الخميس، 12 أبريل 2012

صناديق البرامج وعصر السي دي روم

ماندريك، من أشهر توزيعات لينكس في الماضي


لا زلت أذكر ما شعرت به عندما دخلت لأحد محلات الحواسيب الصغيرة، لا أذكر من المحل سوى شيئين، الأول أنه موقعه في شارع حمدان وهو الشارع الذي كنت لأسباب مختلفة أزوره كثيراً، غالباً لتناول الكنافة من حلويات نعيم أو لتناول البيتزا من بيتزا هت وكذلك كنت أزور مكتبة دار الأمان هناك، هل يذكر أحدكم هذه المكتبة عندما كانت في شارع حمدان؟ الشيء الثاني الذي أذكره من المحل هو ما رأيته في ذلك اليوم.

كنت مغرماً بالبحث عن أي شيء مختلف، لينكس أثار اهتمامي لأنه ليس ويندوز وأنا أحب دائماً أن أطلع على الخيارات الأخرى المتوفرة لعل من بينها شيء ما يكون أفضل مما لدي، كنت أقرأ عن لينكس وتوزيعاته المختلفة وكنت أعرف أن هناك توزيعات تسمى ماندريك وريد هات وسوزى وسلاكوير، كنت مغرماً بالاختلاف بين هذه التوزيعات في حين أنها كلها بنيت على أساس واحد.

دخلت محل الحاسوب وكانت المفاجأة أمامي مباشرة، صناديق توزيعات لينكس التي قرأت عنها الكثير أمامي وهي ليست غالية، تحدثت مع البائع عنها وكان هناك شخص آخر في المحل دخل معنا في النقاش عن لينكس، 3 غرباء يتحدثون عن شيء مشترك بينهم وهو نظام تشغيل لا يعرفه كثير من الناس وكل واحد منا لديه وجهة نظر، البائع يراه نظاماً للمزودات وهو على حق، الشخص الآخر كان يراه نظاماً لمن يريد تصميم نظام يناسب احتياجاته من خلال برمجته وهو على حق، كنت أراه نظام سطح مكتب، طال الحديث بيننا وخرجت دون شراء شيء فالأولوية في ذلك الوقت كانت للكنافة قبل لينكس.
واجهة ريدهات، إحدى أشهر توزيعات لينكس، أجد هذه الواجهة أجمل من ويندوز وماك

في الماضي كانت البرامج تأتي على شكل صناديق تباع في محلات مختلفة، من الصعب شراء برنامج من الشبكة وتنزيله لأسباب عدة منها بطء الاتصال وعدم توفر وسيلة للدفع الإلكتروني، لذلك خيار توفير البرنامج على شكل صندوق أشبه بكتاب كبير كان خياراً أفضل خصوصاً أن الشركة المنتجة للبرنامج يمكنها وضع أدلة استخدام في الصندوق، لم يكن مستغرباً أن تشتري لغة البرمجة ودليل تعليمها ومرجعها في صندوق واحد، أو برنامج تصميم لطباعة الملصقات ومعه كتيب تعليمي، وكانت هناك كثير من البرامج الوسائط المتعددة وهي ببساطة موسوعات أو كتب تستخدم وسائل مختلفة لعرض محتوياتها.

في التسعينات كان هناك جنون السي دي روم! برامج وموسوعات ومكتبات كثيرة تباع على أقراص مدمجة وتحوي الصوت والصورة والنصوص والتفاعل، كان بعضها أشبه بويكيبيديا مع فرق أن محتوياتها أقل بكثير لكن من ناحية المتعة كانت أفضل بكثير لأن التفاعل كان أسرع، وبسبب هذه البرامج كان إضافة مشغل أقراص مدمجة حدثاً مهماً لأي مستخدم حاسوب، وكان البحث عن أسرع مشغل أمراً مهماً والأهم من ذلك والأكثر متعة أن تركب المشغل بنفسك وتجربه لأول مرة.

في ذلك الوقت كنت أتابع مجلات الحاسوب العربية وأقرأ ما تعرضه من برامج عربية، كانت هناك مجموعة كبيرة من البرامج العربية والموسوعات والكتب الإلكترونية، أتذكر برنامج الأستاذ من شركة صخر وهو معالج نصوص مثل وورد من مايكروسوفت، كنت في ذلك الوقت أفضله على وورد وكان في رأيي متقدماً بخصائص كثيرة من بينها المصحح الإملائي والنحوي، كانت هناك موسوعات الحديث والقرآن والتفسير وأتذكر مجموعة من الأقراص لتفسير القرآن بصوت الشيخ الشعراوي رحمه الله، أنتجتها شركة مصرية وأتذكر جيداً تقريراً عن تقنية الضغط التي ابتكرتها الشركة لتضع أكبر قدر من المحتويات في أقل عدد ممكن من الأقراص.

أتذكر برامج الأطفال العربية، بعضها كان معرباً وكثير منها كان من إنتاج شركات عربية، كثير منها لم يكن بالمستوى المطلوب وكنت في ذلك الوقت أقول بأن هذه البداية وستتحسن البرامج العربية ويبدو أنني كنت متفائلاً أكثر من اللازم لأن ما حدث هو تراجع عن إنتاج مثل هذه البرامج وما أجده في الأسواق هذه الأيام لا يختلف كثيراً عن ما كان ينتج في الماضي.

أتذكر الموسوعات ومنها مايكروسوفت إنكارتا وموسوعة أخرى لا أتذكر اسمها الآن، تذكر أنه في ذلك الوقت ويكيبيديا لم تكن موجودة وغوغل مجرد شركة صغيرة لا يعرفها أحد بعد وخطوط الاتصال بطيئة، لذلك موسوعات الأقراص المدمجة كانت فكرة رائعة في ذلك الوقت وقد كنا نستهلك كثيراً من الوقت في مشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للملفات الصوتية وقراءة ما يمكننا قرائته من هذه الموسوعات وهو قليل لأن إنجليزيتي في ذلك الوقت كانت فقيرة لذلك كنت أفضل الصور والفيديو.

مايكروسوفت أنتجت العديد من برامج الوسائط المتعددة، وهذه بعضها:

بعد التسعينات ازدادت أهمية الشبكة وبدأ دور الأقراص المدمجة في التراجع وقد وصلنا الآن لمرحلة يتنبأ البعض فيها أن القرص المدمج أيامه معدودة وهناك كثير من الحواسيب تأتي بدون مشغل أقراص، ما حدث هو أن الشبكة أصبحت وسيلة النشر لكثير من المحتويات وهذا يعني أنها غيرت وستغير كثيراً من التقنيات، لم يحتاج المرء إلى موسوعة على قرص مدمج لا يزيد حجمه عن 700 ميغابايت في حين أن هناك ويكيبيديا بل والإنترنت بكل ما فيها من برامج ومحتويات وخدمات، بل أصبحت الويب بديلاً للبرامج ويمكن للمرء اليوم أن يستخدم المتصفح فقط لينجز أي شيء من المهمات اليومية.

عصر السي دي روم لن يعود - ولا بأس في ذلك - وما تبقى منه لدي هي بعض الذكريات، على ما قدمه القرص المدمج في التسعينات وعلى ما أنتج من برامج وموسوعات في هذه الفترة إلا أنني لم أجد ما يكفي من التوثيق حوله، هو جزء من الثقافة الرقمية وتاريخ الحاسوب ومع ذلك لم أجد مقالات حديثة تحلل ما حدث في ذلك الوقت.

كانت هذه محاولة أولى للكتابة عن عصر الأقراص المدمجة، على أمل أن أكتب المزيد في موقعي لاحقاً، وما تبقى عرض بعض الصور ومقاطع الفيديو:





لقطة شاشة البداية لبرنامج Microsoft Oceans

شاشة البداية لبرنامج المخلوقات الخطرة

غلاف موسوعة الديناصورات من مايكروسوفت ... لاحظ الخط المستخدم للعنوان

لقطة من موسوعة إنكارتا

لقطة أخرى من موسوعة إنكارتا

10 تعليقات:

جسري يقول...

أشاطرك الرأي في هذا الأمر.

بالنسبة لي ما زال لدي الكثير والكثير من السي-دي روم، فيها برامج وألعاب قديمة، وأيضاً موسوعات كما ذكرت حضرتك.
أيضاً لدي أقراص فلوبي (Floppy Disk)، بعضها يحتوي على برامج صغيرة وصور منوعة.

ذكرت الموسوعات، وذكرت من بينها إنكارتا، إنها موسوعة رائعة وضخمة، أظن أن آخر إصدار لها كان العام 2009، هي الآن منصبة على جهازي، وأستفيد منها أكثر من ويكيبيديا.
أيضاً هناك موسوعة بريتانيكا إنسكلوبيديا (Britannica Encyclopedia)، وهي أيضاً موسوعة ضخمة جداً.
أظن أن عصر الموسوعات قد انتهى (أو شبه انتهى)، ربما موته جاء نتيجة موت السي-دي روم كما تفضلت سيد عبدالله؛ أو نتيجة سيطرة الويكيبيديا على هذا المجال.

عصام حمود يقول...

البساطة أو التقليل أو الـ minimalism كمصطلح أثر بشكل أو بآخر في طريقة عرض المحتويات حتى مع مسألة أن التقنيات مختلفة.

ويكيبيديا مثلاً وإن كانت توفر "جل" ما يريده المرء، إلا أنها من ناحية العرض تعتمد على نفس المنهج "البساطة"، عرض المحتوى بنفس طريقة العرض على الموسوعات المطبوعة، نص بجانبه صورة مع ذكر للهوامش وتعريف وتأريخ للصورة المرافقة، ورابط يأخذك إلى محتويات أخرى.

ميكروسوفت إنكارتا كانت شيئاً مميزاً بالنسبة لي، مع أنها كانت تباع لدينا بالنسخة الفرنسية ومع قلة معرفتي بالفرنسية إلا أني كنت أنصبها على جهازي وأبقى أستمتع بطريقة عرض المحتوى المقسم والمصنف بشكل دقيق جداً، مع الفيديوهات المختلفة والصور أيضاً، بعض الفيديوهات كانت عبارة عن وثائقيات كاملة.
أظن موسوعة كهذه تستطيع العودة بقوة الآن على الحواسيب اللوحية.

عمر خرسه يقول...

في سوريا ما زال هذا العصر مزدهرا عند الكثيرين وخاصة من غير المحترفين، ليس السيدي روم ولكن ال DVD وحاليا بحجم 9 غيغا، اذا دخلت لمحلات الحاسوب ستجد المئات من الأقراص: افلام والعاب وبرامج، مثلا هنالك موسوعة برامج ويندوز (بالطبع كلها مقرصن) تتألف من 5 أقراص 9 غيغا أو أكثر.
الويندوز والاوفيس ومضادات الفيروسات كلها في علب تشبه الأصلية وبداخلها القرص وبسعر من 1 إلى 2 دولار للقرص.
بالمناسبة نظام ريدهات لم يختلف كثيرا من حيث الواجهة ذكرتني بها فقد كان أول تعرفي وعملي على هذا النظام في بداية 2010 بتوزيعة ريدهات.

غير معرف يقول...

إنكارتا 97 كانت أول مُنتج أشتريه من ميكروسوفت، أثناء زيارة لجدة-شارع خالد بن الوليد- وهو شارع لا أنساه أبداً، مليء بمحلات الحاسوب، وفيه مكتبة جلست أبحث فيها ساعات ثم اشتريت كتابين: الكتاب اﻷول System Programming using Turbo Pascal 6، والكتاب الثاني: Harness the power of C++، وكان يتكلم في نهايته عن لغة جديدة اسمها جافا. وقام صاحب المكتبة بإعطائي قرص مرن يحتوي على قاعدة بيانات بها أسماء كل الكُتب، وقد كانت قاعدة بيانات فوكس برو أو dBase

عبدالله المهيري يقول...

@جسري: بحسب المناطق والدول وظروف الناس، كثير من التقنيات القديمة لا زالت تستخدم في مناطق متفرقة حول العالم، وفكرة موسوعات السي دي روم لا زالت ضرورية لكثير من الناس ليس لديهم اتصال دائم بالشبكة، بل أراها مهمة حتى لمن لديه اتصال بالشبكة ويرغب في موسوعة يمكنه الوصول لها دون اتصال، لأن الاتصال بالشبكة لقراءة معلومة ما قد يجر الإنسان لتضييع كثير من وقته في الشبكة، شجعتني أن أشتري آخر إصدار من إنكارتا، لا بد أنه متوفر في مكان ما.

@عصام حمود: مما رأيته في مقاطع الفيديو أرى أن أسلوب التفاعل مع إنكارتا لم يكرر في شبكة الويب، أن ترى الصور البانورامية وتشاهد مقاطع الفيديو وتستمع لمقاطع صوتية وترى الإحصائيات وخط زمن الأحداث وغير ذلك، كل هذا متوفر في الويب لكن تجربة الاستخدام في إنكارتا أفضل وأسرع، وأوافقك على أن الحواسيب اللوحية يمكنها أن تعيد مثل هذه الموسوعات، هذا ما فكرت به عند نشر الموضوع وسأكتب عنه لاحقاً إن شاء الله.

@عمر خرسه: الوضع في بلادكم مختلف لذلك لا زال هناك حاجة لمثل هذه الأقراص وأرى أن هناك فرصة لانتشار المحتويات من خلال هذه الأقراص، لا أدري إن كان الناس سيقبلون على شرائها أم لا لكن لا شك أن طبيعة سرعة الاتصال لديكم تجعل بدائل ويكيبيديا ضرورية، ويكيبيديا نفسها يمكن وضعها في قرص مدمج لكن هذا يحتاج لخط اتصال سريع.

@أبو إياس: في دبي لدينا شارع بنفس الاسم وفيه كثير من محلات الحاسوب، إذا زرت دبي مرة فأخبر سائق سيارة الأجرة أن يذهب بك إلى هناك وستجد بإذن الله ما يعجبك.

ما ذكرته ذكريات جميلة، تجاربنا الأولى مع الحواسيب ومع البرامج والكتب نتذكرها جيداً، أتمنى أن يشاركنا آخرون بذكرياتهم.

غير معرف يقول...

إذا ذهب دبي سوف أقول لسائق التاكسي إذهب بي إلى عبدالله المهيري إن شاء الله.
لكن للأسف فأنا قليل السفر، عندي أصدقاء يذهبون دبي كل شهر أو شهرين. لكن بالنسبة لي لا أحب السفر خارج السودان

Mahmoud Abdul Jawad يقول...

ما شاء الله عليك يا أستاذ عبدالله، *غباااااااار* xD
بصراحة افتقد أيام "السيديات" عندما كانت التقنية بسيطة جداً، أما اليوم، يملك الشخص فينا "كومبيوتر" و "ماك بوك" و هاتف ذكي، و ما زلنا نطمح للمزيد..

جسري يقول...

@عمر خرسه: الوضع في بلادكم مختلف لذلك لا زال هناك حاجة لمثل هذه الأقراص وأرى أن هناك فرصة لانتشار المحتويات من خلال هذه الأقراص، لا أدري إن كان الناس سيقبلون على شرائها أم لا لكن لا شك أن طبيعة سرعة الاتصال لديكم تجعل بدائل ويكيبيديا ضرورية، ويكيبيديا نفسها يمكن وضعها في قرص مدمج لكن هذا يحتاج لخط اتصال سريع.
---

أصبت في كلامك سيد عبدالله، فهنا في سورية ويكيبيديا محجوبة بأكملها، والاتصال بطيء، وهناك قيود كثيرة على الإنترنت؛ لكن الآن بدأ الوضع يتغيرر، فلقد رخصت الحكومة أسعار الإنترنت كثيراً، ووفرت لنا الكثير من البوابات.
ولكن تبقى تجربة الموسوعات أمر رائع!

MidooDj يقول...

يااااه ذكرتني بالذي مضي
شكراً علي التدوينة الجميلة اخي عبدالله صديقك القديم محمود :)

حسين يقول...

"ولفارم ألفا" كان شيئا جديدا على الويب، وعلى الايباد قدّم بشكل مميز ايضاً.. مثال على عمل شبه موسوعي للحواسيب.

آبل وبالاصدار الأخير لـ "آي بوك" دعمت الناشرين بتقنيات سهلت عليهم انتاج كتب ضخمة وتفاعلية.. على محرك مشابه لكتاب آل غور "خيارنا".. هنا بدأت اتذكر وبقوة موسوعة انكارتا التي جربتها لاول مرة في ١٩٩٩.

من ناحية التصميم، اتوقع ان المستقبل سيتجه لشيء مقارب لواجهة "فليب بورد".. شبكة قوية وديناميكية، وتذوب معها كافة انواع البهرجة البصرية التي لافائدة منها.

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.