الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

لو كان الرهبان يملكون أجهزة ماك


إن قرأت عن برنامج هايبركارد ستجد قوائم بالبرامج والأعمال التي أنجزت من خلاله، من أشهرها برنامج يسمى If Monks had Macs أو بترجمة حرفية: لو كان الرهبان يملكون أجهزة ماك، البرنامج يصعب وصفه فهو مكتبة إلكترونية ويحوي ألعاباً ويستخدم الصوتيات، لعل اسم "مكتبة إلكترونية" تكون مناسبة لكن لا أدري هل هذا اسم جيد لعمل يحوي فقط 24 كتاباً.

إذا شغلت البرنامج ستظهر صورة مرسومة لنهر وجبل وعلى الجبل هناك دير، انقر عليه وستنتقل لصورة داخل الدير، مكتب وضع أمام نافذة تطل على صحن الدير وهناك نافورة تسمعها، على يمين المكتب هناك مكتبة دوارة تحوي 24 كتاباً موزعة على أربع أوجه، كل وجه للمكتبة يحوي مجموعة أعمال تدور حول فكرة واحدة، هناك كتب حول "الفن والأفكار" وأخرى عن قضية اغتيال الرئيس الأمريكي كيندي، وفي الوجه الثالث كتب عن عصر النهضة الأمريكي وفي الرابع مكتبة الرهبان.

بعض هذه الكتب هي بالفعل كتب، أعني أنها مجموعة صفحات إلكترونية لا تختلف كثيراً عن صفحات الكتب إلا في كونك تقرأها من الشاشة، وهناك كتب ليست تقليدية من ناحية إمكانية تصفحها بطرق مختلفة واحتوائها على طبقة بسيطة من المحتوى المترابط، كأن تضغط على صورة فتجد تعريفاً لها أو تضغط على زر ليقدم لك إجابة مختلفة لسؤال ما.

هناك لعبتان في المكتبة واحدة لعبة بطاقات صعبة بعض الشيء ومسلية، وهناك لعبة نصية رسومية وهي لعبة بدائية بمقاييس اليوم، هناك أيضاً برنامج لتسجيل المذكرات اليومية، أما الكتب التفاعلية فهناك مجموعة منها، أحدها عن مجموعة الوردة البيضاء وهي مجموعة تتكون من ستة أشخاص مارسوا المقاومة السلمية ضد الحكومة النازية في ألمانيا وألقي القبض عليهم واتهموا بالخيانة وحكم عليهم بالإعدام، الكتاب يعرض أعمالاً فنية لتلك الفترة في ألمانيا ويعرض مقاطع من رسائل لمجموعة الوردة البيضاء وكذلك منشوراتهم التي كانت سبب القبض عليهم، أثناء قراءة هذا الكتاب ستسمع مقاطع صوتية لها علاقة مباشرة بشخصيات المجموعة.

كتاب آخر بدأ قصته عندما كان مؤلف البرنامج في المدرسة وكان مدرسه يتحدث عن نظرية التطور وكيف أن الناس مجرد قرود عراة فكتب المؤلف كلمة واحدة على بطاقة صغيرة ليمررها إلى زميله لكن المدرس لاحظه وأمسك به، الكلمة يمكن ترجمتها إلى "هراء" وفي الكتاب يشرح لماذا ظن أن كلام الأستاذ هراء، والكتاب في الحقيقة ليس كتاباً بل مجموعة بطاقات تحوي رسومات وفقرات قصيرة وبعض البطاقات تحوي أزراراً تفاعلية.

هذان مثالان لما يحويهما برنامج رهبان ماك، جامع هذه المحتويات ومبرمجها هو ثوماس براين الذي طور البرنامج أول مرة على حاسوب ماك في أواخر الثمانينات وباستخدام هايبركارد، في تلك الفترة بدأت تظهر برامج الوسائط المتعددة بالأبيض والأسود وهما لوني واجهة ماك في ذلك الوقت، برنامج رهبان ماك لم يكن يدعم الألوان في تلك الفترة ونشر على شكل برنامج بطاقات (stackware) يمكن تشغيله من خلال هايبركارد، بعد ذلك نشر البرنامج من خلال شركة Voyager Company وهي شركة تخصصت في الكتب الإلكترونية وأعمال السي دي روم التي كان لها عصر ذهبي في التسعينات وطرحت البرنامج بإضافات مختلفة ومع الألوان، وبعد أن أغلقت الشركة أبوابها نشر براين البرنامج بنفسه ووفر نسخة حديثة منه تدعم الألوان وتدعم نظامي ماك 10 ونظام ويندوز.

بعد سنوات طرح البرنامج مجاناً ويمكنك تنزيله، علماً بأن مستخدمي ويندوز يحتاجون إضافة كويك تايم من أبل لكي يعمل البرنامج بشكل صحيح، وفي صفحة التنزيل هناك لعبة منفصلة تسمى Killing Time، إن كنت ستجرب برنامج رهبان ماك فلا تنزل هذه اللعبة لأنها متوفرة مع رهبان ماك.

بيل أتكنسون ذكر أن ما يهمه عندما طور هايبركارد أن يصبح البرنامج أداة لتطوير برامج لم يتخيلها أحد وأن يطور البرامج أناس لا علاقة لهم بالبرمجة ولا نسميهم مبرمجين، من هؤلاء الناس ستظهر أفضل البرامج وبراين مثال جيد على ذلك فهو ليس مبرمجاً ولم يدرس البرمجة لكنه استخدم هايبركارد ليطور أحد أفضل أعمال الوسائط المتعددة وأطولها عمراً، وهو عمل يصعب تصنيفه لأنه يحوي مجموعة أفكار تعرض في وسائل مختلفة.

هل ما زال هناك مكان لبرامج الوسائط المتعددة؟ أعني تلك التي تشبه موسوعات وأعمال عصر السي دي روم حيث تكون المحتويات في حاسوبك وليس هناك حاجة للاتصال بالشبكة، والجواب نعم ما دامت الإنترنت أبطأ من الحاسوب، أعني إن وضعت بطاقة تخزين في حاسوبك سعتها 32 غيغابايت مثلاً فيمكنك نسخ محتوياتها في ثواني أو دقائق قليلة، نفس المحتوى يحتاج لساعات لتنزيله من الشبكة وستكون تكلفته أعلى، القدرة على التعامل مع محتوى عالي الكثافة كالفيديو والصوتيات والصور وبسرعة شبه فورية تعطي للحاسوب أفضلية على الشبكة عند التعامل مع الوسائط المتعددة.

هل ما زال هناك مكان لهذه البرامج؟ في الحقيقة ليس فقط مكان بل مساحة هائلة تنتظر من يستغلها، أتمنى فقط أن يطور براين البرنامج مرة أخرى ليجعلها متوافقاً مع آيباد ويغير الواجهة قليلاً لتصبح أكثر سهولة في ما يتعلق بقراءة الكتب وكتابة المذكرة اليومية، سيكون برنامجاً مثالياً لآيباد.

برنامج رهبان ماك ليس أحد هذه البرامج التي تستخدمها لوقت قصير، البرنامج يحتاج فترة طويلة لكي تقرأ كل محتوياته ويحتاج لمزيد من الوقت لتفهم أفكاره، وإن كنت تستخدم الأدوات التي يوفرها فقد تستخدمه لسنوات طويلة، قرأت تعليقاً لمن يستخدم البرنامج منذ طرح أول مرة في أواخر الثمانينات وحتى اليوم، هذا أمر يصعب إنجازه مع أي برنامج آخر.

من ناحية المؤلف أو جامع المكتبة فهو قد صنع بيديه عملاً سيرتبط به طوال حياته، مع أن برامج الوسائط المتعددة كان عمرها قصير نسبياً إلا أن براين استطاع أن يجعل هذا البرنامج حياً بتحديثه وهذا أمر يميز الأدب والفن الإلكتروني عن الورقي، لكي تبقى الأعمال الإلكترونية حية لا بد من تحديثها دائماً وهو أمر صعب ومتعب وأحياناً معقد بسبب قوانين حماية الملكية وربما بسبب تغير التقنيات، براين كان محظوظاً من ناحية أن هناك برنامج Runrev الذي يمكنه قراءة برامج هايبركارد القديمة ويمكنه تحديثها لتطرح على الحواسيب والأنظمة الجديدة، وبالمناسبة Runrev أو كما يسمونه اليوم LiveCode هو برنامج مثل هايبركارد أو على الأقل بدأ كبرنامج يحاكي هايبركارد.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.