كنت أتصفح الصحف كعادتي في الليل بعد صلاة العشاء، هكذا أقضي بعض الوقت مع الوالد وأشاركه ببعض التعليقات على الأخبار وهو بدوره يعلق على ما يشاهده في التلفاز، في الماضي القريب كان هذا الأمر مزعجاً بالنسبة لي فلا يمكنني أبداً أن أركز على شيئين في نفس الوقت، لكن يبدو أنني عوّدت نفسي على تجاهل شيء واحد وهو التلفاز.
للأسف لا يمكنني تجاهله دائماً إن كان الصوت عالياً، أو في بعض الأحيان أسمع المذيع بصوته الهادئ يذكر أرقام القتلى والجرحى ومصائب الدنيا ثم فجأة يأتي فاصل إعلاني "ديتول يقضي على الجراثيم" ألتفت يميناً وشمالاً باحثاً عن جهاز التحكم لكي أرميه على التلفاز لكن أبي يمسكه بإحكام "شعرك صار أحلى ..." تختلط أصوات الإعلانات مع صوت أبي الذي يخبرني عن قصص الماضي "جودة تستحق الثقة" وأنا أحاول التركيز بإخلاص على كلام أبي لكن عقلي لا يستطيع فيرفع الراية البيضاء "قتل أكثر من 39 في تفجير ..."
في يوم الثلاثاء الماضي كنت أتصفح جريدة الخليج، دخل أخي إلى غرفة المعيشة في الوقت المناسب ليسمعني أقول "يا عيني على المواهب المتفجرة!" سألني ماذا أعني فأعطيته الجريدة، شاهد الصورة فضحك وأعاد الجريدة، ثم رفع يديه إلى مستوى كرشه وكأنه يحمل قيثارة في يده، المواهب المتفجرة هي صورة لثلاث فتيات يعزفن الموسيقى، إحداهن تعزف على القيثارة، والثانية على بيانو، والثالثة واقفة تعزف على كمان ... أو كمنجه كما يسميها بعض إخواننا العرب.
الآن لمجرد أنني أتحفظ على مثل هذه المواهب فأنا الآن أصنف في خانة الرجعيين، ويمكنني أن أغني "رجعي أنا أخشيني!" أو إرهابي أنا أو متعصب أنا، اختر الكلمة المناسبة.
إعلامنا العربي يتحفنا بين حين وآخر بالمواهب الطلابية وغير الطلابية، وهناك تركيز عجيب على الموسيقى والغناء والتمثيل والرقص، كلما شاهدت مثل هذه المصائب أتذكر قول أحدهم معترضاً على الحجاب "الأمريكان وصلوا للقمر ونحن ما زلنا نلبس الحجاب!" لو أنني كنت أمام هذا الشخص لرميته بالتلفاز وطن من مخلفات الصحف والمجلات لأقول له وأنا أضربه بصحيفة: هاك كل حثالة المجتمع ... تخلوا عن الحياء ... ويتعرون منه كل يوم ... خلعوا الحجاب وما دونه ... فهل وصلوا إلى القمر؟!
إحدى صحفنا المحلية تشن هجوماً على من سماهم الخبيث "قوم بو اللحى" بدعوى أنهم يغسلون عقول الأبناء ويزرعون التعصب والجهل والتخلف، ويحاولون فرض أفكارهم الرجعية الظلامية على الطلاب.
حسناً، دعوني أفترض أن كلام الخبيث ومن وافقه صحيح، دعونا ننظف وزارة التعليم - بمسحوق رابسو ... أو تايد - من هؤلاء الرجعيين ولنجعل التعليم يتوافق مع متطلبات القرن الواحد والعشرين، ما هي الصورة التي سنراها؟ ثلاث فتيات يعزفن الموسيقى، هذا هو التقدم والتحضر، وهذه صورة جزئية فقط!
أخبرني صديق لي عن أحد مسؤولي وزارة التعليم، يقول صديقي بأنه سمع هذا المسؤول قبل أن يصل إلى وزارة التعليم يقول "لماذا لا يتعلم الطلاب العزف على الغيتار؟" لم يكن هذا المسؤول يمزح، فالعزف على الغيتار يبدو أنه أحد متطلبات التحضر والتطور وركن مهم من أركان القرن الواحد والعشرين وخطوة ضرورية للوصول إلى القمر، جاء هذا المسؤول إلى الوزارة وبعد بضعة سنوات أرى صورة ثلاث فتيات يعزفن الموسيقى إحداهن تعزف على الغيتار! هل هذه مصادفة؟ لا أظن ذلك.
أعلم جبداً أن هناك من سيقرأ هذه الكلمات ليقول "هل تريد الظلامية والرجعية في تعليمنا؟!" ومشكلة مثل هذا الاعتراض كبيرة، فماذا يعني المعترض بقوله "الظلامية والرجعية؟" هل يعني ديننا؟ أم جزء من ديننا؟ أم أشخاص معينون؟ ثم لماذا يفترض المعترض أنني أريد أن أذهب من أقصى تطرف إلى أقصى تطرف آخر؟
يمكننا أن نصل إلى القمر بأخلاقنا وبديننا ... إن أردنا، لكن البعض ولنقلها صراحة يرون في ديننا التخلف ذاته ويرون في كل ملتزم من "قوم بو اللحى" صورة نقية للشر وللشيطان نفسه، وقناعتهم أن التطور لن يكون إلا بأن نفصل هذا الدين عن كل شيء ونجعله طقوساً وشعائر خاصة بالفرد.
قد تنجح هذه الدعاوي في أي مكان ... لكن ديننا لا يقبل الفصل، عليهم البحث عن شيء آخر ينطحونه.
للأسف لا يمكنني تجاهله دائماً إن كان الصوت عالياً، أو في بعض الأحيان أسمع المذيع بصوته الهادئ يذكر أرقام القتلى والجرحى ومصائب الدنيا ثم فجأة يأتي فاصل إعلاني "ديتول يقضي على الجراثيم" ألتفت يميناً وشمالاً باحثاً عن جهاز التحكم لكي أرميه على التلفاز لكن أبي يمسكه بإحكام "شعرك صار أحلى ..." تختلط أصوات الإعلانات مع صوت أبي الذي يخبرني عن قصص الماضي "جودة تستحق الثقة" وأنا أحاول التركيز بإخلاص على كلام أبي لكن عقلي لا يستطيع فيرفع الراية البيضاء "قتل أكثر من 39 في تفجير ..."
في يوم الثلاثاء الماضي كنت أتصفح جريدة الخليج، دخل أخي إلى غرفة المعيشة في الوقت المناسب ليسمعني أقول "يا عيني على المواهب المتفجرة!" سألني ماذا أعني فأعطيته الجريدة، شاهد الصورة فضحك وأعاد الجريدة، ثم رفع يديه إلى مستوى كرشه وكأنه يحمل قيثارة في يده، المواهب المتفجرة هي صورة لثلاث فتيات يعزفن الموسيقى، إحداهن تعزف على القيثارة، والثانية على بيانو، والثالثة واقفة تعزف على كمان ... أو كمنجه كما يسميها بعض إخواننا العرب.
الآن لمجرد أنني أتحفظ على مثل هذه المواهب فأنا الآن أصنف في خانة الرجعيين، ويمكنني أن أغني "رجعي أنا أخشيني!" أو إرهابي أنا أو متعصب أنا، اختر الكلمة المناسبة.
إعلامنا العربي يتحفنا بين حين وآخر بالمواهب الطلابية وغير الطلابية، وهناك تركيز عجيب على الموسيقى والغناء والتمثيل والرقص، كلما شاهدت مثل هذه المصائب أتذكر قول أحدهم معترضاً على الحجاب "الأمريكان وصلوا للقمر ونحن ما زلنا نلبس الحجاب!" لو أنني كنت أمام هذا الشخص لرميته بالتلفاز وطن من مخلفات الصحف والمجلات لأقول له وأنا أضربه بصحيفة: هاك كل حثالة المجتمع ... تخلوا عن الحياء ... ويتعرون منه كل يوم ... خلعوا الحجاب وما دونه ... فهل وصلوا إلى القمر؟!
إحدى صحفنا المحلية تشن هجوماً على من سماهم الخبيث "قوم بو اللحى" بدعوى أنهم يغسلون عقول الأبناء ويزرعون التعصب والجهل والتخلف، ويحاولون فرض أفكارهم الرجعية الظلامية على الطلاب.
حسناً، دعوني أفترض أن كلام الخبيث ومن وافقه صحيح، دعونا ننظف وزارة التعليم - بمسحوق رابسو ... أو تايد - من هؤلاء الرجعيين ولنجعل التعليم يتوافق مع متطلبات القرن الواحد والعشرين، ما هي الصورة التي سنراها؟ ثلاث فتيات يعزفن الموسيقى، هذا هو التقدم والتحضر، وهذه صورة جزئية فقط!
أخبرني صديق لي عن أحد مسؤولي وزارة التعليم، يقول صديقي بأنه سمع هذا المسؤول قبل أن يصل إلى وزارة التعليم يقول "لماذا لا يتعلم الطلاب العزف على الغيتار؟" لم يكن هذا المسؤول يمزح، فالعزف على الغيتار يبدو أنه أحد متطلبات التحضر والتطور وركن مهم من أركان القرن الواحد والعشرين وخطوة ضرورية للوصول إلى القمر، جاء هذا المسؤول إلى الوزارة وبعد بضعة سنوات أرى صورة ثلاث فتيات يعزفن الموسيقى إحداهن تعزف على الغيتار! هل هذه مصادفة؟ لا أظن ذلك.
أعلم جبداً أن هناك من سيقرأ هذه الكلمات ليقول "هل تريد الظلامية والرجعية في تعليمنا؟!" ومشكلة مثل هذا الاعتراض كبيرة، فماذا يعني المعترض بقوله "الظلامية والرجعية؟" هل يعني ديننا؟ أم جزء من ديننا؟ أم أشخاص معينون؟ ثم لماذا يفترض المعترض أنني أريد أن أذهب من أقصى تطرف إلى أقصى تطرف آخر؟
يمكننا أن نصل إلى القمر بأخلاقنا وبديننا ... إن أردنا، لكن البعض ولنقلها صراحة يرون في ديننا التخلف ذاته ويرون في كل ملتزم من "قوم بو اللحى" صورة نقية للشر وللشيطان نفسه، وقناعتهم أن التطور لن يكون إلا بأن نفصل هذا الدين عن كل شيء ونجعله طقوساً وشعائر خاصة بالفرد.
قد تنجح هذه الدعاوي في أي مكان ... لكن ديننا لا يقبل الفصل، عليهم البحث عن شيء آخر ينطحونه.
17 تعليقات:
أستاذ عبدالله، جميلفيك غيرتك التي لا تنفك عن عقلانيتك.
وجميل كذلك أنك فتحت باب التعليقات :)
أشكر لك غيرتك أخي عبدالله..
وبئس التطور الذي يريدون..
اصبح التطور والتحضر هو التعري !
اما سبب كره الناس لاصحاب اللحي فهو تصرفات بعضهم اللادمية وقتلهم الابرياء بغير حق ، وهذا ما جعل الناس تكره كل من يلتحي!
لان صورته توحي بالارهاب ! لا أكثر
شكرا لك
Abdullah A. Al-Ageel: أشكرك، أما التعليقات فقد ذكرت أنني إذا افتتحت مدونات جديدة سأفتح باب التعليقات، وقد فعلت.
عمر: بارك الله فيك.
هيثم: أفهم لماذا يكره البعض أصحاب اللحى، بعض الملتزمين يسيؤون لدينهم بتصرفاتهم، هذا لا يعطي الحق لأحد بأن يستهزأ بشعيرة من شعائر الدين، وليس بعذر لكي يعمم كراهيته لكل الملتحين، كثير منهم يفهمون الدين بشكل صحيح وهم من أفضل الناس أخلاقاً، أليس من الظلم الاستهزاء بهم؟
الحقيقة أني أتفق معك في معظم ما قلته ..
فبدون شك هناك من يحب التشكيك بموروثنا الديني وأنه سبب في تعرقلنا عن بلوغ الحضارة، ولا أدري كيف ينسون المجد الذي بلغه أجدادنا في عصور مضت ..
ولا يمكن أن ننكر أن الكثيرين ممن يعانون من نقص وضعف شديد لابد وأن يلقون اللوم على شيء حتى يشعروا بالراحة، والدين هو شماعة مشهورة لكي يتخلصوا من شعورهم بالذنب والتقصير ..
لكني لا أتفق معك بشأن كون الموسيقى هي مثلب حضاري، فأنا موسيقي ، أحب التلحين والعزف ، وأعشق الموسيقى حتى النخاع ، وفي الوقت ذاته غيور على انتماءاتي جداً ولا أجد تعارضاً بين الأمرين أبداً ..
لعلك تقصد الاستخدام الماجن للموسيقى الذي يكون غرضه الفتنة والضرب على وتر الشهوة، ولكني أجدك عممت في تدوينتك فجعلت من الموسيقى كلها بركة من الفساد ..
سواء كنت هناهناك..يسعدنا أن نقرأ تدويناتك يا عبدالله:)
لم أكن أعرف يا عزيزي أنط ظلامي
ما المشكلة في ن تعزف الفيات الموسيقى
الموسيقى فن ,بل هي سر من أسرار الوجود
الناس لاتفهم الاسلام وتتحدث
توقف فقط عن الحديث عن هذا النوع من المواضيع
الحلال بين والحرام بين
كفاكم
كرهنا
احمد مجدى
ما شاء الله
دائما التالق فى مقالاتك
و الموضوع ثقافه شعب مهتم بالى بيجيب فلوس مثل التمثيل والغناء ومايرافقهم من تعرى
والسلام عليكم
http://schritte.wordpress.com
كلام رائع وفي محله
مللنا من قوم لا يرون التطور والتحضر الا على الطريقة الغربية
نستطيع ان نتطور ونحن متمسكين بعقديتنا وعاداتنا
شكرا لك اخي عبدالله ومدونه مباركه ان شاء الله
كل مسؤول يعبر عن أجندته خاصة تتعلق بقناعته الشخصية
الخطأ في النظام الذي لا يضع حدود تتوافق مع الدين والعرف
بارك الله فيك أخي عبد الله
موجات التغريب هذه الأيام أظهرت غباءها بشكل لا يترك مجالا للشك في أن هؤلاء لا يعلمون ماذا يريدون أصلا
هم فقط يريدون .... آآ... لا أدري :)
ولكن الذي أعلمه أنهم يخربون
فالله المستعان
مكتوم: المشكلة هنا في الأولويات، عندما يكون نظام التعليم نفسه من أساسه هو المشكلة لن يكون الحل بإضافة الموسيقى أو أي شيء آخر، إنما بتغيير الأساس الفكري للنظام التعليمي، للأسف هذا ما لا يحدث لدينا، ما تفعله الوزارة لا أراه سوى تغيير شكليات ووسائل بدلاً من إصلاح أساس النظام.
أسامة: أشكرك.
غير معرف: لا أدري هل ردك ساخر أم جاد، في الحالتين لا أفهم تعليقك.
أحمد مجدي: نعم جزء كبير من مشكلتنا يكمن في ثقافة ما يأتي بالربح على حساب كل شيء آخر.
a7mb7h: بارك الله فيك.
حنان: وضعت يدك على الجرح، كل مسؤول له أجندة، وليس للدولة سياسة عامة حول التعليم إلا مؤخراً، المشكلة أن هذه السياسة فضفاضة ويمكن أن تفسر بتفسيرات كثيرة.
مصطفى حسان: كثير منهم يريدون التمرد من أجل التمرد ذاته لا من أجل هدف أسمى، ويسمون تخريبهم إصلاحاً.
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب
"يأتي على أمتي زمان يستحلون فيه الحرى والحرير والمعازف" أو كما قال رسول الله. حديث صحيح.
الحرى يعني الزنا
و المعازف هي الآلات الموسيقية.
أمر آخر نسيت أن أذكره. يا أخوتي، لا أقصد أن ينقلب المكان ساحة لمناقشة حرمة الآلات الموسيقية. ولكن، لا تجتمع الموسيقى والقرآن في قلب واحد.
وأنظر في نفسك، وتأمل بماذا تدندن أكثر وقتك، وماذا يختمل في ذهنك على الأغلب، تعرف أين أنت.
أحسنت , وهذا هو حال لسان الواقع ..
بوركت يداك على هذا المقال الطيب.
والغناء لا يفعله إلا الفساق والماجنين.
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.