الجمعة، 31 مايو 2013

السلسلة تبدأ بحلقة

iNeed
المصدر: whatwhat

تصور معي أنك لا تملك حاسوباً ولا تلفازاً ولا أي إلكترونيات حديثة وغرفتك خالية من الأثاث إلا سرير وربما مكتبة صغيرة ومكتب مع كرسي، فقط تخيل ذلك، لا تسلية من الإنترنت أو من الحاسوب ولا يمكنك مشاهدة التلفاز أو اللعب بألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام، حياتك في غرفتك بسيطة لأنك تقضي معظم وقتك مع الكتب والأوراق، هل يمكنك تشكيل هذه الصورة؟ أعط لنفسك فرصة، توقف قليلاً عن فعل أي شيء وحاول تخيل حياتك بهذا الشكل، لا أطلب منك المستحيل هنا فقط تخيل.

تصور معي أنك راض عن حياتك بهذا الشكل ولا تجد أي رغبة أو حاجة لشراء المزيد، في يوم ما وأنت تمشي في متجر كبير مررت على قسم الأفلام وشدك غلاف فيلم ما ولأنك فضولي أخذت الفيلم وبدأت تقرأ محتويات غلافه، القصة تبدو ممتعة وأنت لديك الآن رغبة في مشاهدة الفيلم، لكنك لا تملك أي إلكترونيات لتشغيله، لو كان كتاباً لما كان مشكلة أن تضيفه لمكتبتك الصغيرة لكن الفيلم يحتاج لمشغل أقراص DVD وهذا المشغل يحتاج لتلفاز لكي يعرض محتويات الأقراص والتلفاز يحتاج لطاولة أو خزانة صغيرة لكي تضعه عليها، لكن بما أنك ستشتري خزانة ومشغل أقراص وتلفاز فلم تكتف بفيلم واحد؟ خسارة أن تشتري كل هذا من أجل فيلم.

الآن لديك أفلام عديدة واشتريت من المتجر مشغل الأقراص والتلفاز، تحتاج لقطعة أثاث لتنظم كل هذا لذلك تذهب إلى متجر أثاث معروف والذي تزوره لأول مرة، لديهم مطعم رائع هناك ولديهم معرض يجب أن تمشي في ممراته بطولها وعرضها لكي تصل إلى خط النهاية وما بين البداية والنهاية رأيت ما يكفي من الأشياء التي لم تكن تتصور أنك بحاجة لها.

أنت ذهبت هناك لشراء قطعة أثاث واحدة لكنك اشتريت كرسياً مريحاً لكي تجلس لساعات بدون مشكلة أمام التلفاز لكن الكرسي أمام التلفاز يحتاج لطاولة لكي تضع عليها أجهزة التحكم عن بعد وأكواب الشاي وأطعمة المطاعم السريعة، اشتريت الخزانة التي ستضم التلفاز مع مشغل الأقراص والأفلام لكنك اشتريت واحدة أكبر من حاجتك لأنها تبدو جميلة وتحوي عدة مساحات لحفظ أشياء كثيرة لم تشترها بعد، اشتريت نوعاً جديداً من الإضاءة لتضعه على الطاولة وآخر لتضعه بجانب الكرسي الذي قررت أنه سيكون كرسي قراءة وتحتاج لإضاءة قراءة، اشتريت صناديق مختلفة بألوان زاهية فغرفتك تحتاج للألوان، اشتريت لوحات وإطارات لهذه اللوحات وشموعاً وأشجاراً وأوعية لهذه الأشجار.

قضيت وقتاً في إخراج كل شيء من الصناديق والأكياس ثم تركيب الأثاث ثم تنظيم كل شيء في الخزانة الجديدة وتنظيف الغرفة، الآن بعد ما أنفقت الكثير من المال والوقت لإعداد كل شيء يمكنك مشاهدة الفيلم الذي كان سبباً في كل هذه المشتريات.

انتهت القصة، بالطبع أنا أتعمد المبالغة هنا لكن مبالغاتي لا تذهب بعيداً عن الحقيقة، كثير من الأشياء التي نملكها كان سببها شيء بسيط وكل شيء نشتريه قد يكون دافعاً لشراء أشياء أخرى، العاقل الذي يريد مشاهدة فيلم دون أن يشتري كل هذا سيكون لديه خياران، الأول أن يشاهد الفيلم عند من يملك هذه الأشياء أو يقرر أن حياته لن ينقصها شيء إن لم يشاهد الفيلم وهذا هو الطريق الأبسط.

5 تعليقات:

ameenah يقول...

كلام جميل جدا .. حقا لدينا الكثير التي لا نحتاجها فعليا في حياتنا و نتوهم اننا نريدها و لكن ربما يكون مصيرها ان تغطى بالتراب ,, لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى ثالثا

مدوّنتي يقول...

ما تقوله أستاذ عبد الله هو ما تحوّل إلى ردة فعل عند بعض الأوساط في الغرب على نمط الحياة الاستهلاكي الذي صار يثقل كاهل المواطنين بكثير من المتطلبات اليومية.. وكل ذلك لا لأن هذه الامور التي اعتادوا عليها ضرورية، بل لأنها ثقافة سائدة كرّستها شركات إنتاجية ورؤية سياسية واقتصادية متوحشة عبر عقود طويلة.. وإذا كانت بعض الأصوات في الغرب بدأت منذ مدة طويلة تنادي وتحذر من النمط الاستهلاكي والمعقد للحياة، فإن الكارثة الكبرى هو أن بلداننا العربية والاسلامية قد بدأت تغرق في هذا النمط الحياتي الكارثي دون التنبه إلى ما أنتجته تجربة الآخرين (الغرب) من سلبيات ومشاكل على كافة الأصعدة.. وها نحن الآن نشاهد بأعيننا تهاوي اقتصاديات عريقة في أوروبا مع ينتج عنها من أزمات اجتماعية وانتحار، ولكننا نصر على المضي قدماً في هذا النفق المظلم.

مدير التحرير يقول...

http://www.youtube.com/watch?v=eQ5iEN_0beo

صحيح ما تفضلت فيه ، الممطلوب دائماً هو اعادة التعريف لما هو ضروري و ما هو غير ضروري ، لكني أظن أنه هدف هذا النوع من الاستهلاك هو الهروب من ضغوط الحياة إلى شيء ما، حتى يمضي الوقت أو ينسى المشاكل و الهموم التي تنتظره

عبدالله المهيري يقول...

@Ameenah Khalid: نحن نتلقى التوقعات وطريقة الحياة من الآخرين حولنا ونعيش مثلهم إلى أن نتوقف ونفكر، هل أنا بحاجة لذلك؟ هل علي فعل ذلك؟ لماذا يجب أن أفعل هذا أو ذاك؟ بهذه الأسئلة يصبح الإنسان واعياً بما يريده أو لا يريده.

@Hisham Hashem: لذلك أكتب في هذا الموضوع وأكرر الكتابة، لدي قناعة أن ثقافتنا وديننا وبيئتنا تشجعنا أكثر على عدم الخوض في الثقافة الاستهلاكية أو على التراجع عنها، هناك أناس ساروا في طريق الاستهلاك ومن الصعب أن يعودوا لكن هناك أيضاً من لم يسر ومن لا يرغب في ذلك.

@مدير التحرير: شكراً على الرابط، ما قلته عن الاستهلاك صحيح، شخصياً أجد مشكلة في أن يفعل المرء شيئاً دون أن يفكر، عدم الوعي بما نفعل هو أساس كثير من المشاكل.

Musaed يقول...

عندما قلت لي تخيل كل هذا .. رجعت بس الذاكرة إلى مرحلة الدراسة ما قبل الثانوي .. كنت بالفعل كذلك

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.