الأحد، 13 أكتوبر 2013

اقتصاد المشاركة

ملاحظة: هذا موضوع أرسلته بالأمس إلى مشتركي نشرة الطريق الأبسط، أنشره هنا لأهمية الموضوع.

في الماضي القريب كان الناس أكثر تشاركاً بالموارد، أذكر مثلاً أن العلاقات بين الجيران كانت أكثر متانة مما هي عليه اليوم، كان من الطبيعي أن يتعاون الجار مع جاره في أمور مختلفة، مثلاً بيت يملك سيارة يستخدمها الجيران كذلك فيذهب أبناء البيت مع أبناء الجيران إلى المدرسة في سيارة واحدة، أذكر كذلك تبادل أشرطة الكاسيت والفيديو وألعاب الفيديو وبرامج الحاسوب بل والألعاب على اختلافها، أذكر تبادل الصحون إذ يرسل كل جار إلى جاره طعاماً.

هذه الصورة اختفت معالمها إلا في أوقات قليلة مثل رمضان، لكن غير ذلك لم أعد أجد أي نوع من الترابط الاجتماعي الذي كان سائداً في الماضي، بالطبع أنا أتحدث عن واقع أعيشه وقد يكون واقعك مختلفاً.

بل قد تجد أفراد العائلة الواحدة يبتعدون عن المشاركة ويحاول كل شخص منهم أن يستقل بنفسه، فيشتري كل واحد منهم تلفازاً لغرفته، ثلاجة، حواسيب وألعاب فيديو وأجهزة إلكترونية مختلفة كالحواسيب المحمولة ومشغلات صوتية وغير ذلك، أدوات رياضية مختلفة، أطعمة مختلفة يضعها في الثلاجة وخارجها، ربما صحون وملاعق وما يحتاجه المرء لكي يأكل، سيارة خاصة، مكتبة خاصة، البيت يصبح مجرد مكان إقامة لا أكثر، ليس مستغرباً أن تجد في كل بيت العديد من أجهزة التلفاز وصحون مختلفة لالتقاط البث الفضائي، اشتراكات للإنترنت متعددة، ثلاجات عديدة وسيارات مختلفة.

هذا نوع من الإسراف وهو لا شك تعقيد للحياة وزيادة تكاليفها، لأن كل فرد يريد لنفسه ما عند الآخرين بدلاً من التفكير في المشاركة بالموارد، لأن التعامل مع الأشياء أسهل من التعامل مع الناس، المشاركة تتطلب تعاوناً وتفاوضاً دائمين، المشاركة تعني أن المرء عليه أن يمارس مهاراته الاجتماعية كل يوم لأنه سيواجه تضارباً بين الرغبات وأفعال الناس وتصرفاتهم.

المشاركة بالموارد هي إحدى الحلول المهمة والأساسية للكثير من مشاكل هذا الكوكب، الأمر لا يتعلق بالتبسيط فقط لكن بالبيئة والترابط الاجتماعي، اقتصاد المشاركة فكرة بدأت بالانتشار أكثر في الغرب وستصلنا بطرق مختلفة لكن في الحقيقة يفترض بنا كمسلمين وعرب أن ندرك أن حياتنا الاجتماعية في الماضي وثقافتنا تعتمد كثيراً على المشاركة وإن لم نكن نسميها بهذا الاسم، بإمكاننا الاستفادة من أفكار غربية كثيرة لكن ثقافتنا يجب أن تكون هي الأساس، الإيثار والصدقة والزكاة والتراحم بين الناس، كل هذه القيم هي من أصل ثقافتنا.

صور المشاركة مختلفة وهناك أفكار كثيرة، خذ على سبيل المثال المكتبات العامة، فهي موارد مهمة يتشارك فيها كل من يستخدم المكتبة، وهي مكان يوفر فرصة للتثقيف والتعليم لكل الناس وهي مكان لقاء وترابط اجتماعي يدور حول الثقافة والكتب والمصادر الأخرى، بإمكان الناس تبسيط حياتهم بعدم تكوين مكتبة خاصة بهم والاكتفاء بمكتبة عامة وهذا ما يفعله كثير من الناس في الغرب إما باختيارهم أو مضطرين لأنهم لا يملكون تكلفة إنشاء مكتبة خاصة في المنزل، والأمر لا يختلف هنا كثيراً، المكتبة العامة لها قيمة عالية وفائدة كبيرة لكل من يستخدمها وفوائدها تتعدى نشر الثقافة لأنها تعطي فرصة لمن لا يملك ثمن شراء الكتب والموارد الأخرى.

الآن هناك نوع آخر من المكتبات بدأت بالظهور والانتشار وهي مكتبات الأدوات، هذه المكتبات تحوي أدوات بسيطة كالمطرقة والمنشار وأدوات الزراعة والمعاول وغير ذلك مما يمكنك تصوره، المفيد هنا في مثل هذه المكتبة أنها تعطي فرصة للمشاركة بهذه الأدوات، كثير من الناس لا يحتاجون هذه الأدوات إلا قليلاً لكنهم يتشرونها ويحتفظون بها دون استخدام إلا قليلاً، أليس من الأفضل المشاركة مع الآخرين بمثل هذه الأدوات؟ المشاركة ليست سهلة إذ أن البعض يهمل في استخدام الأدوات ولا يحافظ عليها والبعض لا يعيدها لكن هذا ثمن يستحق تحمله مقابل تبسيط حياة الناس وتقليل التكلفة عليهم.

في يوم ما قد ترغب في تعلم النجارة وإنشاء طاولة خاصة بك، هذه المهمة تتطلب أدوات عديدة لكنك لا تريد أن تفعل ذلك كهواية دائماً لأنك فقط تريد طاولة خاصة بك، الخيار الاستهلاكي هو أن تشتري كل ما تريده وأكثر وتحتفظ بكل هذه الأدوات عندما تنتهي من استخدامها، والخيار الأبسط هو أن تستأجر هذه الأدوات لمدة محدودة ثم تعيدها فلا تأخذ مساحة من بيتك ولا تكلفك الكثير.

نوع آخر من المشاركة بدأ بالانتشار عالمياً وهو المشاركة بالسيارات، شيء أتمنى أن يحدث هنا في أبوظبي لأنه سيكون دافعاً لي لكي أستخرج رخصة قيادة سيارة، هناك ما يقرب من ألف مدينة لديها برنامج للمشاركة بالسيارات، الفكرة بسيطة وهي أن يشترك المرء في هذا البرنامج فيكون له حق استئجار السيارة فيأخذها من أحد المواقف الخاصة بها ويستخدمها كما يشاء ثم يعيدها إلى أحد المواقف الخاصة بها ويتركها هناك، هذه العملية لا تتطلب تدخل أي شخص آخر، المشترك لا يجب عليه أن يفكر بالوقود أو الصيانة، يمكن للمشترك أن يستخدم السيارة لمدة قصيرة أو طويلة بحسب حاجته لكن لا شيء يجبره أن يدفع مبلغ استخدام يوم كامل.

هناك برامج مماثلة للمشاركة بالدراجات الهوائية وفي مدن مختلفة، ووسائل النقل العام كالقطارات والمترو والحافلات والترام كلها تعتبر برامج مشاركة ومؤسف أن هناك مدن عديدة لا تهتم بتطوير هذه الوسائل أو حتى استخدامها في حين أن العائد من وسائل النقل العامة سيكون إيجابياً على اقتصاد المدينة وسيوفر على الناس العديد من التكاليف.

المشاركة لها أشكال كثيرة وهذه بعضها:
  • المشاركة بالمزارع، أو المجتمعات التي تدعم المزارع، رأيت مرة برنامجاً عن تجارب يابانية، إذ يشتري مجموعة من الناس أرضاً زراعية قريبة من المدينة أو حتى داخل المدينة، يزرعونها ويتشاركون في الحاصل من الخضروات والأعشاب بدلاً من شرائها من المحلات.
  • المشاركة بالخبرات والتعليم، هناك مواقع ويب محلية كثيرة يتعاون فيها الناس على نشر التعليم والخبرات، يتبرع كل شخص بخبراته ومهاراته ليقدم دورات ومحاضرات، المدارس والجامعات والمؤسسات على اختلافها تطلب هذه المهارات والمواقع تنظم عملية التواصل بين من يملك المهارة ومن يحتاجها.
  • مكتبات الأدوات ومكتبات الكتب، سبق أن تحدثت عنها، كذلك مكتبات من أي نوع، هناك مثلاً متاجر تؤجر أجهزة ألعاب الفيديو! أو أجهزة إلكترونية مختلفة، بدلاً من شراء تلفاز تستأجره لمدة محدودة.
  • المشاركة بسيارتك، سبق أن تحدثت عن المشاركة بالسيارات لكن ما أعنيه هنا أن تشارك بسيارتك آخرين، مثلاً تذهب إلى العمل مع زملاء العمل في سيارة واحدة، أو تتفق مع زملائك على المشاركة بالسيارة لأغراض محددة، تشتركون في تكلفة الوقود وتجدون الصحبة في الطريق.
  • المشاركة في بناء حي، يتعاون الناس هنا لبناء وإدارة مرافق الحي وتنظيم شؤونه، الفائدة هنا أن تكون مجتمعاً صغيراً مترابطاً من الجيران.
  • البرامج الحرة والمفتوحة المصدر نوع من المشاركة بالموارد، يطورها البعض ليستخدمها الجميع.
  • خدمة Airbnb تتيح للناس المشاركة ببيوتهم، يمكنك من خلال الخدمة أن تجد غرفة في مدن كثيرة، استئجارها سيكون أرخص من استخدام الفنادق، ومثلها خدمة Couchsurfing.
  • خدمة TaskRabbit تتيح للناس أن يقدموا أوقاتهم مقابل المال لإنجاز أعمال الآخرين، قرأت مرة قصة شاب فقد وظيفته لكن بدأ يعمل للآخرين من خلال هذه الخدمة وأصبح يجد عمله الجديد أفضل من عمله السابق، لتنوعه ولأنه على اتصال بالناس يومياً ويساعدهم وفي نفس الوقت يحصل على مبلغ يكفيه لكي يعيش.
هذه بعض أنواع المشاركة، ليس لدي نصائح مباشرة لك لتطبقها على حياتك العملية، لكن حقيقة لا أظنك بحاجة لأي نصيحة مباشرة، أنت أدرى بواقعك وما يمكنك فعله، المبدأ بسيط والتطبيقات كثيرة: المشاركة بالموارد أبسط وأفضل للجميع، أم التطبيقات فحقيقة لا يوجد حد لها، فكر بما يمكنك فعله على المستوى الشخصي والعائلي وعلى مستوى المؤسسة التي تعمل فيها والحي الذي تعيش فيه.

إضافة
هذه قائمة بكتب تدور حول موضوع المشاركة:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.