لعبتي ولفينستين ودووم كانتا أول لعبتين جربت فيهما منظور الشخص الأول أو ما يسمى بالإنجليزية First-person shooter، أي تلك الألعاب التي تجعل المستخدم يرى ما يراه اللاعب فتجعله يعيش لحظات اللعبة كأنه يعيش في داخلها، في منتصف التسعينات كانت لعبة دووم مرعبة حقاً ولم يكن غريباً أن ترى البعض يقفز من كرسيه خوفاً لأن هناك وحش ما هاجمه في اللعبة دون سابق إنذار ومن زاوية مظلمة، بل رأيت من كان يدير رأسه يميناً وشمالاً ليحاول أن يرى خلف زوايا اللعبة في حين أنه لو فكر بمنطقية قليلاً لعرف أن تحريك رأسه في أي اتجاه لن يؤثر على اللعبة، لكنها الإثارة والخوف التي تجعل البعض يجلس خائفاً أمام الحاسوب.
بعد لعبة دووم خرجت ألعاب كثيرة تستخدم منظور الشخص الأول وكثير منها يعتمد على العنف والأسلحة وتغيير قليل من التفاصيل وإضافة المزيد منها وكذلك إضافة مزيد من العنف، حتى أصبحت هذه الألعاب مملة ومتكررة، شركات ألعاب الفيديو الكبيرة تحاول امتصاص أكبر قدر ممكن من الأرباح من أي لعبة، فإن نجح الجزء الأول نجاحاً كبيراً ستصدر الثاني والثالث والعاشر ولن تتوقف عن فعل ذلك حتى يمل الناس ويتوقفون عن شراء ألعاب السلسلة.
لاحقاً ظهرت ألعاب تستخدم منظور الشخص الأول لكنها غير تقليدية، لا توجد أسلحة ولا رعب ولا وحوش غريبة، بل بعضها لا يحوي أي شيء ولا يمكنك فعل شيء سوى أن تمشي في اللعبة إلى هدف محدد، في هذه الألعاب لم تعد الإثارة والخوف هي المشاعر التي يريد المطورون من اللاعب أن يشعر بها، بل مشاعر أخرى تختلف بحسب اللعبة.
ستانلي بارابل هي إحدى هذه الألعاب الجديدة، وهي لعبة جعلتني أغضب وأضحك في نفس الوقت، أحياناً أشعر أن لعبة برسالة فلسفية وأحياناً هي مجرد كوميديا ساخرة من ألعاب الفيديو أو لعل صانعها ليس لديه أي رسالة أو هدف هنا كما هو الحال في اللعبة نفسها.
اللعبة هي قصة اللاعب واسمه ستانلي، موظف في مؤسسة ما ووظيفته مملة، عندما تبدأ اللعبة تسمع صوت الراوي وهو يحكي قصة ستانلي التي ستنفذها، فإن قال الراوي أنك ستخرج من الباب لتبحث عن سبب المشكلة فليس لديك خيار سوى أن تفعل ذلك، كما هو الحال مع ألعاب كثيرة تستخدم هذا الأسلوب لكي تحرك القصة أو اللعبة في اتجاه محدد، لكن العجيب في لعبة ستانلي بارابل أنك تستطيع تحدي الراوي منذ البداية لكن ما إن تتحداه حتى يغير القصة ليجعلها تسخر من ستانلي وتؤنبه.
بداية اللعبة خطية، لديك مسار واحد تسير فيه حتى تصل إلى غرفة فيها بابين وهنا تبدأ الخيارات، اللعبة لا تجبرك على اختيار أي مسار، الراوي سيخبرك بالقصة وبإمكانك إتباعها أو مخالفتها، إن اتبعت الراوي ستصل إلى نهاية محددة، وإن خالفته ستصل إلى نهايات أخرى كثيرة في اللعبة، والراوي يجعل اللعبة معقدة بعض الشيء من ناحية القصة لأنها تصبح أحياناً بطبقات متعددة، الراوي يخبرك ما تفعله فتفعل ما لا يخبرك به وكأنك تصبح أنت راوي القصة وهو المشاهد، لكنه يستطيع التحكم باللعبة فيجبرك على خيارات أخرى لكنك تجد مخرجاً من سيطرته لتدخل في صراع معه فيدخل في القصة الراوي الثاني ليتحدث عن قصة الراوي الأول وستانلي وصراعهما الذي سيؤدي إلى نهايتهما.
الراوي يكون أحياناً صديقك وأحياناً الدكتاتور الذي يحدد مسار قصتك، وأحياناً العدو الذي تهرب منه لتخرج تماماً من القصة وتراها من منظور شخص ثالث، وأحياناً تهرب منه بقتل نفسك - في اللعبة فقط! - ويراك هو وأنت تفعل ذلك ويحاول بيأس أن يوقفك، لأن ستانلي والراوي يعيشان معاً في عالم واحد، لا يمكن للراوي أن يعيش بدون ستالني لكن ستانلي يمكنه أن يحاول الفرار من الراوي.
كنت ألعب وأضحك من كلام الراوي وفي نفس الوقت كنت أشعر بالغضب منه وأتمنى لو أنه يسكت، نادراً ما تجعلني أي لعبة أصل إلى هذا المستوى من التأثر والتفاعل معها، ونادراً ما تجعلني لعبة أفكر بما تعنيه، حتى الآن لا أستطيع أن أقرر إن كانت ستالني بارابل لعبة كوميدية ساخرة من ألعاب الفيديو أو رسالة فلسفية عميقة عن الحياة والقدر ومصير الإنسان.
يبقى أخيراً أن أقول بأن هذه اللعبة بدأت قبل حتى أن يلعبها أي شخص، أعني أن تسويقها بمقاطع فيديو قصيرة كان رائعاً، المقاطع تعطيك فكرة عن اللعبة لكن لا تخبرك ما هي اللعبة، كذلك مطور اللعبة طرح نسخة مجانية منها تعطيك فكرة عن اللعبة لكنها ليست جزء من اللعبة، بل هي لعبة منفصلة تماماً وقصيرة وجعلتني أضحك كثيراً على كلمة واحدة: Eight!
0 تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.