قالوا لي مكان جميل، ورددوا علي أن الجو رائع والطبيعة جميلة، كل يوم أسمع عن تشيكماغلور وخصوصاً في الأيام الحارة وعندما تتوقف الكهرباء كأن ذلك سيخفف الحر، أخبروني أن مسجد أبي يقع على الطريق إلى تلك المدينة ثم علينا عبور سلسلة جبال ثم طريق طويل، لكن طول الطريق أمر نسبي لأن المسافة بين بيت داوود وشيكماغلور لا تزيد عن 100 كيلومتر لكن صعوبة الطريق تجعله يبدو أطول من ذلك.
في صباح اليوم المحدد خرجنا مبكراً من المنزل بعد إفطار خفيف بمقياسهم، الجو رطب وبارد والشمس لا زالت تحجبها الأشجار، معنا أحمد ابن داوود وانضم لنا بعد ذلك رجلان من أصدقاء داوود أحدهما حنيف المهندس الذي أشرف على بناء مسجدي أبي، كان الطريق شبه خال في هذا الوقت المبكر من الصباح إلا من بعض الأبقار العابرة للطريق، إحدهن كانت تنظف ولدها في منتصف الطريق وتمشي بينه وبين السيارات، داوود يشير إليها ويحدثني "سبحان الله، شوف الرحمة" ثم عاد للذكر، نحن صامتون معظم الوقت وأظن أن الجميع كانوا يستمتعون بوقتهم، الجو جميل والمناظر رائعة ولم تكن هناك حاجة للكثير من الكلام وهذا أمر نادر.
بعد أن أنهى داوود أذكاره الصباحية تحدثت معه عن الذكر بعد الصلاة وكيف أنني معجب بالشباب الهندي المسلم الذين يحرصون على الذكر بعد الصلاة حتى لو صلوا لوحدهم، داوود تذكر الحال لدينا وبدأ في انتقاده لما يراه في مساجدنا، يقول بما معناه أن كثيراً من المواطنين يستعجلون الخروج من المسجد بعد الصلاة، يسلم أحدهم من صلاته ويقوم فوراً ليضرب مؤخرته ويخرج، أعتذر عن اللفظ لكن هذا ما قاله داوود وهذا ما فاجأني في السيارة فانفجرت ضاحكاً لأنني تخيلت الصورة التي رسمها داوود، لماذا يريد أي شخص أن يضرب نفسه بعد الصلاة بهذه الطريقة؟ داوود محق في ما يقول إلا ضرب الـ .... !
توقفنا عند محطة للوقود، السيارة التي أجرناها تعمل بوقود الديزل وهي من السيارات الجديدة التي تستطيع أن تحرق الوقود بشكل نظيف فلا يخرج دخان أسود من عادم السيارة ولا يعني هذا أن الدخان هنا نظيف كلياً بل لا يزال ملوثاً لكنه أقل ضرراً، وفي الهند وقود الديزل ضروري لأن دراجات الريكشا تستخدمه ومعظم السيارات وكل الشاحنات، هذا الوقود يوفر عليهم بعض الشيء تكلفة كبيرة لكنه لا يزال مرتفع السعر مقارنة بأسعار الوقود في بلداننا وبلدان أخرى، نتيجة لذلك مدن الهند تعج بمركبات مختلفة تلوث الجو بدخانها وبأصوات منبهاتها، سأتحدث أكثر عن هذا الأمر عند الحديث عن بانجلور.
بعد أن أنهت العاملة في المحطة من تزويد السيارة بالوقود - نعم عمالة! - أكملنا السير ولا زال الجو بارداً والشمس لم ترتفع كثيراً، الهواء جميل ولذلك كنت الوحيد الذي أفتح النافذة بجانبي، لدي مناعة لا بأس بها ضد البرد لكن رحمة بمن معي في السيارة أغلقتها لكن عندما تكون سرعتنا بطيئة بعض الشيء أفتح النافذة لأضع يدي فوق الباب وأستمتع بالهواء.
على جانبي الطريق رأيت أشجاراً كبيرة بنى الهندوس أمامها النصب، أو معبد صغير جداً عبارة عن حجر مرتفع بعض الشيء ويوضع فوقه تمثال أو يكون خالياً لوضع شيء كالشمع أو قد يوضع فوقه جرس، هذا المعبد الصغير مخصص للشجرة الكبيرة التي يلتف حولها الشارع، لا يمكن أن تقطع هذه الأشجار لأن الناس سيثورون على من يحاول ذلك، رأيت بعض الناس يقفون أمام هذه الأشجار فيجمعون كفوفهم أمام وجوههم ثم ينحنون، الشجرة إله أو قد تحوي أرواح الأسلاف لذلك لا يمكن أن تقطع وكلما ازداد حجم الشجرة ازدادت قدسيتها.
تقديس الشجر ليس غريباً على من يقدس البقر والحيوانات، ربما تأثرت الهندوسية من البوذية لأن الديانتين فيهما تعاليم حول احترام المخلوقات وهذا ما رأيته في أرض الواقع، البقرة تجلس في منتصف الطريق لا تخشى شيئاً لأن الناس سيلتفون حولها، كل المطاعم الهندوسية التي رأيتها أو دخلتها كانت مطاعم نباتية لا تقدم أي شيء فيه لحم أو حتى بيض! ثقافة احترام الحيوان يجب أن نستعيدها لدينا ليس لأن الهندوس يفعلون ذلك بل لأننا كمسلمين من المفترض أن نكون رحماء بالمخلوقات، للأسف لم أتعلم ذلك إلا متأخراً وبعد أن شاركت بشكل أو بآخر في تعذيب حيوان أو طير لا حول له ولا قوة ولا زلت حتى اليوم أتذكر ما فعلته، لكن ما فعلته يبدو لي بسيطاً مقارنة مع ما أسمعه وأقرأه من قصص في بلادنا لأطفال ومراهقين فعلوا ما لا يفعله عاقل بحيوان أو طير.
بدأت الجبال ترتفع أمامنا وقبل أن نصلها توقفنا في منطقة تشرمادي لأصور مسجد أبي وهناك اجتمع أهالي المنطقة وقد كتبت عن ذلك في الموضوع السابق، بعد أن ودعناهم أكملنا السير ووصلنا لسفح الجبل أو قل سلسلة جبال، أجزاء من الطريق ممهدة وأجزاء أخرى لا يمكن أن نسميها طريقاً بل شيء آخر فهي حفر ومطبات وأحجار متناثرة، هذا الطريق حفر أول مرة أيام الاستعمار البريطاني ثم وسع قليلاً لكنه لا زال خطراً، لكن فكرة الخطورة لم تخطر على ذهني فالصباح كان جميلاً لدرجة جعلت الطريق يبدو مجرد نزهة.
كان الصعود طويلاً والطريق يلتف كأفعى، الأشجار الجبلية عالية وكثيفة والطريق شبه خال، داوود يضغط على منبه السيارة قبل كل منعطف ولا أدري كم مرة تجاوزنا سيارة كدنا نصطدم بها مع ذلك لم أشعر بأي خوف، كثير من الشمس وكثير من الجو الجميل والصحبة الطيبة جعلت كل شيء يبدو مسلياً، حتى تجاوز شاحنة أتت من الطريق المقابل يبدو مسلياً مع أن احتمال وقوعنا في الوادي كبير خصوصاً أن الإطار على الجانب الأيسر من السيارة يكاد يخرج عن الطريق!
بين حين وآخر نرى عمالاً يوقدون ناراً تحت قدر كبير للقار وسيعملون على صيانة جزء من الطريق، عمال آخرون يضعون فوق النار قدوراً كبيرة يطبخون فيها للآخرين ولمن يريد من المارة، ثم بدأنا نرى عمالاً يعملون فعلاً على صيانة أجزاء من الطريق والغريب أن أكثرهم من النساء، داوود يقول بأنهن أتين من ولايات أخرى وأنهن فقيرات لدرجة يرضين بعمل متعب وخطر ومقابل راتب ليس بالكافي.
عبرنا الجبال نحو الجهة الأخرى منها وهناك رأينا وادياً يفصلنا عن سلسلة جبال أخرى، مشينا قليلاً لنتوقف أمام سيارة ركشا تبيع الآيسكريم، هذا وقت مناسب للراحة، خرجنا من السيارة وأخذ كل واحد منا آيسكريم وبدأنا في التقاط الصور للوادي، في الوادي أناس يعيشون حياة بين الطبيعة وبعيداً عن المدنية وعن الكهرباء وعن بقية البشر، أناس يعتمدون على الطبيعة حولهم في أكلهم وشربهم.
بعد أن أنهيت هجومي على الآيسكريم بحثت عن مكان أضع فيه الغلاف ففعلت ما فعله آخرون قبلي، رميته في الشارع! لا توجد سلات مهملات في الشوارع لأن الشوارع هي سلات للمهملات، وهذا لا يقتصر على المناطق النائية بل حتى المدن تعاني من هذه المشكلة لكن بشكل أقل.
أكملنا طريقنا ومرة طلبت من داوود التوقف لتصوير فراشات زرقاء وصفراء رأيتها أكثر من مرة على الطريق لكنني الآن أجد مكاناً مناسباً للتوقف والتصوير، حاولت أن أجعل واحدة تهبط على يدي فلم أفلح، أحمد ابن داوود يحب الحيوانات والطيور والمخلوقات على اختلافها ويكره المدرسة - هذا أمر مشترك بيننا! - ما إن خرج من السيارة ومد يده حتى هبطت فراشة على يده! ولأول مرة في الرحلة أسمعه يتكلم لأكثر من دقيقة، يحدثني عن هواياته وكيف أنه يفضل أن يتعلم بنفسه ويمارس الفن بنفسه - وهو يجيد الرسم حقاً - بدلاً من فعل ذلك في المدارس، سلبيات الأنظمة التعليمية تبدو متشابهة في كثير من دول العالم.
وصلنا إلى تيشكماغلور بعد ساعة تقريباً من نزولنا من الجبل، هي مدينة صغيرة وهي ككثير من المدن الأخرى مزدحمة وملوثة بالضوضاء والدخان، لحسن الحظ لم نكن إلا عابرين إلى الجهة الأخرى منها حيث سنذهب إلى بيت أخو داوود، حسن هو السائق الثاني الذي يعمل في منزلنا وهو من أتى بداوود لمنزلنا، وهو أبو عيسى الولد الذي فقد نعمة السمع منذ ولادته وقد أخبرتكم عنه سابقاً.
استقبلنا ابن مرشد ابن حسن ثم جاء الصغير عيسى، كم سمعت عنهما من أبيهما وأنا الآن معهم، عيسى ملك الشقاوة، فهو يدرك الأشياء ويفهمها حتى لو لم يكن يسمع، وهو يسمي الناس بحركات يده، فإذا أراد أن يشير لعمه داوود يضع يده تحت ذقنه كأنه يمسح على لحية، طلبت منهم أن يسألوه عن اسمي فوضع يده تحت ذقنه إشارة للحيتي ثم وضع يديه على جانبيه كأنه يشير إلى حجمي الكبير! هذا هو اسمي "الحركي!"
أتت وجبة الغداء وكعادتهم هناك أنواع وأشكال من الأكل وبأحجام صغيرة، ثم وضعوا الحلويات وكان من بينهما الحلوى المفضلة لدي غلاب جامون، الجو كان رائعاً والأبواب والنوافذة مفتوحة وهناك ستائر على الأبواب ترفرف، لا يحتاجون للمكيفات في هذه المنطقة، والطبيعة حولهم جميلة والماء متوفر ويأتي من الجبال بارداً.
ارتحنا قليلاً بعد الغداء ثم خرجنا وانضم لنا مرشد وعيسى، في الطريق من بيت حسن إلى الشارع العمومي رأيت بومبا! خنزير بري أسود اللون، ثم رأيت الثاني والثالث، المنطقة مشهورة بهذا الحيوان وهي تسرح وتمرح في كل مكان والعجيب أن لها قدرة غريبة على تجنب التصوير، لكما أردت تصوير واحد اختفى خلف الأشجار.
زرنا بيت أحد تجار المنطقة وهو من رتب لنا مكان إقامة في فندق جبلي، شربنا الشاي وتناولنا مزيداً من الحلويات، كنت أسأل داوود عن أسمائها فأخبرني أن هذه الحلوى التي تحوي حشوة حمراء في داخلها تسمى ديلكوش وترجمتها كما قال داوود القلب الفرحان، فقلت ترجمتها "فرح القلب" وأردت أن أترجم بقية الأسماء لكنني انشغلت بأكل الحلويات.
انطلقنا إلى مكان إقامتنا في الجبال، الطريق كان ممهداً والجو يزداد برودة بصعودنا، مزارع القهوة في كل مكان هنا، أخبروني أن أول من جاء بالقهوة إلى الهند وبالتحديد هذه المنطقة هو داعية عراقي، لا أحد يستطيع تأكيد الأمر لكنها القصة التي توارثها الناس، جاء الرجل ومعه حبوب القهوة وزرعها وبنى له مكاناً في الجبل للذكر والعلم وبدأ الناس يتبعونه ويعيشون معه في عزلة بعيداً عن كل شيء، حبوب القهوة أصبحت مزارع على مد البصر وأفضل نوع من القهوة يسمونها هناك أرابيكا.
بعد صعود ونزول وبحث طويل وصلنا إلى الفندق الذي يطل على الوادي، مكان رائع لكنه بارد وموحش في الليل، كان عشائنا خفيفاً فعلاً هذه المرة، الرياح تعصف وغرفتي فيها أكثر من 10 مصابيح لم أستطع إغلاقها كلها، كنت أقرأ قليلاً ثم أكتب قليلاً ثم أحاول النوم لكن لا أستطيع الوصول له فأعود للقراءة والكتابة.
في صباح اليوم التالي خرجت إلى الشرفة وهناك كان المنظر جميلاً، الضباب يغطي كل شيء لكن الرياح تدفعه فتكشف عن الوادي ثم يختفي المنظر ليعود مرة أخرى، الجو بارد وأنا ألبس ثياباً خفيفة ومع ذلك لم أكن أشعر بشيء من البرد، أخذت آخر صورة قبل أن تنفذ طاقة بطارية الكاميرا وجلست هناك أقرأ في هذا الجو العجيب، هدوء لا تسمع فيه إلا أصوات الطيور، منظر الوادي أمامي والضباب يجعله صورة كأنها أتت من رواية خيالية، كان بإمكاني أن أجلس هناك لساعات.
للأسف لم نفعل فقد خرجنا مبكراً لنتناول الإفطار في المدينة، لكنني استمتعت برحلة النزول من الجبل، كان ابن داوود يضع لنا قرصاً صلباً يحوي أناشيد مختلفة، هل تستطيع أن تتخيل المنظر؟ سبعة في سيارة والنوافذ مفتوحة، الجو بارد والوادي أمامنا وفي بعض الأحيان تحجب الأشجار المنظر لندخل في مكان مظلم قليلاً، السيارة تغني "يا سامعين صلوا على النبي محمد" وكل من في السيارة يغني إلا أنا وداوود، أظن أن داوود لا يفعل ذلك احتراماً لسنه وأما أنا فشفقة بالآخرين!
لم يحدث الكثير هذا اليوم، زرنا مسجداً بني من الطين قبل 70 عاماً وهؤلاء بحاجة ماسة لمسجد جديد، الأرض متوفرة لكن المال ينقصهم، وحول المسجد مزارع القهوة وبيوت كثيرة والمسجد المتوفر لهم صغير.
داوود أراد أن يرتب رحلة "سفاري" لكن وصلنا متأخرين فوعدني إن زرتهم مرة أخرى أن نحجز لهذه الرحلة مسبقاً، هل يمكنك أن تتحيل السير في غابة فوق ظهر الفيل؟ ولا أنا! بعد ذلك ذهبنا إلى بيت التاجر مرة أخرى وهذه المرة لتناول الغداء وقد أعد الرجل ما لم أره من قبل، أنواع وأشكال من الطعام وطاولة كبيرة بالكاد تركت مساحة للجلوس في الغرفة الصغيرة، سبق أن تحدثت عن الرجل وإصراره العجيب على ألا يترك أي مساحة فارغة في معدتي.
بعد ذلك عاد مرشد وعيسى لبيتهم، والرجلان المرافقان لنا نزلوا إلى محطة حافلات ولم يبقى إلا أنا وداوود وابنه أحمد، كان الوقت في آخر الظهيرة وكنا نريد العودة إلى بيت داوود، عدنا إلى نفس الطريق الذي جئنا منه وعدنا إلى الجبال، الطريق الآن مرعب، حط الظلام ونحن في منتصف الطريق وليس هناك أي إضاءة غير إضاءة السيارات، الحذر مطلوب هنا، داوود تعود في مثل هذا الموقف أن يذكر الله بصوت عالي ويشاركه أبنائه، لذلك طلب من ابنه أن يبدأ الحساب بمسبحة وبدأوا في التكبير والتسبيح والتهليل والدعاء من قبل غروب الشمس وحتى خرجنا إلى الطرف الآخر من الجبل في الليل.
تشيكماغلور بلا شك جميلة ولا يكفيها يومان وليلة، كان علينا أن نعد لها بشكل أفضل، لكن بإذن الله إن زرتهم مرة أخرى سألتقط مزيداً من الصور للجبال ومزارع القهوة والفيلة!
في صباح اليوم المحدد خرجنا مبكراً من المنزل بعد إفطار خفيف بمقياسهم، الجو رطب وبارد والشمس لا زالت تحجبها الأشجار، معنا أحمد ابن داوود وانضم لنا بعد ذلك رجلان من أصدقاء داوود أحدهما حنيف المهندس الذي أشرف على بناء مسجدي أبي، كان الطريق شبه خال في هذا الوقت المبكر من الصباح إلا من بعض الأبقار العابرة للطريق، إحدهن كانت تنظف ولدها في منتصف الطريق وتمشي بينه وبين السيارات، داوود يشير إليها ويحدثني "سبحان الله، شوف الرحمة" ثم عاد للذكر، نحن صامتون معظم الوقت وأظن أن الجميع كانوا يستمتعون بوقتهم، الجو جميل والمناظر رائعة ولم تكن هناك حاجة للكثير من الكلام وهذا أمر نادر.
بعد أن أنهى داوود أذكاره الصباحية تحدثت معه عن الذكر بعد الصلاة وكيف أنني معجب بالشباب الهندي المسلم الذين يحرصون على الذكر بعد الصلاة حتى لو صلوا لوحدهم، داوود تذكر الحال لدينا وبدأ في انتقاده لما يراه في مساجدنا، يقول بما معناه أن كثيراً من المواطنين يستعجلون الخروج من المسجد بعد الصلاة، يسلم أحدهم من صلاته ويقوم فوراً ليضرب مؤخرته ويخرج، أعتذر عن اللفظ لكن هذا ما قاله داوود وهذا ما فاجأني في السيارة فانفجرت ضاحكاً لأنني تخيلت الصورة التي رسمها داوود، لماذا يريد أي شخص أن يضرب نفسه بعد الصلاة بهذه الطريقة؟ داوود محق في ما يقول إلا ضرب الـ .... !
توقفنا عند محطة للوقود، السيارة التي أجرناها تعمل بوقود الديزل وهي من السيارات الجديدة التي تستطيع أن تحرق الوقود بشكل نظيف فلا يخرج دخان أسود من عادم السيارة ولا يعني هذا أن الدخان هنا نظيف كلياً بل لا يزال ملوثاً لكنه أقل ضرراً، وفي الهند وقود الديزل ضروري لأن دراجات الريكشا تستخدمه ومعظم السيارات وكل الشاحنات، هذا الوقود يوفر عليهم بعض الشيء تكلفة كبيرة لكنه لا يزال مرتفع السعر مقارنة بأسعار الوقود في بلداننا وبلدان أخرى، نتيجة لذلك مدن الهند تعج بمركبات مختلفة تلوث الجو بدخانها وبأصوات منبهاتها، سأتحدث أكثر عن هذا الأمر عند الحديث عن بانجلور.
بعد أن أنهت العاملة في المحطة من تزويد السيارة بالوقود - نعم عمالة! - أكملنا السير ولا زال الجو بارداً والشمس لم ترتفع كثيراً، الهواء جميل ولذلك كنت الوحيد الذي أفتح النافذة بجانبي، لدي مناعة لا بأس بها ضد البرد لكن رحمة بمن معي في السيارة أغلقتها لكن عندما تكون سرعتنا بطيئة بعض الشيء أفتح النافذة لأضع يدي فوق الباب وأستمتع بالهواء.
على جانبي الطريق رأيت أشجاراً كبيرة بنى الهندوس أمامها النصب، أو معبد صغير جداً عبارة عن حجر مرتفع بعض الشيء ويوضع فوقه تمثال أو يكون خالياً لوضع شيء كالشمع أو قد يوضع فوقه جرس، هذا المعبد الصغير مخصص للشجرة الكبيرة التي يلتف حولها الشارع، لا يمكن أن تقطع هذه الأشجار لأن الناس سيثورون على من يحاول ذلك، رأيت بعض الناس يقفون أمام هذه الأشجار فيجمعون كفوفهم أمام وجوههم ثم ينحنون، الشجرة إله أو قد تحوي أرواح الأسلاف لذلك لا يمكن أن تقطع وكلما ازداد حجم الشجرة ازدادت قدسيتها.
تقديس الشجر ليس غريباً على من يقدس البقر والحيوانات، ربما تأثرت الهندوسية من البوذية لأن الديانتين فيهما تعاليم حول احترام المخلوقات وهذا ما رأيته في أرض الواقع، البقرة تجلس في منتصف الطريق لا تخشى شيئاً لأن الناس سيلتفون حولها، كل المطاعم الهندوسية التي رأيتها أو دخلتها كانت مطاعم نباتية لا تقدم أي شيء فيه لحم أو حتى بيض! ثقافة احترام الحيوان يجب أن نستعيدها لدينا ليس لأن الهندوس يفعلون ذلك بل لأننا كمسلمين من المفترض أن نكون رحماء بالمخلوقات، للأسف لم أتعلم ذلك إلا متأخراً وبعد أن شاركت بشكل أو بآخر في تعذيب حيوان أو طير لا حول له ولا قوة ولا زلت حتى اليوم أتذكر ما فعلته، لكن ما فعلته يبدو لي بسيطاً مقارنة مع ما أسمعه وأقرأه من قصص في بلادنا لأطفال ومراهقين فعلوا ما لا يفعله عاقل بحيوان أو طير.
بدأت الجبال ترتفع أمامنا وقبل أن نصلها توقفنا في منطقة تشرمادي لأصور مسجد أبي وهناك اجتمع أهالي المنطقة وقد كتبت عن ذلك في الموضوع السابق، بعد أن ودعناهم أكملنا السير ووصلنا لسفح الجبل أو قل سلسلة جبال، أجزاء من الطريق ممهدة وأجزاء أخرى لا يمكن أن نسميها طريقاً بل شيء آخر فهي حفر ومطبات وأحجار متناثرة، هذا الطريق حفر أول مرة أيام الاستعمار البريطاني ثم وسع قليلاً لكنه لا زال خطراً، لكن فكرة الخطورة لم تخطر على ذهني فالصباح كان جميلاً لدرجة جعلت الطريق يبدو مجرد نزهة.
كان الصعود طويلاً والطريق يلتف كأفعى، الأشجار الجبلية عالية وكثيفة والطريق شبه خال، داوود يضغط على منبه السيارة قبل كل منعطف ولا أدري كم مرة تجاوزنا سيارة كدنا نصطدم بها مع ذلك لم أشعر بأي خوف، كثير من الشمس وكثير من الجو الجميل والصحبة الطيبة جعلت كل شيء يبدو مسلياً، حتى تجاوز شاحنة أتت من الطريق المقابل يبدو مسلياً مع أن احتمال وقوعنا في الوادي كبير خصوصاً أن الإطار على الجانب الأيسر من السيارة يكاد يخرج عن الطريق!
بين حين وآخر نرى عمالاً يوقدون ناراً تحت قدر كبير للقار وسيعملون على صيانة جزء من الطريق، عمال آخرون يضعون فوق النار قدوراً كبيرة يطبخون فيها للآخرين ولمن يريد من المارة، ثم بدأنا نرى عمالاً يعملون فعلاً على صيانة أجزاء من الطريق والغريب أن أكثرهم من النساء، داوود يقول بأنهن أتين من ولايات أخرى وأنهن فقيرات لدرجة يرضين بعمل متعب وخطر ومقابل راتب ليس بالكافي.
عمال يعدون القار لأعمال صيانة الطريق |
عبرنا الجبال نحو الجهة الأخرى منها وهناك رأينا وادياً يفصلنا عن سلسلة جبال أخرى، مشينا قليلاً لنتوقف أمام سيارة ركشا تبيع الآيسكريم، هذا وقت مناسب للراحة، خرجنا من السيارة وأخذ كل واحد منا آيسكريم وبدأنا في التقاط الصور للوادي، في الوادي أناس يعيشون حياة بين الطبيعة وبعيداً عن المدنية وعن الكهرباء وعن بقية البشر، أناس يعتمدون على الطبيعة حولهم في أكلهم وشربهم.
بعد أن أنهيت هجومي على الآيسكريم بحثت عن مكان أضع فيه الغلاف ففعلت ما فعله آخرون قبلي، رميته في الشارع! لا توجد سلات مهملات في الشوارع لأن الشوارع هي سلات للمهملات، وهذا لا يقتصر على المناطق النائية بل حتى المدن تعاني من هذه المشكلة لكن بشكل أقل.
صورة للوادي بين الجبال التي كنا نعبرها |
أكملنا طريقنا ومرة طلبت من داوود التوقف لتصوير فراشات زرقاء وصفراء رأيتها أكثر من مرة على الطريق لكنني الآن أجد مكاناً مناسباً للتوقف والتصوير، حاولت أن أجعل واحدة تهبط على يدي فلم أفلح، أحمد ابن داوود يحب الحيوانات والطيور والمخلوقات على اختلافها ويكره المدرسة - هذا أمر مشترك بيننا! - ما إن خرج من السيارة ومد يده حتى هبطت فراشة على يده! ولأول مرة في الرحلة أسمعه يتكلم لأكثر من دقيقة، يحدثني عن هواياته وكيف أنه يفضل أن يتعلم بنفسه ويمارس الفن بنفسه - وهو يجيد الرسم حقاً - بدلاً من فعل ذلك في المدارس، سلبيات الأنظمة التعليمية تبدو متشابهة في كثير من دول العالم.
وصلنا إلى تيشكماغلور بعد ساعة تقريباً من نزولنا من الجبل، هي مدينة صغيرة وهي ككثير من المدن الأخرى مزدحمة وملوثة بالضوضاء والدخان، لحسن الحظ لم نكن إلا عابرين إلى الجهة الأخرى منها حيث سنذهب إلى بيت أخو داوود، حسن هو السائق الثاني الذي يعمل في منزلنا وهو من أتى بداوود لمنزلنا، وهو أبو عيسى الولد الذي فقد نعمة السمع منذ ولادته وقد أخبرتكم عنه سابقاً.
استقبلنا ابن مرشد ابن حسن ثم جاء الصغير عيسى، كم سمعت عنهما من أبيهما وأنا الآن معهم، عيسى ملك الشقاوة، فهو يدرك الأشياء ويفهمها حتى لو لم يكن يسمع، وهو يسمي الناس بحركات يده، فإذا أراد أن يشير لعمه داوود يضع يده تحت ذقنه كأنه يمسح على لحية، طلبت منهم أن يسألوه عن اسمي فوضع يده تحت ذقنه إشارة للحيتي ثم وضع يديه على جانبيه كأنه يشير إلى حجمي الكبير! هذا هو اسمي "الحركي!"
عيسى يحمل لوحة رسمها ويريدني أن أراها |
أتت وجبة الغداء وكعادتهم هناك أنواع وأشكال من الأكل وبأحجام صغيرة، ثم وضعوا الحلويات وكان من بينهما الحلوى المفضلة لدي غلاب جامون، الجو كان رائعاً والأبواب والنوافذة مفتوحة وهناك ستائر على الأبواب ترفرف، لا يحتاجون للمكيفات في هذه المنطقة، والطبيعة حولهم جميلة والماء متوفر ويأتي من الجبال بارداً.
ارتحنا قليلاً بعد الغداء ثم خرجنا وانضم لنا مرشد وعيسى، في الطريق من بيت حسن إلى الشارع العمومي رأيت بومبا! خنزير بري أسود اللون، ثم رأيت الثاني والثالث، المنطقة مشهورة بهذا الحيوان وهي تسرح وتمرح في كل مكان والعجيب أن لها قدرة غريبة على تجنب التصوير، لكما أردت تصوير واحد اختفى خلف الأشجار.
المنظر من فوق بيت حسن |
زرنا بيت أحد تجار المنطقة وهو من رتب لنا مكان إقامة في فندق جبلي، شربنا الشاي وتناولنا مزيداً من الحلويات، كنت أسأل داوود عن أسمائها فأخبرني أن هذه الحلوى التي تحوي حشوة حمراء في داخلها تسمى ديلكوش وترجمتها كما قال داوود القلب الفرحان، فقلت ترجمتها "فرح القلب" وأردت أن أترجم بقية الأسماء لكنني انشغلت بأكل الحلويات.
انطلقنا إلى مكان إقامتنا في الجبال، الطريق كان ممهداً والجو يزداد برودة بصعودنا، مزارع القهوة في كل مكان هنا، أخبروني أن أول من جاء بالقهوة إلى الهند وبالتحديد هذه المنطقة هو داعية عراقي، لا أحد يستطيع تأكيد الأمر لكنها القصة التي توارثها الناس، جاء الرجل ومعه حبوب القهوة وزرعها وبنى له مكاناً في الجبل للذكر والعلم وبدأ الناس يتبعونه ويعيشون معه في عزلة بعيداً عن كل شيء، حبوب القهوة أصبحت مزارع على مد البصر وأفضل نوع من القهوة يسمونها هناك أرابيكا.
بعد صعود ونزول وبحث طويل وصلنا إلى الفندق الذي يطل على الوادي، مكان رائع لكنه بارد وموحش في الليل، كان عشائنا خفيفاً فعلاً هذه المرة، الرياح تعصف وغرفتي فيها أكثر من 10 مصابيح لم أستطع إغلاقها كلها، كنت أقرأ قليلاً ثم أكتب قليلاً ثم أحاول النوم لكن لا أستطيع الوصول له فأعود للقراءة والكتابة.
في صباح اليوم التالي خرجت إلى الشرفة وهناك كان المنظر جميلاً، الضباب يغطي كل شيء لكن الرياح تدفعه فتكشف عن الوادي ثم يختفي المنظر ليعود مرة أخرى، الجو بارد وأنا ألبس ثياباً خفيفة ومع ذلك لم أكن أشعر بشيء من البرد، أخذت آخر صورة قبل أن تنفذ طاقة بطارية الكاميرا وجلست هناك أقرأ في هذا الجو العجيب، هدوء لا تسمع فيه إلا أصوات الطيور، منظر الوادي أمامي والضباب يجعله صورة كأنها أتت من رواية خيالية، كان بإمكاني أن أجلس هناك لساعات.
للأسف لم نفعل فقد خرجنا مبكراً لنتناول الإفطار في المدينة، لكنني استمتعت برحلة النزول من الجبل، كان ابن داوود يضع لنا قرصاً صلباً يحوي أناشيد مختلفة، هل تستطيع أن تتخيل المنظر؟ سبعة في سيارة والنوافذ مفتوحة، الجو بارد والوادي أمامنا وفي بعض الأحيان تحجب الأشجار المنظر لندخل في مكان مظلم قليلاً، السيارة تغني "يا سامعين صلوا على النبي محمد" وكل من في السيارة يغني إلا أنا وداوود، أظن أن داوود لا يفعل ذلك احتراماً لسنه وأما أنا فشفقة بالآخرين!
لم يحدث الكثير هذا اليوم، زرنا مسجداً بني من الطين قبل 70 عاماً وهؤلاء بحاجة ماسة لمسجد جديد، الأرض متوفرة لكن المال ينقصهم، وحول المسجد مزارع القهوة وبيوت كثيرة والمسجد المتوفر لهم صغير.
داوود أراد أن يرتب رحلة "سفاري" لكن وصلنا متأخرين فوعدني إن زرتهم مرة أخرى أن نحجز لهذه الرحلة مسبقاً، هل يمكنك أن تتحيل السير في غابة فوق ظهر الفيل؟ ولا أنا! بعد ذلك ذهبنا إلى بيت التاجر مرة أخرى وهذه المرة لتناول الغداء وقد أعد الرجل ما لم أره من قبل، أنواع وأشكال من الطعام وطاولة كبيرة بالكاد تركت مساحة للجلوس في الغرفة الصغيرة، سبق أن تحدثت عن الرجل وإصراره العجيب على ألا يترك أي مساحة فارغة في معدتي.
بعد ذلك عاد مرشد وعيسى لبيتهم، والرجلان المرافقان لنا نزلوا إلى محطة حافلات ولم يبقى إلا أنا وداوود وابنه أحمد، كان الوقت في آخر الظهيرة وكنا نريد العودة إلى بيت داوود، عدنا إلى نفس الطريق الذي جئنا منه وعدنا إلى الجبال، الطريق الآن مرعب، حط الظلام ونحن في منتصف الطريق وليس هناك أي إضاءة غير إضاءة السيارات، الحذر مطلوب هنا، داوود تعود في مثل هذا الموقف أن يذكر الله بصوت عالي ويشاركه أبنائه، لذلك طلب من ابنه أن يبدأ الحساب بمسبحة وبدأوا في التكبير والتسبيح والتهليل والدعاء من قبل غروب الشمس وحتى خرجنا إلى الطرف الآخر من الجبل في الليل.
تشيكماغلور بلا شك جميلة ولا يكفيها يومان وليلة، كان علينا أن نعد لها بشكل أفضل، لكن بإذن الله إن زرتهم مرة أخرى سألتقط مزيداً من الصور للجبال ومزارع القهوة والفيلة!
صورة التقطها سريعاً في تيشكماغلور، لم يكن هناك وقت لضبط أي شيء! |
هذا ما كنت أراه من شرفة غرفتي في الصباح |
كانت تشاركني الشرفة، حشرة غريبة الشكل وخضراء جداً |
8 تعليقات:
رحله موفقه ماشاء الله
طب ايش سر كثرة الفراشات ماشاء الله الشجره الوحده عليها كم هائل؟ احنا في السنة وبالصدفه تمر من قدامنا فراشه وحده
بنت الثلاثين
ذكرتني مناظر الجبال بالمناطق الجبلية في شمال الولايات المتحدة ومدى جمالها، ثم أرى هذه الصور في بلاد فقيرة مثل الهند بل وبعضها في بلاد عربية بائسة فأجد أن جمال الطبيعة هو هو، لكن ما يختلف هو ما فعله الانسان بما حولها. فهذا الجمال في بلد متقدم افضل كثيرا من بلد متخلف، فالطرق أنظف والحركة أسهل، والمهم ان بناء الانسان لا يلوث المنظر بل يتوافق معه فترى لوحات متناسقة من جمال الخلق الالهي وجمال الصنع الانساني في جواره! لماذا لا تكون الارض كلها كذلك؟ طبعا السبب معروف وهو غباء الانسان!
السلام عليكم
رحلة جميلة اتابعها من تدوينة للاخرى
أعجبتني صورة الفراشات و التي اتعجب كيف صورتها دون ان تطير...
تحياتي
توثيق جميل، أطرب كثيرا لمروري على مدونتك..
@بنت الثلاثين: الطبيعة مختلفة، بلادنا صحراوية، بلادهم يختلف مناخها بحسب المناطق، هناك صحراء في الغرب من الهند، وهناك جبال وأنهار وغابات في جنوب الهند وفي شمالها أيضاً، هذا الغنى البيئي يجعل الهند مكاناً رائعاً لكثير من الحيوانات والحشرات والطيور.
@محمد شدو: نعم، هذا هو السبب، بإمكان الناس حول العالم أن يجعلوا بلدانهم نظيفة متقدمة أنيقة لكن التدافع بينهم لا يتجه نحو الإصلاح بل نحو إبقاء الأمور كما هي أو جرها للأسوأ.
@Sonnet: كنا نمر على أشجار تحوي عشرات إن لم يكن مئات الفراشات لكن كلها في أماكن غير مناسبة للتوقف، هل يمكنك تخيل منظر عشرات منها؟ وهي لا تطير بعيداً عن الأشجار لذلك الاقتراب منها كان سهلاً.
@عبدالله بن عمر: أشكرك.
رحلة ماتعة وسرد جميل..
أقترح أن تشارك الآخرين رحلتك فمن خلال منتدى سياحي.. وانا اقترح عليك منتدى الزاد http://www.travelzad.com/vb
فعلا استمتعت كثيرا بسردك للرحلة وبالنسبة للحشرة الخضراء فاسمها البقة الخضراء وهى تنتشر فى المناطق الخضراء ذات الأجواء الحارة والرطبة
القلب الفرح
ديل كخوشي حيث تدمج الكاف والخاء في اللفظ
هو القلب السعيد
حلويات هندية افتقدها الان
الطبيعة في جنوب الهند هي جنة الله على الارض
وناسها من اطيب البشر
اتمنى ان اعود لاقيم هنالك اياما
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.