السبت، 17 ديسمبر 2011

الرحلة الثالثة - 1

أراد داوود أن أذهب معه في رحلة ثالثة إلى الهند لافتتاح مسجد، قبل عام لم يخطر في ذهني أن أسافر للمرة الثالثة وإن كنت أرغب في ذلك لأنني لا أستطيع تحمل تكلفة السفر هذه المرة فوعدت داوود أنني إذا حصلت على فرصة سأسافر وقد جائت الفرصة، وقتها تغير رأيي حول السفر، لم أكن أرغب حقاً في السفر لأنني وجدت حضوري ليس له فائدة فبإمكانهم افتتاح المسجد بدوني لكنني وعدت داوود ولذلك بدأت في الإعداد للسفر أولاً باستخراج تأشيرة زيارة، ثم شراء تذاكر السفر على طائرات شركة هندية للطيران، الخطة كانت أن أقضي أسبوعاً هناك لكن شركة الطيران كان لهم رأي آخر.

الرحلة التي حجزت مقعداً فيها مع داوود ألغيت فاضطررنا لحجز رحلة أخرى متقدمة على الموعد الأول بثلاث أيام ولم نجد فرصة لتغيير موعد رحلة العودة، بمعنى أن شركة الطيران أجبرتني على تمديد رحلتي 3 أيام لتصبح 10 أيام، رحلتي الأولى كانت 10 أيام وكذلك الثانية ثم الثالثة تحولت لعشر أيام أيضاً! المشكلة أنني كنت قبل الرحلة مشغولاً جداً وكنت بحاجة لهذه الأيام الثلاثة التي سرقوها مني ولذلك اضطررت لتأجيل بعض أعمالي إلى ما بعد السفر.

إعداد الحقيبة
ترون في الصورة دواء للباعوض، لم يأتي بنتيجة!
في يوم السفر بدأت في إعداد حقيبتي التي اشتريتها لهذه الرحلة وقد قررت أن أشتري حقيبة أصغر من السابق وأفضل وإن كانت أغلى قليلاً لأنني أنوي الحفاظ عليها بعكس الحقائب الأخرى التي اعطتيها لآخرين، في كل رحلة أجرب تقليل الأشياء التي أحملها معي وأجد في الرحلة أنني أستطيع التخلص من بعض الأشياء، ومما حملته معي 3 روايات ومجموعة من مجلات ناشونال جيوغرافيك تراكمت لدي، وقد قرأت الروايات الثلاث بسرعة وكان علي إحضار المزيد منها لأن قراءة المجلات لم تأخذ وقتاً طويلاً وبقي يومان من الرحلة دون شيء أقرأه فأعدت قراءة إحدى الروايات.

شيء آخر تمنيت لو أنني اشتريته للرحلة هو مشغل صوتيات مثل آيبود نانو أو ربما آيبود تش أو ربما هاتف يحوي مشغلاً صوتياً، الوقت في آخر يومين من الرحلة كان يمر ببطء شديد وأنا أعلم أن رحلتي انتهت ولم يعد لدي شيء أفعله سوى الانتظار.

قبل سفري بأسبوع التقيت بأحد الزملاء وفي آخر لقائنا أخبرته أنني ذاهب إلى الهند فسألني إن كان بإمكانه فعل شيء فخطر على ذهني مباشرة موضوع السجاد لمسجد بالقرب من بيت داوود، هذا المسجد فرش بالسجاد منذ افتتاحه قبل 20 عاماً ولم يبدل بعدها وقد كان من النوع الرخيص الذي أنهكه طول الاستخدام فأصبح يابساً لا فرق بينه وبين الأرضية سوى أنه أصبح خشناً كالشوك، ذكرت الموضوع في لقائنا فبادر مباشرة بعرض 10 آلاف درهم للسجاد وكان بإمكاني استلامها فوراً، أخبرته أن علي الحديث مع داوود قبل ذلك، داوود رأى أن يشتروا سجاداً من النوع الجيد وستكون تكلفته أعلى مقابل أن يستخدم لمدة طويلة، المهم أنني استلمت المبلغ من زميلي وأكمل المبلغ شخص آخر تبرع بخمسة آلاف درهم وأرسلناها إلى الهند ليباشر الناس هناك مباشرة شراء السجاد فنصل ويكون المسجد جاهزاً لتبديل السجاد.

في يوم السفر انطلقنا إلى مطار أبوظبي أنا وداوود وابنه محمد الذي أنهى زيارته الثانية إلى أبوظبي، في المطار بدأت ألاحظ تحديق الهنود في وفي داوود فحدثت ابنه عن الأمر ووافقني بأنه يلاحظ ذلك، حتى داوود ينزعج من الأمر وكلنا نتفق على أننا لا نفهم الفائدة من هذا التحديق فالشخص الذي يحدق فيك لمدة طويلة وقد تستمر لدقائق لا يفعل شيئاً في النهاية، لو أنه يوزع شيئاً من الحلوى في النهاية لهان الأمر!
وجبة سريعة قبل السفر
في المطار ووجبة خفيفة قبل السفر

في الطائرة
في الطائرة

 الطائرة كانت مفاجأة بعض الشيء، الكراسي ضيقة لكن المساحة المتوفرة لأقدام الركاب كانت جيدة مقارنة مع ما كنت أتوقعه وما جربته سابقاً مع هذه الشركة، شيء واحد كنت أتوقعه وأتمنى تجنبه بدون فائدة: الأطفال! على بعد بضع كراسي خلفنا كان هناك طفلان ولو كان لدي خيار لغيرت الطائرة لواحدة لا تحوي أي أطفال، بكائهم طوال الرحلة يعني أن تعيش في جحيم لثلاث ساعات ونصف، نفس الأمر تكرر في رحلة العودة لكن هذه المرة الطفل كان خلفي مباشرة ولأن الطائرة لم تكن مكتملة غيرت مقعدي لأضع أكبر مسافة بيني وبين الطفل.

على أي حال الطائرة كانت مريحة ولم أتوقع ذلك، لعل وجود داوود وابنه والحديث معهم كان السبب، نزلنا في مطار مانغلور بعد ثلاث ساعات ونصف وكانت رحلتنا هي آخر رحلة يستقبلها المطار في ذلك اليوم، المطار جديد وصغير ولا يستقبل كثيراً من الطائرات، بعد أن أنهينا الإجراءات بسرعة وحملنا أمتعتنا خرجنا من المطار لنجد في استقبالنا مجموعة كبيرة من الناس أعرف بعضهم، حملوا أمتعتنا إلى سيارتين وانطلقنا نحو بلدة بيلتنجادي وإلى بيت داوود، المسافة بين المطار وبيت داوود كانت أشد علي من رحلة الطائرة.

pay!
خارج مطار مانغلور، حمام عام، ادفع واستخدم!
  كيف أصف لكم الأمر؟ تخيل بحراً ليس هائجاً لكن موجه عالي بعض الشيء وقارب سريع يسير عليه، القارب لن يسير بسهولة بل سيقفز مرة بعد مرة بحسب الموج، أضف إلى ذلك إفعوانية - أو قطار الموت كما يسميه البعض - تسير بسرعة لليمين واليسار وللأعلى والأسفل، ثم أضف مطبات فجائية لا شكل موحد لها فهي تأتي على شكل حفر متفرقة، أضف هذه الثلاثة في خليط واحد وتخيل دماغك يتلقى الصدمات بعد الصدمات لمدة ساعتين دون توقف وستفهم شعوري ... لا ... لن تفهمه! عليك أن تجرب لتفهم.

وصلت لبيت داوود وأنا متعب حقاً وعلي أن أصلي المغرب والعشاء ولم أتناول العشاء بعد، أخبرني داوود أن أنام لساعة على الأقل ثم سيأكلون العشاء وقد كان عشاء في الساعة الثانية صباحاً.

في الصباح وبعد صلاة الفجر لم أعد بحاجة للنوم وهذا ما لاحظته هناك مرات عديدة، في الإمارات أشعر دائماً أنني بحاجة لمزيد من النوم بينما في الهند أنام لخمس ساعات ولا أستطيع النوم أكثر، يوافقني داوود وأخيه فهل من تفسير؟ هل الجو يؤثر علينا؟

أخبرني داوود في صباح ذلك اليوم أن السجاد الجديد وصل وأننا سنذهب للمسجد لنزع القديم ووضع الجديد، في المسجد جاء مجموعة من جيرانه للعمل على تبديل السجاد، نزع القديم كان مشكلة بسبب الغبار المتراكم عليه حتى أن أحد العاملين في المسجد أصيب بحساسية لكنه استمر في العمل بعد أن غطى أنفه وفمه بقطعة قماش وكذلك فعل آخرون، وبعد نزع كل السجاد القديم جاء داوود بآلة لضخ الماء لتنظيف أرضية المسجد التي كانت بحاجة ماسة لذلك والدليل الغبار الذي تراكم وأصبح كطبقة سجاد هو الآخر، استمر العمل بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر ثم انتظروا حتى تجف أرضية المسجد وبدأوا بعد ذلك في فرش السجاد الجديد الذي صلينا عليه لأول مرة صلاة المغرب.

داوود كان يعلم عدم رغبتي بالقدوم للهند للمرة الثالثة فذكرني أن الله يجعل لكل شيء سبب وأنه لو لم آتي فلن أحدث زميلي عن السجاد ولن يتغير شيء، فأسأل الله أن يجزي خيراً من تبرع لشراء هذا السجاد وأقول لهم بأن الناس هناك وداوود يدعون لكم بالخير.

مسجد الخضر
مسجد الخضر بالقرب من بيت داوود
السجاد القديم
السجاد القديم، يبدو نظيفاً في الصورة لكنه حقيقة مخزن للغبار
إزالة السجاد
نزع القديم
كومة سجاد
السجاد القديم وقد اكمل نزعه، على قدمه سيستخدم في مساجد أخرى
تنظيف أرضية المسجد
تنظيف المسجد بالماء
DSC00248
فرش الجديد
الحرارة
الحرارة كانت عالية والرطوبة مزعجة
مسجد الخضر
بعد أيام اكتمل فرش المسجد بتغطية الزوايا التي تحتاج لقطع السجاد

13 تعليقات:

ميلودي الصادق يقول...

عمل عظيم

جزاك الله كل خير على ماتقوم به.

أرجو ان لاتنسانا من دعواتك الطيبة.

عبدالعزيز يقول...

جزاك الله خير على مبادرتك الطيبة وجعلها الله في ميزان حسناتك ، على الرغم من عدم رغبتك في السفر مره ثالثة للهند إلا أنها وكما قال داود كانت سبب في تبرع أحد زملائك بمبلغ السجاد ، أعتقد أن زيارتك للهند قد ترفع معنويات المسلمين هناك بأن الخليجين مهتمين بالإسلام و التبرع للمساجد .
تحياتي لك

جسري يقول...

جزاك الله خيراً، مبادرة طيبة، وعمل الخير لن ينساه الله.
أريد أن أستفسر عن داوود، هل هو هندي؟ هل يتكلم العربية؟ وهل تستطيع أنت أن تتكلم الهندية؟

مبارك يقول...

إذا أذنت لي أخي عبدالله، بعد شكرك وشكر الأخوة المحسنين، اقترح عليك أن تكتفي بالسجاد السادة الذي يحوي على خط، يعني شبيه بالفرش السابق، فهذا كلفته أقل بكثير من السجاد المسمى بسجاد المحراب الذي تم فرش المسجد به. اعتقد الكلفة قد تنخفض بنسبة لا تقل عن 20-30%، جرب واسأل.

غير معرف يقول...

1) "لم آتي" -

لم اتِ , لانها مجزومة

2) يجب ان تتزوج كي تكف عن المعاناة من بكاء الاطفال. اغلب الظن انك نفسك كنت يوما ما طفلا

3) السجاد في مساجدنا مثل السجاد "القديم المغبر الذي يشبه الشوك" الا اننا نقوم بغسله كل سنة ولا نتذمر منه مع اننا نقدر على تبديله بكل سهولة.

هذا المال كان بامكانك التبرع فيه لسوريا الذين ينامون في الجبال والمغر

عبدالله المهيري يقول...

@ميلودي الصادق: بارك الله فيك.

@عبد العزيز العسيري: نعم هناك حاجة لزيارة العرب لمثل هذه المناطق في آسيا وإفريقيا وخصوصاً الخليجيين، مناطق تعاني الفقر والجهل أو مناطق تحتاج لمساعدات مختلفة ولم يزرها عربي من قبل، سأكتب عن مثل هذه المناطق في موضوع تالي.

@جسري: نعم هندي ويتحدث العربية، لا أتحدث الهندية وهي لغة واحدة من لغات الهند المتعددة.

@مبارك: بسأل، داوود أراد شراء سجاد جيد ليدوم فترة أطول خصوصاً أنهم اشتروا آلة تنظيف لتنظيفه من الغبار كل يوم.

@غير معرف: أن تضع رابطاً يشرح القاعدة خير من التصحيح، أما الزواج فلن يغير رأيي في بكاء الأطفال وهو أمر شخصي، كوني طفلاً في الماضي لا يعني الكثير خصوصاً أنني كنت هادئاً كما أخبرتني أمي ثم كل إنسان كان طفلاً ومع ذلك كل إنسان لديه الحق أن يشكو من الأطفال، أما سجاد مساجدكم فلا أدري ما الذي ترمي إليه، إن كان بإمكانكم تبديله بسهولة فلم لا تبدلونه؟ أما التبرع لسوريا فهناك دائماً من هو أولى بالتبرع ولو استمعت لكل رأي فلن أفعل شيئاً، لذلك دع الناس يعملون في الخير ووجه كلامك لمن يسرف في الإثم والمنكر وهو كثير.

Dr Niaz يقول...

في انتظار باقي الاجزاء خاصه وانني عشت كعربي في جنوب الهند لسنوات وبالحق هم من اطيب الناس معدنا
اما بخصوص نشاطك ونومك القليل في الهند فمرد ذلك لكميه الاوكسجين الرائعه التي تتنفسها بحريه بعيدا عن التلوث والضوضاء ....ما زلت اتمنى الرجوع والعيش هنالك لكن العمل في دلهي ياخذ كل وقتي
بارك الله في جهدك وعملك ولا تتخيل انت مدى تاثير زيارتك لهم فهي تشعرهم ان احد الصحابة قد دخل بيتهم وباركه لهم....وتجد منهم الثبات من بعد ذلك على الدين

عبدالله المهيري يقول...

@Dr Niaz: كما قلت، بعيداً عن التلوث وهناك كثير من الأشجار حولنا في كل مكان، الغابات تحيط بنا على عكس المدن هنا في الإمارات، أما الناس هناك فكما قلت طيبون، مع انني أردت العودة سريعاً إلا أنني مباشرة بعد عودتي تمنيت لو بقيت هناك، يتكرر هذا في كل رحلة.

غير معرف يقول...

(أبو هند)

أولا جزاك الله خير و على المتبرع وكل متصدق لوجه الله .

# سبب كتابتي لهذا التعليق هو أسلوب الشخص المجهول ( رقم الرد 5) يعني ما دخل إذا كان سجاد مسجدكم قد يبس و لم تغيروه . ثانيا وهو الآمر قولك

" هذا المال كان بامكانك التبرع فيه لسوريا الذين ينامون في الجبال والمغر" أولا باب الصدقة واسع ولم ينحصر على شعب معين و لا وقت معين و لا بشكل معين.

هداك الله على هذا الأسلوب إنما يخرج من في قلبه شيء من الحسد و الكبر.

عبدالله المهيري يقول...

@أبو هند: بارك الله فيك، نحن نعيش في الشبكة عالماً من المتناقضات لم نعتد عليها من قبل، سنحتاج لوقت طويل لكي نتعايش معها وإلى ذلك الوقت سنخوض في نقاشات كثيرة من هذا النوع الذي بدأه الأخ في الرد 5.

Ahmed يقول...

بارك الله فيك
ولا تلتفت لمن يطلب التبرع منك لشيىء معين يراه صحيحا في نظره
ولو سألته ببساطة هل تبرعت لسوريا التي انت حزين عليها سيقول لك لا
ولكن هناك ناس للاسف مهمتها النقد وتحقير الاخرين فقط لكي يشعروا انهم على صواب وهم دائما اقل الناس في الحياة قيمة وانجازا

L.G. يقول...

رجل قلبه معلق بالمساجد
عندما عرفت أن الأرض ستشهد لنا في كل موقع سجدنا فيه يوم القيامة تعلق قلبي بالمساجد وأشعر وكأن كل مسجد هو شخص محبب لقلبي يبتسم لقدومي ويرحب بوجودي وأي مسجد لقلبي قريب وأتمنى لو سجدت في كل مساجد المعمورة وأفرح بنظافتها وخاصة في الدول الغير اسلامية لا اعلم لماذا ولكن الهند لها معزة خاصة عندي شيدها أميتاب باتشان في فيلم مارد في صغري :)
ملحوظة :
قرأت تدوينة قصيرة عن استخدام الاسماء المستعارة في التعليق ولكني وجدت التعليقات الجديدة قد منعت لذا ولأني استخدم اسما مستعارا في عالم التدوين وهكذا عرفني الناس فلم أود تغييره فما اسماءنا الدنيا بقيمة بقدر ما يعرفنا الناس به . ولأني من النساء أفضل أن أكون وراء حجاب لأن بعض العالم الالكتروني يسئ للبعض ولكني بدأت في استخدام اسمي لمنع الالتباس عند الناس

تحياتي
سماح

L.G. يقول...

تعليق آخر :)
نعم لكل شئ سبب قد يكون كلمة تقولها لشخص تغير حياته في زيارتك سببا لتلك الرحلة فما بالك بتغيير سجاد المسجد
لي اقارب في انجلترا يؤكدون أن الطفل العربي فقط هو من يصدر أصواتا بعكس الاجانب فأطفالهم هادئون
في رأيي تنامون أكثر في الامارات لقلة الاوكسجين حيث أنكم تعتمدون على التكييف بينما في الهند أم العجائب الأشجار أكثر اذن هناك أوكسجين أكثر فيكون الجسم أكثر نشاطاً .
العجيب الشنطة صغيرة جدا لسفرة 10 أيام ليتنا عالم النساء مثلكم ولكن حقائبنا أثقل كثيراً :)
اللهم اجعلني مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر واجر الخير على يدي ... ستجد ثمرة هذا الدعاء دائماً صدقني
تحياتي
سماح