أبدأ سلسلة مقالات اليابان بواحدة عن الطعام، هذه سلسلة ستكون طويلة ولن أطرحها مقالاتها بشكل متتالي لأنني إن فعلت فلن أكتب شيئاً لأشهر إلا عن اليابان وسيكون هذا مملاً، هذه السلسلة يفترض أن تكون مقالات طويلة في موقعي لكن لم أفعل شيئاً لكي أحقق هذا التصور ولذلك أجد أن البداية الصغيرة هنا خير من عدم فعل شيء، السلسلة ستدور حول أشياء صغيرة وكبيرة، حول الطعام والأدوات والعادات وشيء من التاريخ، لا تتوقع شيئاً ثقيلاً أكاديمياً موثقاً، هذه مقالات للمتعة وللفائدة ومن أراد التفاصيل والتوثيق فالكتب حول اليابان كثيرة.
هناك أنواع مختلفة في اليابان من ما يسمى بالعربية شعرية وبالإنجليزية Noodle وفي اليابان تسمى بأسماء مختلفة على حسب أشكالها واليوم أتحدث عن الثلاثة الأشهر وهي سوبا، رامن وأودون، كلها تبدو من النظرة الأولى شعرية لا تختلف عن بعضها البعض لذلك تذكر أن اليابان ثقافة تهتم بالتفاصيل الصغيرة واختلاف هذه التفاصيل يجعلهم يرون الأشياء مختلفة في حين أن غير الياباني قد لا يلاحظ الفرق أو لا يعتبره كبيراً كفاية.
الشعرية بأنواعها طعام قديم يعود تاريخها لأربعة آلاف عام أو أكثر وهي لا تقتصر على الشرق ففي الغرب أيضاً أنواع منها كالمعكرونة الإيطالية سباغتي، وكما انتشر الطعام الإيطالي حول العالم فقد انتشر الطعام الشرقي أيضاً حول العالم ورامن بالتحديد انتشرت وأصبحت طعاماً يفضله الطلاب والعزاب حول العالم لسهولة إعداده، في الحقيقة كثير من الناس يحبون رامن سواء كانوا متزوجين أم عزاباً وفي المحلات تجد أنواعاً منها جاهزة - غالباً أندومي - وكل ما عليك هو طبخها لدقائق، وفي اليابان تعتبر أنواع الشعرية كلها نوع من الطعام السريع فإعداده وأكله لا يتطلب الكثير ولذلك تجد كثيراً من مطاعم الشعرية في محطات المترو والقطارات في اليابان حيث يتوقف البعض لتناول صحن من الشعرية قبل أن يركب القطار.
لنبدأ بالسوبا، أحد أشهر الأطعمة في اليابان فهي بسيطة رخيصة ومغذية وتأتي بأشكال مختلفة بحسب مناطق اليابان، تصنع سوبا من دقيق الحنطة السوداء وتأتي على شكل خيوط رفيعة وتقدم باردة لتأكل مع صلصلة الصويا وشيء من واسابي ونوري - نوع من أعشاب البحر - أو تقدم ساخنة في حساء داشي وهو حساء سمك يستخدم لأطعمة كثيرة في اليابان، ويمكن إضافة التوفو المقلية للحساء أو تمبورا أو حتى البيض النيء وكذلك أنواع من اللحوم، يمكن أيضاً أن تصنع على شكل كرات معجونة بوضع الماء الساخن عليها وتحريكها وقد تشوى أو توضع على شكل أقراص مخبوزة في حساء.
طريقة إعداد سوبا بسيطة، يضاف الماء تدريجياً لطحين الحنطة السوداء وتعجن حتى تصبح كتلة واحدة متماسكة تبدو ملساء دون أي هواء فيها، ثم تبسط على شكل مربع كبير يطوى ليصبح طبقات عديدة وبعد ذلك تقطع هذه العجينة لتصبح على شكل خيوط أو شعرية تطبخ في ماء ساخن لأقل من دقيقة ثم توضع في ماء بارد فوراً لتصبح متماسكة وتقدم على صحن بعد التخلص من الماء الزائد.
طحين الحطنة السوداء كان طعاماً لعامة الناس وللفقراء في اليابان، في غرب اليابان كان الناس يفضلون أودون المصنوعة من دقيق القمح ويعتبرونه طعاماً أرقى، في إدو أو ما نعرفها اليوم باسم طوكيو اجتمع الناس من مختلف أنحاء اليابان ليبدأوا مشاريع بنى تحتية لبناء إدو، هذه الفترة كانت مزدهرة من نواحي كثيرة وسنعود لها مرات عديدة، المهم أن سكان إدو كانوا يفضلون أودون لكنهم بعد ذلك بدأوا في صنع طعام مختلف يناسب ظروفهم وأذواقهم وبدأوا يجربون صنع الشعرية من طحين الحنطة السوداء لكن طبخه كان يفتت الشعرية لذلك وجدوا أن عليهم طبخه باستخدام البخار وبعد ذلك خلطوا طحين الحنطة السوداء مع شيء من طحين القمح لصنع شعرية متماسكة لا تتفتت وأصبحت ما يعرف اليوم بسوبا، وبدأت مطاعم سوبا في الانتشار حول إدو.
أودون تصنع من طحين القمح وتأتي على شكل خيوط سميكة وتطبخ مثل السوبا وتقدم كذلك مثل السوبا باردة أو ساخنة في حساء، في القرن الثامن الميلادي وصلت فكرة أودن إلى اليابان من الصين من خلال بعثة يابانية دبلوماسية، في حديثنا عن اليابان سنجد أن كثيراً من الأفكار جاءت من الصين إلى اليابان ثم طورها اليابانيون ليجعلوها مميزة وتناسب ثقافتهم.
أودون لم ينتشر في اليابان لأن المطاحن الحجرية كانت غالية السعر وتستخدم في الغالب لصنع ماتشا، الشاي الأخضر الياباني الذي يشرب في حفلات الشاي اليابانية التقليدية، ثم دخلت اليابان في حرب أهلية واحتاج أمراء الحرب لصنع قلاع حجرية، بعد الحرب لم يجد بناة القلاع عملاً لهم فبدأوا بصنع المطاحن الحجرية، المزارعون في ذلك الوقت كان عليهم دفع جزء كبير من محصول الأرز كضريبة لذلك بدأوا في زرع القمح والذي يمكن زراعته بعد حصاد الأرز، هكذا بدأت الأطعمة المعتمدة على طحين القمح بالانتشار ومنها أودون.
اليوم هناك مطاعم يابانية متخصصة في أودون وتتميز بالخدمة الذاتية، بمعنى أن تختار بنفسك كيف تعد أودون، في البداية تختار الكمية التي تريدها ثم تضعها في ماء ساخن ثم تختار الإضافات التي تريد، الأسماك المقلية أو الروبيان أو توفو وغير ذلك ثم تضيف ما تشاء من نكهات وحساء.
بقي رامن، فكرته جاءت من الصين لكنه في اليابان وجد شهرته وأصبح عالمياً عندما اخترع رامن جاهز يمكن صنعه وتعليبه بكميات كبيرة ويحفظ لمدة طويلة، يختلف رامن عن أودون بأمرين، الأول أن خيوطه رفيعة عكس أودون والثاني أنه يقدم ساخناً في حساء مع إضافات مختلفة بينما أودون يقدم بهذه الطريقة وكذلك يقدم بارداً، حقيقة حاولت معرفة فروق أساسية بين النوعين فلم أجد غير هذا، الشيء الوحيد الذي لاحظته بخصوص رامن أنه أكثر تنوعاً في أنواع الحساء المستخدمة وكذلك أنواع الإضافات التي تأتي معه.
إذا ذهبت لمطعم ياباني أو حتى في مكان يأكل فيه يابانيون أي نوع من الشعرية فلا تستغرب من الأصوات التي يصدرونها عند أكل الشعرية، فهم يأخذون جزء من الشعرية بأعواد الأكل ويضعون طرفها في الفم ثم يشفطونها بسرعة وهذا يحدث صوتاً غير مستحب لدى أكثر الناس لكنه في اليابان تعبير عن الاستمتاع بمذاق الشعرية ونوع من الأدب أو الأتيكيت أو أوساهو وطريقة لإخبار الطاهي بأنهم يشكرونه على هذا الطعام وبعضهم يرى أن الطعام ألذ بشفطه هكذا، شخصياً لا أحب سماع أي صوت يصدره أي شخص عند الأكل، لو دخلت إلى مطعم يصدر فيه الناس مثل هذه الأصوات وأجبرت على البقاء هناك سأعتبر هذا انتهاكاً لحقوق الإنسان ... لكن كما ترى، هذه ثقافة وعادات شعب.
نقطة أخيرة هنا، يمكنك أن تعد رامن أو أودون بنفسك وإن وجدت طحين الحطنة السوداء فيمكنك إعداد سوبا، ما تراه جاهزاً في الأسواق تذكر أنه مصنع ويحوي نسبة عالية من الدهون المشبعة وربما نسبة عالية من الملح بحسب النوع، هذا طعام غير صحي، شخصياً آكله مرتين أو ثلاث في العام لأنني أشتهيه ومرة أكلته بعد أن قرأت تحذيراً سخيفاً ضده وصلني في البريد الإلكتروني، المهم هنا ألا تكثر الأكل من هذه الأنواع الجاهزة، تعلم إعداده بنفسك وسيكون صحياً وشهياً أكثر ويمكنك أن تجرب، رامن وأودون طعام بسيط، شعرية وحساء ويمكنك إضافة ما تشاء من الخضار أو اللحوم.
روابط:
- مصدر الصورة أعلى الموضوع: Moto
- بالصور، مراحل صنع سوبا من الطحين إلى الصحن
- درس: إعداد وصنع رامن
- رامن جاهز وصحي أكثر، بدلاً من استخدام التوابل التي تأتي مع الرامن الجاهز اصنع شيئاً بنفسك.
2 تعليقات:
أشعر بالجوع الآن ..
@بعد كتابة هذا الموضوع بحثت في المنزل عن أندومي ولم أجد .. لحسن وسوء الحظ في نفس الوقت، لكن في أي فرصة أذهب فيها للجمعية سأشتري شيئاً منها.
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.