الجمعة، 16 يناير 2009

عودة للكورنيش

مضى وقت طويل منذ أن مشيت على الكورنيش، هذا مكان لا أحب أن أذهب له إلا مع شخص آخر، لأنني ببساطة أخجل وأخشى من المشي لوحدي هناك! كنت في الماضي أذهب مع أحد الأصدقاء بعد صلاة العشاء وكنا نمشي مسافة طويلة ونعود ولا أشعر بأي تعب، لعله النقاش الذي يخفف التعب فقد كنا نتحدث عن كل شيء، عن الأمور الجادة وغير الجادة، عن القضايا الكبرى وعن أصغر الأشياء ونستمتع بوقتنا، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً وتوقفنا عن الذهاب إلى هناك، مشيت مرات عدة مع صديق آخر ثم توقفنا ولم أعد للمكان مرة أخرى إلا مرة واحدة مع أخي.

قبل يومين قررت الذهاب إلى هناك لوحدي، لم يعد من المجدي أن أستعين بصديق لكي أذهب إلى هناك وعلي أن أكسر الأعذار السخيفة، بعد صلاة العشاء توجهت مباشرة من المسجد إلى الكورنيش مشياً، الجو بارد وملابسي خفيفة، كانت هناك صور متناقضة في عقلي فأنا الآن أمشي في أمان على رصيف نظيف وأرى مساحات خضراء جميلة والهدوء يحيط بي، كنت أتخيل صورة الدمار في فلسطين ورائحة الموت ومشاعر الرعب والخوف، أي تناقض هذا الذي نعيشه؟

قبل الكورنيش هناك محطة وقود ومن الطرف الثاني هناك مقهى تفوح منه رائحة الشيشة العفنة، قبل المقهى هناك معرض سيارات فخمة ومتجر للأثاث الحديث، صور الدمار تدور في عقلي كشريط سينمائي، يبدو أنني أعيش في عالم خيالي، نزلت إلى نفق المشاة ثم إلى الجانب الآخر من الشارع، نوافير كثيرة، هناك اثنان يجلسان على كرسي بعيد، رائحة البحر أعادتني للماضي، بدأت المشي وبدأت ألاحظ أمرين، الأول عدد كبير من الناس يركبون الدراجات الهوائية، يمكن لأي شخص أن يستأجر واحدة، الأمر الآخر هو نظرات الناس، لا ألومهم لأنني ببساطة كنت كقطعة تراثية أتات من المضي لتمشي على كورنيش حديث، رأيت 6 أشخاص يلبسون مثل ما ألبس، أما البقية فملابسهم حديثة والحمدلله أن الجو بارد وإلا لرأيت الثياب المختصرة.

هناك أعلام تحوي صورة وجملة تقول "أغيثوهم،" هل يمكنك تصور التناقض الكبير بين ما تدعو له الأعلام وما يحدث في الكورنيش؟ هذا مكان يلهون فيه الناس ويمارسون الرياضة ويستمتعون بحياتهم، بل هناك محلات لبيع المأكولات والحلويات والآيس كريم، يمكن للمرء أن يحمل في يمينه كوباً من الآيس كريم الأمريكي ويرفع يساره منادياً بالتحرك الفوري لوقف العدوان، كل شيء يمكن أن يجتمع هنا.


ليس هناك شيء آخر يستحق أن أتحدث عنه، مشيت مسافة قصيرة مقارنة مع المسافات التي كنت أقطعها في الماضي، كيف كان بإمكاني أن أصل إلى آخر الكورنيش وأعود بدون أن أشعر بتعب كبير؟ سنوات من الكسل المتراكم ظهرت آثارها اليوم، عندما وصلت للمنزل كنت باختصار محطماً، حتى فكرت بألا أعود، لكنني عدت وهذه المرة اخترت أن أمشي بعد صلاة الفجر.

الصورة مختلفة قليلاً، أكثر من رأيتهم هناك هم عمال النظافة وهناك أناس يمشون في هذا الجو البارد، أما في نفق المشاة فقد رأيت شاباً مستنداً على جدار النفق ويدخن سيجارة وقد غطى وجهه بقبعة، ثيابه تبدو عليها آثار الإهمال ويحمل شنطة على ظهره، عندما انتيهت من المشي وعدت من نفس الطريق رأيته نائماً في نفس المكان، النفق دافئ مقارنة مع الجو خارج النفق، هل الشاب مشرد ولا يملك مكاناً ينام فيه؟ لا أدري، سبق أن عرفت قصة لشاب عربي اضطر للنوم في الكورنيش لأنه لم يكن يملك أي شيء.

تؤلمني كثيراً قصص المشردين، أرى أن التشرد جريمة في حق الإنسانية تمارسها المجتمعات الحديثة عندما تضغط على الناس بكل الطرق وترميهم في الشوارع، مجتمعات لا تعرف إلا لغة الدراهم فإن لم تكن تملكها فمكانك في الشارع ولن يهتم بك أحد، هل أصبحنا مثل هذه المجتمعات؟ أعرف قصصاً لمشردين في الإمارات، بعضهم من أبناء الوطن، وإن لم تصدق فهناك أخبار نشرت في الصحف الرسمية عن مثل هذه الحالات، التشرد ليس ظاهرة لدينا ويجب ألا يصبح ظاهرة.

هذه المرة عدت من المشي وأنا في حالة أفضل، لعلي أعود لما كنت عليه في الماضي وأعود لقطع المسافات الطويلة، وهذه صور التقطها هذا الصباح.

  قائمة الممنوعات كما يجب أن تسمى وليس "تعليمات عامة" وإذا قرأت أول نقطة ستجدها "يمنع التعري لحمام الشمس" فهل أفهم من هذا أن التعري مسموح لأشياء أخرى؟! صياغة الجملة يجب أن تكون أكثر وضوحاً لكي لا تترك مجالاً لسخيف مثلي أن يتفلسف، النقطة 13 تقول يمنع لعب الكريكت، يمكنك أن تلعب أي شيء إلا الكريكت، لماذا؟ لأن الهنود والباكستانيين يلعبون هذه اللعبة وهذه النقطة موجهة لهم، بصراحة أجدها عنصرية.

لوحة على جدار ممر المشاة.

شجرة ظننت أنها من فصيلة النخيل لكن تبين أنها من فصيلة أخرى لا أعرف اسمها بالعربية، الشجرة تسمى Cycas revoluta، وأصلها من جنوب اليابان، ويمكنها أن تصل إلى ارتفاع يبلغ 6 أو 7 أمتار لكنها ستحتاج من 50 إلى 100 سنة لتفعل ذلك!

تجربة لصورة مقربة "ماكرو" ... هل يعرف أحدكم اسم هذا النوع من الورود؟

أخيراً أترككم مع فن الجدران الذي أراه تخريباً أكثر مما هو فن عندما يكون بالشكل الذي ترونه في الصورة، "امبراطورية البطين الديموقراطية" جملت أثارت انتباهي، كيف تكون أي امبراطورية ديموقراطية؟ ثم ما علاقة البطيخ بالأمر؟ وماذا تعني VTC؟ هذه الكتابة على جدار محطة كهربائية في منطقتنا.

10 تعليقات:

غير معرف يقول...

اخي عبدالله.. بت أشعر ان الحياة التي نعيشها مزيفة ولا تمت للعالم الخارجي بصلة..نعيش بمعزل عنهم وكأنهم من الهونولولو او بلاد العجائب! اشعر بالخيانة وانا اذهب الى عملي كل يوم لأحضر لمهرجان التسوق وأجامل هذا وتلك وكأن فلسطين لا تعنيني.. في زمن آخر.. كان يمكن ان يكون ذلك الاب المكلوم الذي ودع بناته الخمسة هو ابي.. وكان يمكن ان تكون تلك الارملة الباكية هي اختي.. وذلك الطفل المقطوع الاطراف هو اخي او ابني.. حسبنا الله ونعم الوكيل

أون آي سايد نوت.. اشتقت لكورنيش ابوظبي.

vtc اعتقد انها تعني النيسان الفي تيك.. كتلك التي تمتلكها عتوقة الشهيرة :)

غير معرف يقول...

فعلا حياتنا مليئة بالتناقضات..

قبل قليل من كتابتي لهذه السطور ئهبت إلى أحد المراكز التجارية لتخليص مشوار على السريع..
تأملت فيما حولي فوجدت نفس ازعاراض التي تعودنا عليها سابقا كل يوم.. لا تأثر بأي أحداث خارجية.. أخوانننا في غزة يقتلون و أخوانهم و بني جلدتهم أكثر من يتسكعون في هذه المولات!
والظاهر أن الغريب بات يحن على أهل غزة أكثر من القريب!

عبد الرحمن المسيعد يقول...

ليتك يا عبد الله تهتم بمسألة التاريخ، لأنه يعطي الذكريات عبقاً آخر. الآن كتابك فيها عبق المكان، لكنها تفتقد إلى عبق الزمان. لو قلت عام كذا وكذا، لنقلتنا معك إلى غياهب الماضي، ربما نتذكر أن كنا نحن تلك اللحظة.

غير معرف يقول...

أما أنا فأشتقت للمواضيع التقنية ولمدونة سردال :(

عبدالله المهيري يقول...

apples: ظننت أن المهرجان سيلغى هذا العام، هذا التناقض الذي نعيشه طبيعي في ظل هذا الوضع، فنحن دول وأفراد لا نسير في اتجاه واحد وليس لدينا نظرة للبعيد، أكثر أفعالنا هي ردود أفعال.

أسامة: رأيتهم أيضاً في المقهى وصوت التلفاز العالي يطرب الحي، أعجب ما يمكن أن تراه هو رواد المقاهي، يشفط من الشيشة لينفث حكمة: الله يلعن اليهود!

عبد الرحمن المسيعد: ذاكرتي لا تسعفني عندما أريد تذكر أي شيء يتعلق بي، قليلة هي الأشياء التي أتذكر متى حدثت، أستطيع أن أقول لك بأنها حدثت في أوائل التسعينات أو قبل بضعة أعوام، لكن لا أتذكر العام أو اليوم بشكل دقيق.

مدون: تابع مدونة GadgetsArabia فقد كتبت فيها مقالات تقنية.

غير معرف يقول...

عبدالله شعورك و كلماتك الطيبة تدخل إلى القلب..أعاني هذا الشعور من التناقض بين ما يعانيه أهلي في فلسطين و بين الحياة التي نعيشها كيف و نحن أمة كالجسد الواحد, منذ فترة شاهدت برنامج تلفزيوني عن الأطفال الزرق في أفغانستان من الثلوج و لا يجدون أغطية لتقيهم البردو ينامون في أماكن مكشوفة ...بعدها إلى الآن لا أستطيع النوم إلا بعد عناء و أحيانا أنام بغطاء خفيف لأشعر بالبرد مثلهم
عرفت أن نقابة الأطباء عندنا ترسل هناك مساعدات فحمدت الله أنني أستطيع فعل شئ لهم
عندما أسير بالجامعة أشعر بالحزن الشديد كيف هذا الشباب و هذا الاختلاط السافر و هذه الملابس كيف يستطيعوا الجهاد...لا يوجد شاب مخشوشن إلا ما رحم ربي
و هناك ظاهرة الآن أجد البنات و الأولاد يرتدون الكوفية الفلسطينية و يفعلون جميع المنكرات

(اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم)

غير معرف يقول...

ياله من تناقض .
وهذا التناقض ليس فقط في الإمارات إنه في كل مكان أصبح الجميع اليوم يتفرج على مباريات الكرة القدم ويتابع هذه المغنية أو تلك و إخوانه يقتلون يوميا بمتسوط 55 روح تزهق يوميا منذ بداية العدوان .
شكرا على طرحك لهذا الموضوع و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

غير معرف يقول...

التناقض الذي نعيشه بات يقتل كل من فيه ذرة من إنسانية ..

بت لا أستمتع بأي عمل .. لا أجد لذة في التصميم .. لا يمكنني الإنتهاء من أعمالي المعلقة منذ بدء الأزمة ..

الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله ، مشاهدة الجزيرة ومتابعة الأخبار في الإنترنت .. لا شيء آخر سواه ..

يارب .. مهما فعلنا فنحن مقصرون ، مقصرون :(

.

.

وعاشت إمبراطورية البطين العتيقة p:

kawthar Mohammed يقول...

غرقت في الوصف غرقت في التناقض ..

ولكن رغم أن رائحة الموت في فلسكطين لكن الحياة تمضي عندنا وعندهم الحياة لا تتوقف ..
بالنسبة للتشرد.. بما أنني أعيش في الإيجار وبعد أن وصل الشجع بالبعض ليؤجر الغرفة ب95,000 فالله يستر علينا..
ودائماً أقول للجميع لمن لايملك منزلاً مثلي أن بيوتنا هي قبورنا ومهما عمر الإنسان في الدنيا لن يأخذ معه إلا عمله ..وعسى الله يجعلنا من سكان الجنة..

غير معرف يقول...

أخي عبدالله ..
أعتقد أن عودتك للكورنيش كانت مثمرة .. و ستبقى إن استمرت

من الجميل أن أكون قريبا من حياة الناس بما فيها.. ولو أنني لا أتمنى أن يشعروا بوجودي !