ذكائهم لا يمكنه أن يخرج عن إطار الفصل الدراسي، أتذكر تضايق أحدهم كثيراً لأن مدرس الجغرافيا تجرأ على طرح سؤال عليه حول موضوع درسناه في الفصل الأول ونحن في الفصل الثاني، الطالب الأول على الفصل احتج لأن الفصل الأول لا علاقة له بالفصل الثاني والمدرس عليه ألا يطرح سؤالاً لن يأتي في امتحانات الفصل الثاني.

رد المدرس كان بسيطاً "هذا علم لا علاقة له بالامتحانات، أنت تدرس لتتعلم لا لتنجح في الامتحان" لكن الطالب أبدى رأياً مخالفاً وكانت وجهة نظره أن التعليم هدفه النهائي هو الامتحان والحصول على المركز الأول بين أقرانه في الفصل، أعلم أن هذا حادث فردي لكنه يصور ثقافة مدارسنا بشكل مثالي، لا ألوم الطالب فهو فهم حقيقة التعليم وليس لديه أدنى اهتمام بأن يتعب نفسه أكثر من اللازم لتجاوز الامتحانات.

بطاقة أخرى تحوي كلاماً مماثلاً ومختصراً:
نتيجة التعليم
هي إنتاج حملة شهادات فقدوا متعة التعلم والاكتشاف وقد يفتقرون لأبسط المهارات وأهمها.

التعليم هدفه تعليم الطلاب تجاوز الامتحانات ومن لم يجتزها يعتبر فاشلاً وسيؤثر هذا على مستقبله وقد يفقد المجتمع فرداً منتجاً لأنه يقيم الأفراد بمقاييس لا تعتمد على قيم حقيقية مفيدة.
أهذا ما نريد؟ حملة شهادات يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات كثيرة؟ ليخبرني أي شخص عن المهارات التي يحتاجها الموظف الذي يوقع ويختم ويجمع الأوراق ويتأكد من وضعها في ملف ما، هل هذا العمل يحتاج لشهادة جامعية؟ هل يحتاج هذا العمل 12 عاماً من التعليم في المدرسة و3 أعوام أو أكثر من التعليم في الجامعات والكليات؟ تخيلوا معي هذا الموظف الذي يمكنه أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه، يمكنه أن يفيد المجتمع بشكل أكبر من وظيفته التي يمكن لحاسوب أن يقوم بها وفي المستقبل القريب سيستبدله حاسوب، لكنه الآن مجرد فرد يذهب للعمل ويحصل في نهاية الشهر على راتب ينفقه في شراء أشياء كثيرة لا يحتاجها فالمجتمع ثقافته استهلاكية والمرء يجد قيمته في هاتف وسيارة ومظهر جميل.

بالتأكيد هناك وظائف تتطلب أكثر من هذا، تتطلب معرفة بتخصصات يجب أن يدرسها المرء في الجامعة، المشكلة في ما قبل الجامعة، المشكلة في المدرسة التي تقتل روح الإنسان وتفقده متعة التعلم والاكتشاف والإبداع، والمجتمع المحيط بالطالب يشارك المدرسة في فعل ذلك، السلبية لا تظهر من داخل الشخص هكذا بدون أي سبب بل هي نتيجة لما يراه حوله في المجتمع، نحن باختصار نخسر كثيراً من الإبداع والطاقات التي يمكنها أن تقدم للوطن الكثير.

أكتفي بهذا القدر، مزيد من البطاقات التعليمية في الموضوع القادم.

5 تعليقات:

سلطان يقول...

لي فتره افكر بهذا الموضوع خصوصا بعد ما قريت مقال عن انواع الذكاء

واحد من اصدقائي مستحيل يفهم من شرح المعلم
لكن لو جيت انا وﻻ اي شخص اخر وقلت له طريقت حل المسئله تلقاه تعلمها بسرعه

هذا الولد محترف بكرة القدم واخذ الاول على مدينتا بدوري البلاي ستيشن وبدون منافس

لكني اشعر بالقهر لمى القاه يتقيم بأشياء هو ما يحبها

مايحب الرياضيات وﻻ الفيزياء لكنها المقياس وهو جالس يضيع وقته بحفظ وليس فهم الرياضيات عشان يمشي بالاختبار

لو استغل ذا الوقت بتعلم الي يحبه كان صار غييير

أسامة.. يقول...

بالفعل صارت المدارس والجامعات تُخرّج طُلاب اعتادوا على ألاّ يأتوا بجديد، وذلك نسبة للمناهج الببغائية التي تكتفي بأن يملأ الطالب رأسه بالمقرر ويفرّغه في ورقة الإمتحان، والطالب الناجح هو الذي يفرّغ أكبر كمية صحيحة من المعلومات، وينساها بعد الامتحان مباشرة.

ومن العجب أنك ترى ارتفاعاً في نسبة النجاح، وترى الدرجات العالية في النتائج، ولكن بعد حين تكتشف أنّ هذا عبارة عن تضخّم فكري، لأن هذا النجاح لا أثره في المجتمع بتاتاً.

نحن نحتاج إلى مناهج تعّلم الطالب على إنتاج المعرفة وليس استهلاكها فقط، نحتاج أن يتعلّم الطالب كيف يبدي رأيه حتى في الثوابت التي لا تقبل النقاش، ولكن يبدو أن هذا لن يحدث في القريب العاجل.

عبدالله المهيري يقول...

@سلطان: من مشاكلنا أننا كمجتمع لا ننظر لأخطاء الأفراد على أنها فرصة لمراجعة الأنظمة وأساليب التقييم، عندما يفشل عدد كبير من الطلبة في تجاوز مرحلة دراسية ينعت هؤلاء بالفشل بينما النظام التعليمي نفسه لا يراجع، اسأل نفسك: أيهما أسهل، لوم الطلبة أم إعادة تصميم نظام تعليمي جديد أكثر فعالية؟

@أسامة جاب الدين: لا أعجب من وجود عدد كبير من الناجحين والمتفوقين، شخصياً أراها مسابقة في تحقيق الهدف الخطأ، علينا تغيير الهدف لكي نصحح المسابقة ونجد نتائج أفضل، لكننا نسير على نفس الهدف الخطأ منذ عقود طويلة والتغيير أصبح صعباً.

أوافقك على ما قلته في الفقرة الأخيرة من ردك، أتمنى فعلاً أن يحدث ذلك.

خوله سعيد يقول...

أغلب المتفوقين دراسياً في مدارسنا يمتلكون ذاكرة قوية ،وقد يكونون أذكياء ولكن غير مبدعين وذو أفكار محدودة،ولقد شاهدت الكثير من الأمثلة...

أذكر عندما كنت في الثانوية كانت لدي زميلة متفوقة جداً تصل نسبتها إلى 99.9 ولكنها استعانت بإحدى المدرسات لكي تعرف نسبتها!!

مرفأ الأمل يقول...

السلام عليكم
في بعض المجتمعات يتم تحديد المهارات مسبقا في سن مبكرة يكون هناك اطلاع وتنسيق عن المهارة أوالسمة المميزة التي يمتلكها الطفل ، فيوضع له خطة تنميه في هذا الجانب ويتم تقنين جهده فيما ينفعه ليصبح شخصا متخصصا في هذا المجال وعالما به ، طبعا لا يمكن تطبيق ذلك على الجميع ، إذا استطعنا تطبيقه على فئة الأذكياء المميزين فهذه نعمة كبيرة...من الصعب حقا أن نرى أطفالنا وهم يساقون إلى المدارس بعبء ثقيل ، فتكون هما يكبل طفولتهم ، طبعا لا أستطيع تعميم ذلك ، لكن الأغلبية تنفر من المدرسة ، سواء كانوا معلمين أو أهل أو طلاب ، فمن ذا الذي يجعل تعليمنا مكانا جاذبا للابداع والمتعة معا؟؟

أضف إلى هذا عدم وجود مسارات حقيقية للتعليم ، يعني التنوع في الدراسة متقلص عندنا فلو وجدت مدارس على غرار المدارس الفنية ولكن لتخصصات مختلفة تلك التي لا تحتاج إلى كثير من الحفظ بقدر ما تحتاج إلى تنمية مهارات ما لأصبح أمام الطالب خيارات أخرى ينخرط فيها ، وللأسف أغلب الجامعات الخاصة التي ظهرت على الساحة تجارية بحتة ، يظهر فيها عنصر الغش والرشوة المالية ، فلا نميز أحدا على الآخر ..
في نظري قيمة التعليم لأجل طلب العلم في حد ذاته بدأت تنحرف عن غايتها الأساسية ، فأغلب من يتهافت على الشهادات يأخذها بهدف زيادة الامتيازات في السيرة الذاتية ، والمشكلة أن الطرف الآخر ينبهر بعددها دون التمييز في جودتها .