في الفيديو يتحدث المصمم الألماني دايتر رامز عن ما يعنيه المكعب الأسود، هذا الفيديو هو جزء من سلسلة تعاون فيها ثلاثة على صنع المكعب ثم تصوير مقاطع فيديو لمصممين معروفين ومشهورين ليتحدثوا عن ما قد يعنيه المكعب الأسود، بإمكانك مشاهدة كل مقاطع الفيديو لهذه السلسلة في موقع خاص بها: the-black-cube.com
دايتر رامز يقول في هذا الفيديو:
مصطلح التصميم (design) أصبح مستهلكاً وفقد جاذبيته، علينا إعادة تعريفه وربطه بمعاني جديدة، أنا مؤمن أن إعادة التعريف هذه ضرورية ويجب أن تقود إلى ما يعنيه المكعب الأسود: البساطة.لاحظ أن رامز يتحدث بالألمانية وأنا ترجمت من الإنجليزية المكتوبة في الفيديو، شاهدت هذا الفيديو أو بالأحرى استمعت له مرات عديدة، هل هناك من يشاركني حب الاستماع للغات لا أفهمها؟ أجد متعة كبيرة في الاستماع للغات مختلفة وفي كل مرة يذهلني حقاً هذا التنوع في الأصوات وتراكيب الجمل والمعاني كأنني أكتشف لأول مرة أن هناك لغات أخرى غير العربية، قبل أيام كنت في عيادة مع الأهل وكان هناك من يتحدث الفرنسية، أعطيت كل انتباهي للمتحدثين دون أن أنظر لهم وكنت أجد متعة لا أستطيع وصفها في الاستماع لشيء لا أفهمه، بجانب الفرنسية والألمانية أحب الاستماع إلى الإيطالية التي لا يمكنني وصف جمالها بأي صورة.
كيف سيكون شكل المجتمع إن قلل الناس استهلاكهم؟ كيف سيتطور المجتمع بناء قاعدة أضفتها للقواعد العشر وهي: إنتاج أشياء أقل وأفضل، ماذا لو تخلصنا من الأشياء غير الضرورية؟ الأشياء التي هي موجودة لأسباب تنافسية فقط، هل نحن بحاجة فعلاً لعشر آلات تصنع القهوة؟ في الحقيقة نحن بحاجة لواحدة فقط، سواء في الفنون الجميلة أو الأدب أو الموسيقى، التبسيط إلى ما هو أساسي لم يقد إلى أي كارثة، على العكس، التبسيط كان له آثار مفيدة في ثقافتنا.
لا يوجد شيء مخادع أو غير أمين في المكعب، أليس كذلك؟ بل هو شيء واضح (أو صادق) تماماً، المكعب الأسود يمكنه أن يقدم لنا إجابة جديدة وأصيلة لسؤال ما هو التصميم وكيف نصمم مستقبلنا، هل سنكمل - كما نفعل اليوم - في تدمير هذا المستقبل؟ أم هل لدينا فرصة لتطوير العالم وتحويله لعالم أكثر إنسانية وأخلاقياً أكثر؟ نعم لدينا فرصة! المكعب الأسود يمكنه أن يرينا الطريق.
بالمناسبة، قرأت لبعض الامريكان والأوروبيين الذين يحبون الاستماع إلى العربية الفصحى دون أن يفهموا كلمة منها، يبدو أن هذه هواية أو شغف مشترك بين الناس، أعني الاستماع إلى لغات لا يفهمونها!
على أي حال، ما قاله رامزعن الأشياء التي تنتج لأسباب تنافسية يحتاج لتفكير مطول، انظر إلى معظم الشركات اليوم، كثير منها لا ينتج ما يحتاجه السوق أو الناس بل تنتج لأسباب تنافسية ومالية، لا أشارك دايتر رامز في رأيه أننا بحاجة لآلة قهوة واحدة لكنني أفهم أنه يقصد بأن الخيارات التي يحتاجها الناس ليست كثيرة لدرجة إنتاج العشرات من آلات القهوة التي في النهاية لا تفعل شيئاً سوى أن تنتج القهوة ليشربها الناس، التنافس يؤدي بالشركات لمحاولة إغراق السوق بالخيارات ونقل التعقيد في الاختيار من الشركة إلى الزبون.
هذه النقطة بحاجة لتوضيح، الاختيار هو نوع من التعقيد وهو تعقيد لا يمكن الهروب منه، الشركات التي تنتج منتجات كثيرة متشابهة لا تحاول مواجهة هذا التعقيد بل تضعه على عاتق الزبون، فبدلاً من حاسوبين أو ثلاثة هناك عشرين، بدلاً من خمس أو سبع وجبات هناك أربعين (صدقني رأيت أكثر من ذلك في مطاعم مختلفة)، من ناحية أخرى شركة مثل أبل تواجه هذا التعقيد داخلياً قبل أن تطرح المنتج، عند تطوير وتصميم آيباد وآيفون مثلاً أبل أنتجت العديد من النماذج المختلفة بخصائص مختلفة ثم اختارت الأفضل من بينها لتبيعه على الناس، هناك آيباد واحد، هناك آيفون واحد، الخيارات المتوفرة للمنتجين لا تغير الكثير، في النهاية سيكون لديك نفس المنتج، المنافسون أنتجوا العديد من الخيارات المختلفة في القياسات والخصائص والأسعار، المنطق هنا أن الخيارات تلبي حاجة السوق لكن لدي شك في هذا التفسير، هل الشركات المصنعة لمنتجات مثل آيبود وآيفون تريد تلبية احتياجات السوق أم أنها تطرح منتجاتها لأسباب تنافسية؟ هي بالتأكيد تريد التنافس على سوق مربح ولولا ذلك لما سعت لطرح منتجاتها.
المشكلة هنا أن التنافس بهذا الشكل لا يقتصر على سوق التقنية بل وصل لكل سوق آخر، مزيد من المنتجات، مزيد من التسويق والإعلان ومزيد من الاستهلاك، هذا النموذج من الإنتاج والاستهلاك يراه البعض طبيعياً ويرون أنه القدر المحتوم على كل دولة فقيرة، الصينيون كانوا يقودون دراجاتهم الهوائية واليوم أصبحوا ينتجون ويشترون السيارات ولديهم زحام وتلوث واستهلاك سيصل قريباً إلى معدل استهلاك الفرد الأمريكي وربما يزيد عن ذلك، ولا تنسى الهند أيضاً التي تنمو بسرعة وفيها يزداد عدد الناس من الطبقة المتوسطة مما يعني ارتفاع الأسعار وارتفاع الاستهلاك وضغط أكبر على الفقراء.
ديتر رامز يقول بأن هذا النموذج من الإنتاج لأسباب تنافسية يدمر مستقبلنا كبشرية وهو متفائل بأن التوجه نحو التبسيط سيعالج المشكلة، هو مصمم مشهور معروف عالمياً ولديه فلسفة خاصة وقد كان يعمل لشركة براون الألمانية لذلك عندما يتحدث أو يكتب فالناس سيستمعون له، للأسف لا أشاركه التفاؤل ولحسن الحظ لست متشائماً تماماً، ما يجعلني متشائماً أنني لا أرى تغييراً حقيقياً على مستوى عالمي، وما يجعلني متفائلاً هي تلك القصص والتجارب التي أقرأها على الشبكة لأناس يدعون إلى التبسيط ويمارسونه لأسباب بيئية أو دينية أو فكرية، أناس يمارسون الاعتماد على الذات بزراعة أراضيهم وصنع الأشياء التي يحتاجونها ومشاركة الآخرين بالموارد والأدوات وغير ذلك، هذه الجهود يزداد نطاق تأثيرها كل عام بفضل الشبكة وقدرة الناس على التواصل سريعاً بالأفكار.
1 تعليقات:
أخي عبد الله ، " design" وليس desgin ، يمكنك حذف التعليق بعد التصحيح
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.