في كتابه القصير أو مقالته الطويلة جداً في البدء كان سطر الأوامر قارن الروائي نيل ستيفنسون بين أنظمة التشغيل المختلفة وقارن كذلك بين واجهة الاستخدام الرسومية وسطر الأوامر، يمكنك قراءة المقالة في الشبكة وستجد أنها بحاجة لتحديث لأن عالم أنظمة التشغيل تغير بشكل كبير، مايكروسوفت لا زالت مسيطرة بنظام ويندوز، أبل عادت للحياة بعد أن كادت أن تضع رجلها الثانية في القبر، لينكس لم يعد صعباً بل أصبح مملاً من سهولة استخدامه، نظام بي لم يعد موجوداً لكن هناك مشروع هايكو الذي وصل لمرحلة متقدمة ويهدف لإعادة إحياء نظام بي مع إضافة مميزات متقدمة له.
في الكتاب تحدث ستيفنسون عن سطر الأوامر ووصفه بأنه وسيلة حديث مع الحاسوب، المستخدم يكتب أمراً فيجيبه الحاسوب بتنفيذ الأمر أو بأن يقول بأنه لم يفهم الأمر في حال لم يكتب المستخدم الأوامر بشكل صحيح، المستخدم يطلب من الحاسوب عرض ملفات في مجلد ما فيفعل الحاسوب، يطلب منه نقل ملف ما إلى مجلد آخر فيفعل، يطلب منه أن يعرض آخر الرسائل، يكتب رداً على رسالة ويرسله، يشغل المحرر النصي ليكتب مقالة، في نافذة أخرى يفتح المتصفح ليراجع ويكيبيديا، بعد ذلك يغلق المحرر النصي والمتصفح ويشغل ملف فيديو، يستمع لملفات صوتية، كل هذا وغيره يمكن فعله من خلال سطر الأوامر وكل هذا ينجز من خلال حديث بين المستخدم والحاسوب.
في سطر الأوامر يمكن للمستخدم أن يدمج أدوات صغيرة لتنفذ له عملاً بسيطاً أو معقداً وهذا في نظر البعض نوع من البرمجة مع أن المستخدم لا يفعل الكثير إلا أنه يدمج الأدوات بترتيب منطقي لتعطيه نتيجة محددة وهذا يشبه كثيراً البرمجة، يمكن للمستخدم أن يخبر الحاسوب بأن ينفذ أوامر محددة كل فترة محددة، كل ساعة أو كل يوم أو كل أسبوع، يمكنه أن يجعل الحاسوب يؤدي مهام متكررة فيختصر على نفسه الوقت.
طبيعة سطر الأوامر تسمح للناس بدمج الأدوات، كل أداة في حد ذاتها بسيطة وتحوي كثيراً من الخصائص لكنها خصائص تدور حول شيء واحد فقط، كل أداة متخصصة لتنفيذ شيء محدد، وهناك خاصية في سطر الأوامر تسمى Pipes أو حرفياً "الأنابيب" وهي خاصية تسمح لكل برنامج بإرسال النتائج إلى برنامج آخر، كل برنامج يعالج البيانات بطريقته ثم يرسلها لبرنامج آخر بحسب ما يرغب فيه المستخدم، هكذا يمكن للمستخدم تنفيذ مهمات كثيرة بأوامر قليلة، وإن احتاج لإعادة تنفيذ هذه السلسلة من الأوامر يمكنه حفظها فيصبح البرنامج على بعد بضعة أحرف، يكتب المستخدم هذه الأحرف السريعة ثم يكتب أول احرف من اسم الملف ثم يضغط على زر Tab ليكمل الحاسوب كتابة اسم الملف ثم يضغط المستخدم على زر الإدخال، كل هذا قد يحتاج لثانيتين أو ثلاثة.
سطر الأوامر بقوته ومرونته وبساطته يمكنه أن يقدم الكثير للمستخدم في المقابل يطلب من المستخدم أن يتعلم كيف يستخدمه، القوة لا تأتي بدون ثمن، إن أردت إحسان استخدامها لا بد من فهمها جيداً.
في بدايات انتشار الإنترنت كان الناس يستخدمون أجهزة المودم للاتصال وأقصى سرعة كان يمكن تحقيقها هي 56 كيلوبت - لا كيلوبايت - أو أقل من ذلك، كان الاتصال بالإنترنت مكلفاً وكانت المحتويات قليلة مقارنة مع اليوم وهذا لم يمنع الناس من إدمان الشبكة، كانت خدمات الدردشة في ذلك الوقت مشهورة أكثر من أي شيء آخر، ومهما طال تصفح المرء للويب في ذلك الوقت عليه أن يقطع الاتصال لأن التكلفة تحسب بالدقائق، كان على المرء أن يكتفي بما في حاسوبه ويستفيد منه لأن الشبكة لن تقدم له كل شيء، في ذلك الوقت المتصفح مجرد برنامج آخر ولا يأخذ من وقت الحاسوب الكثير، هناك برامج أكثر أهمية، هناك ألعاب ومحتويات يمكن قراءتها بدون اتصال بالشبكة، ولم يكن الاتصال الدائم بالشبكة خياراً متوفراً إلا لمن يستطيع دفع التكلفة العالية.
كانت الكتب والمجلات مصدراً مهماً للمحتويات حول الحاسوب، المجلات تأتي مع أقراص مدمجة وقبل ذلك أقراص مرنة، كل قرص متخم بالبرامج وربما شيء من المحتويات، بعض المجلات تضع دروساً في البرمجة أو تطوير المواقع أو تضع دروساً حول كيفية إنشاء ميزانية شخصية أو قاعدة بيانات لمكتبة المستخدم أو كيف يصمم نشرة إخبارية من صفحة واحدة.
كان الناس يبحثون عن برامج تفيدهم وتؤدي لهم خصائص محددة فإن لم يجدوا سيبحثون عن طريقة للاستفادة من البرامج المتوفرة والتي يمكن برمجتها كقواعد البيانات أو الجداول الممتدة مثل إكسل، فإن لم تنفع هذه الأدوات قد يبدأ أحدهم في تعلم البرمجة لكي يطور ما يحتاجه من برامج.
قبل ذلك كانت الحواسيب المنزلية تأتي مع لغات برمجة وبعضها يأتي بمخطط للحاسوب نفسه وللمعالج، المستخدم يتوقع منه أن يفهم الجهاز ويبرمجه بنفسه لأنه إن لم يفعل فلن يكون الحاسوب سوى قطعة من البلاستيك غالية الثمن، كان كثير من الحواسيب يأتي مع لغة البرمجة بيسك، يكتب المستخدم البرنامج ثم يجربه ثم يعدله ثم يجربه وهكذا يبقى في دائرة إلى أن ينجز البرنامج، وإن أراد حفظه فعلى شريط ما يسمى الكاسيت أو إن كان محظوظاً فعلى أقراص مرنة.
كانت البرمجة بسيطة في ذلك الوقت لأنه لا يوجد حاجز بينها وبين المستخدم، هناك طبقة واحدة فقط تفصل المستخدم عن الجهاز وهي طبقة لغة البرمجة، يمكن للمستخدم أن يبرمج الجهاز مباشرة دون أي معرفة مسبقة بأي نظام تشغيل، عليه فقط أن يعرف الأوامر التي يحتاجها للتحكم بالشاشة أو الصوت أو لأداء مهمات حسابية وغير ذلك، لم يكن هذا سهلاً لكنه كان بالتأكيد ممتعاً وأدى لظهور مئات المبرمجين الذين أصبحوا لاحقاً يعملون أو يملكون شركات برمجة معروفة اليوم.
اليوم لم تعد البرمجة كما كانت من قبل، البرمجة أصبحت أكثر تعقيداً لأن المبرمج عليه أن يفهم طبقات من نظام التشغيل ولغات البرمجة ولكي يكتب برنامجاً بسيطاً عليه أن يخوض في مثل هذه الطبقات ويفهم ما يقدمه نظام التشغيل ولغة البرمجة.
السؤال هنا: هل فقدنا شيئاً؟ كثير من الناس لا يستخدمون الحاسوب إلا لاحتياجاتهم الشخصية، التصفح، البريد، المشاركة بالصور والروابط وغير ذلك، لنتصور لو أن شركات الحاسوب وفرت لهؤلاء وسيلة لبرمجة الحواسيب بسيطة وسهلة هل ستكون البرمجة جزء من استخدامهم اليومي؟ وسيلة البرمجة قد تكون شيئاً سهلاً مثل هايبركارد، أعلم جيداً أن ليس كل الناس يريدون البرمجة لذلك أسأل: ماذا لو وفرنا لهم لغة برمجة سهلة، ما الذي سيحدث؟
كان كل ما سبق محاولة لتجميع شتات الأفكار ... كم يبدو لا زالت أفكاري مشتتة، لذلك سأعيد الكتابة عن نفس الموضوع في المستقبل بعد أن أقرأ المزيد عنه، في موضوع لاحق سأضع بعض الروابط لأدوات توفر وسيلة سهلة للبرمجة.
7 تعليقات:
انا مازلت استخدم الــ Dial up الذي تحدثت عنه
ونتيجة لذلك لم استطع مشاهدة الفيديو
طبعًا لا استخدمه لانني احن إلى التاريخ ولكن لانه لايتوفر لدي غيره
فهذه التقنية في الاتصال تحرمك في الوقت الحالي من الكثير من المحتوى الموجودة على الشبكة لان اغلب المحتوى يحتاج إلى سعات اتصال عادية وليست منخفضة.
الله يعطيك العافيه
موضوع رائع ومتخم بالمعلومات السلسه والخفيفه
استمر يا بطل
وان شاء الله نري لغات برمجه سهله وقويه في المستقبل
تحياتي لك
أرى بأن هذا جزء طبيعي من تطور العلوم. يبدأ الأمر معقدًا وذا متعةٍ خاصة ثم ينتهي به للسهولة في الاستخدام والتعقيد في الصناعة. وبينهما تحدث تغييرات على مستوى المستخدم والمنتِج تؤدي بالعلم لمسارات مختلفة مما يحدث أسلوبًا مختلفًا في التعامل مع العلم والمُنتَج.
أصل للسؤال: هل فقدنا شيئًا؟ بالرغم من رؤيتي السابقة إلا أنني بالفعل أجدنا مفتقدين شيئًا ما. هذا الشيء هو "متعة" الاستخدام. فحينما تتصفح، تكتب، تتحدث، أنت لا تفعل شيئًا سوى تغيير مفهوم التواصل من معناه الملموس إلى معناه بالنظام الثنائي؛ مما يفقدك متعة الابتكار والتجريب والدخول في أخطاء ومشاكل ومن ثم حلها بطرق إبداعية. هذا فيما يخص المهتمين بالتقنية، لكن هل على المستخدم العادي الإلمام بهذا؟ أظن أننا نعاني أزمة مفاهيم فالـGeek عندنا هو شخص يملك حسابات عديدة على الشبكات الاجتماعية، أجهزة من شركات متعددة، وكاميرا احترافية بالطبع! هذه أزمة مفاهيم علينا بحلها ثم ننتقل لتعامل المستخدم العادي مع البرمجة.
بالمناسبة، رغم أن الموضوع من صلب اهتمامي إلا أني لم أقرأ حوله من قبل ولم تطرح هذه القضية في الجامعة وهذه أزمة أخرى.
مقال ممتع ممتع لكل من لديه اهتمام بالحاسوب ، منذ زمن لم اقرأ مقالاً من أوله إلى آخره كما فعلت اليوم ، فشكراً لك استاذ عبدالله على امتاعك لي . . .
@Ahmed Gdedouy: أنا أحن لأيام استخدام الدايل أب أو المودم، كانت أياماً جميلة، لكن بالطبع عملياً لن أستغني عن خط سريع لخط أبطأ، على أي حال، الفيديو مجرد مقطع صغير لا يعرض سوى صوت المودم لا أكثر لذلك لم تفقد شيئاً هنا، وأتمنى أن تحصل على خط سريع في أقرب وقت، شكراً على المشاركة.
@غير معرف: بارك الله فيك.
@haghaz: بالفعل هو أمر طبيعي، ما سميته متعة الاستخدام هي ما أراه متعة التعلم وكما قلت متعة الابتكار والتجريب والوقوع في الأخطاء، ليس على أحد الإلمام بهذا سواء كان يصف نفسه بأنه مستخدم عادي أم غير ذلك، المسئلة هنا هل يرغب في أن يخوض في كل هذا ليكتشف شيئاً لم يكن يعرفه من قبل؟ أوافقك على أزمة المفاهيم وما يعنيه Geek لكنني شخصياً أجد أن هذه المشكلة يمكن تجاوزها لأننا سنبقى دائماً مختلفين على ما يعنيه هذا المصطلح أو ذاك.
في المواقع الأجنبية هناك نقاشات كثيرة حول الموضوع، ابحث عن why johnny can't code وستجدين مقالة في salon.com ونقاشات في مواقع مختلفة.
@محب لغة سي: شكراً لك وحياك الله.
تأخرت في الرد، لكن لا مشكلة، لا يوجد شيء أقوله سوى أنني مثل السيد Ahmed Gdedouy، لا أزال أستخدم الاتصال عبر المودم منذ 4 سنوات، وكما قال تماماً، أنا محروم من الكثير من المواقع الضخمة، وأيضاً من الاستماع ومشاهدة الفيديو، لكنه بالنسبة لي وسيلة سهلة جداً للوصول إلى المعلومات عبر الشبكة.
لا زال استخدام الدايل اب شائعا الى الان في سوريا مثلا 80 بالمئه عايشين على الدايل اب نظرا لضيق لقلة عدد البوابات في المقاسم و عدم تحديثها و في بعض الاحيان تكون الشروط امنيه!!!
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.