الاثنين، 29 نوفمبر 2010

رقم 794 شباك رقم سبعطاعشر

تسمعه في إدارة الجنسية والإقامة وفي ضمان وفي مؤسسات حكومية مختلفة، يردد الأرقام ويشير إلى رقم المكتب، ترى الناس يجلسون حول الكراسي لا يفعلون شيئاً سوى الانتظار، ترى اثنين يتحدثون بأي كلام لتمضية الوقت، يسأل أحدهم الآخر عن الأوراق ويشتكي أحدهم حول الأوراق والمعاملات والوقت الضائع بين المؤسسات المختلفة، البعض يحدق في الفراغ وآخرون ينظرون في كل ناحية بحثاً عن شيء يلهيهم حتى يصل دورهم، ولا زال المردد يرفع صوته: رقم ثمانمائة وسبعين شباك رقم  تسعطاعشر.

أخذت ورقة صغيرة ورأيت عليها رقم 794 وعلي التوجه نحو المكتب رقم 17، أمامي 20 شخصاً وتمنيت أنني أحضرت كتاباً معي لأن وقت الانتظار سيكون طويلاً، جاء داوود وجلس بجانبي ومضى الوقت ونحن نتحدث عن مشاكل المعاملات وغرابة بعض القوانين مثل ذلك القانون الذي يطلب من المقيمين السفر لخارج الدولة والعودة لكي ينجزوا معاملة، وهكذا كان الناس يتوجهون لإيران ويعودون وبعضهم يذهب إلى العين لكي يعبر إلى عمان ويعود ويختم جوازه بما يثبت أنه خرج وعاد، لكن مثل هذه القوانين يجب أن تقود الناس إلى طريق خرج ولم يعد ولا يرغب في العودة.

رقم سبعمائة وأربع وسبعين شباك رقم سبعطاعشر ...

ونحن في الطريق نحو إدارة الجنسية والإقامة كنت أتحدث مع داوود عن الصعوبات التي يواجهها العمال لدينا فيحدثني عن شركة تعطي راتباً شهرياً يبلغ 800 درهم ولا توفر سكاناً للعمال وهذا يعني أن الراتب كله يمكن أن يذهب للإيجار وبالتالي ما الفائدة من الراتب؟ أضف لذلك معاملات مختلفة يجب أن ينجزها العامل أو كفيله وفي كثير من الأحيان هناك كفلاء لا يدفعون مبالغ هذه المعاملات وقد حسبتها يوماً فوجدت أن العامل عليه دفع ما يقرب من 900 درهم كل عام للمعاملات المختلفة، الفحص الصحي، بطاقة التأمين الصحي، بطاقة الهوية، الإقامة وإن كان سائقاً رخصة القيادة، وكل بطاقة لها إجراءات وتكاليف مختلفة بحسب الظروف ومكاتب الطباعة.

رقم سبعمائة وتسع وسبعين شباك رقم سبعطاعشر ...

يغضبني عديموا الرحمة هؤلاء الذين يكتبون بلا روح ولا حس ولا إنسانية عن العمال في بلداننا، بعضهم يصور الأمر كأنه منة نقدمها لهؤلاء العمال في حين أن صورة بعض العمالة لدينا لا تبتعد كثيراً عن العبودية، أعلم أن كلمة "العبودية" هذه ستثير حساسية البعض لكن عليهم أن يقبلوا بأنني وغيري نرى ظلماً لا يمكن وصفه بشيء أقل من هذه الكلمة، كيف تصف عمالاً يحصلون على 600 درهم شهرياً ويقيمون في أماكن سيئة ولا يحصلون على أي إجازة ويصعب عليهم العودة لبلدانهم؟ الغلاء يأكل كل شيء وهذا يحدث على الهند ودول أخرى كما يحدث لدينا، لم تعد قيمة الدرهم كما كانت قبل 20 عاماً والراتب الذي كان بالكاد يكفي العامل وأسرته في الماضي لم يعد يكفي لتكاليف المعيشة هنا فما الفائدة من العمل؟

لا أشير بأي شكل بأن هناك ظلم مقصود من جهة الحكومة فقد ظهرت قوانين مختلفة لتحسين أوضاع العمال وهناك اعتراف من كثير هؤلاء العمال بأن أوضاعهم بالفعل تحسنت وهناك مجال لتقديم المزيد، ما أشير له هو ما يفعله أفراد أو مؤسسات في حق العمالة التي يكفلونها، بعضهم يظلم العمال ويجب علينا ألا نقبل الأمر أو نعتبره عادياً، ليس لأن هذا قد يشوه سمعتنا في الخارج لأن هذا يجب أن يكون آخر اهتمامتنا، علينا ألا نقبل بالظلم لأن هؤلاء المظلومين هم بشر مثلنا وديننا وأخلاقنا بل وكل المبادئ والأخلاق لا تقبل بالظلم.

رقم سبعمائة وسبع وثمانين شباك رقم سبعطاعشر ...

بالأمس أخبرني عامل لدينا في المنزل أن ابنه حمزة مريض، هناك مشكلة ما في بطنه وبالتحديد الزائدة الدودية، للأسف لا يعرف هذا الأب أن ما يقصده هو مرض قد ينهي حياة ابنه، انفجار الزائدة الدودية ليس أمراً سهلاً وخصوصاً لطفل لم يبلغ السادسة من العمر، رأيت حمزة الصغير عندما كنت في الهند وقد كان مثل ما وصفه أبوه، شقي ولا يمكنه الثبات على وضع تماماً كابن أخي.

كنت مهموماً بهذا الخبر لأنني أعلم أن مستشفيات الهند في المناطق النائية لا تقدم خدمة صحية جيدة، الطفل يتألم وبقي ثلاث أيام على هذا الألم وارتفعت حرارته كثيراً فنقلوه لمستشفى في مدينة مانغلور وهناك أجروا له عملية تكلف الكثير والآن الطفل بحالة جيدة.

هل يمكنك تخيل الأمر؟ أنت أب تعمل في بلاد أخرى وأسرتك في بلادك وبالكاد تراهم إلا كل عامين، يصلك اتصال بأن ابنك مريض بمرض خطير، داوود يخبرني أنه مر بهذه الحالة مرة ولم يكن يستطيع النوم، كفيله في ذلك الوقت أعطاه تذكرة ليعود للهند ويكون بجانب ولده المريض.

كثير من الهنود في بلادنا يعملون لعامين أو أكثر ولا يعودون لأسرهم، نعم هناك هاتف نقال رخيص لكن الهاتف لا يمكن أن يعوض عن وجود الأب بين الأبناء، أعرف أحدهم لم يعد لبلاده من 10 أعوام، هل يمكنك تخيل ذلك؟ ألا ترى أبنائك 10 أعوام، لا يمكنني تخيل ذلك، لا يمكنني تقبل حقيقة أن بعضهم لا يرى أسرته إلا مرة كل عامين، نعم هي الظروف التي تجبره على ذلك لكن ألا يمكننا أن نعمل على علاجها بأي وسيلة؟ ألا يمكنني على الأقل أن نظهر قليلاً من التعاطف معهم؟

رقم سبعمائة وثلاث وتسعين شباك رقم سبعطاعشر...

أشعر أن هناك تضارب في الاتجاهات التي نريد السير فيها ولهذا هناك كثير من التعقيد في المعاملات الحكومية المتعلقة بالمقيمين، يمكن تبسيط الأمر بأن نخطط لكل هذه المعاملات بشكل موحد، بمعنى لا يصلح أن تخطط كل مؤسسة بشكل منفصل وتضع كل مؤسسة قواعد مختلفة، لننظم الأمر ولنجعل كل شيء يسير بسهولة ويسر، الأمر ليس مستحيلاً، شيء من التنسيق بين المؤسسات لإلغاء التضارب أو التعقيد وشيء من التنسيق لتوحيد بحيث لا يحتاج العامل إلى الذاهب لمؤسسات مختلفة وفي أوقات مختلفة لإنجاز معاملات مختلفة.

رقم سبعمائة وأربع وتسعين شباك رقم سبعطاعشر ...

أخيراً جاء دوري، سلمت الموظفة جواز سفر وأخبرتها بأنني لم أستلم بطاقة العامل، سجلت رقماً لديها وطلبت الانتظار، جاء دوري بسرعة فقد كانت الموظفة تعمل بجد ولو أحضرت كتاباً فلن أقرأ منه شيئاً، بعد دقائق نادت اسمي واستلمت ما أريد وخرجت لكن صوت مردد الأرقام لم يخرج من رأسي ... رقم سبعمائة وتسع وتسعين شباك رقم سبعطاعشر.

ما قصة "سبعطاعشر" هذه؟ لماذا لا يقول سبعة عشر؟

4 تعليقات:

سيف يقول...

قرار الخروج من الدولة لأتمام بعض المعاملات قرار له أسباب مهمة تخص أمن الدولة , فإذا أتم العامل سنوات في الدولة يكون مهاجر وليس عامل وهناك فرق بين المهاجر و العمل ..أسف للأطالة ولكن لكل قرار أسبابة التى أحيانا تكون غير منطقية للبعض

عبيد الكعبي يقول...

اتفق معك في موضوع توحيد الإجراءات في كل الامور المتعلقة بالمقيمين ، لأن ذلك يختصر الوقت الكبير في امور كثيرة ...

ولكن هل هناك خطة مثلا ان تكون دولة الإمارات بها العمالة المواطنة بدلا من الوافدة ؟؟ هل هناك خطة لعدد العمالة أو المقيمين خلال السنوات القادمة ..

اعتقد انه لا يُمكن تخيل ذلك وخاصة أن لا تكون هناك خطة مدروسة للوضع ..

حالة المقيمين هنا أفضل من أماكن آخرى ..ربما هناك بعض التعقيدات في جوانب معينة لكن الحمد لله على كل حال ..

غير معرف يقول...

اسلوب رائع في الكتابه!

خبر يقول...

انا لست اماراتي ، بس موضوع الخروج ذكرني قبل سنين بالعمال اللي خرجوا من البلد لتغير الكفيل و أثناء عودتهم تحطمت طائراتهم وقضوا ، الله يرحمهم ،بسبب أسلوب غريب في المعاملة