الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

ما بعد الصخب

رأيت سيارة تجر خلفها لوحة إعلانية لمؤسسة حكومية، لا داعي لذكر اسم المؤسسة، لنترك الأسماء جانباً، لا أريد الحديث عن الشرطة، الإعلان يحوي نصاً طويلاً يبدو أنه كتب لكي يقرأ عند الإشارات وفي الزحام لأنه من الصعب أو من المستحيل أن تقرأه وأنت تسير بسيارتك إلا إذا كنت تتمنى أن تصدم اللوحة نفسها وفي هذه الحال ستؤدي خدمة للإنسانية بتدمير إعلان صمم بنية حسنة لكنه وسيلة لإبعاد انتباه السائقين عن القيادة والتركيز على نص يصعب قرائته وهكذا يمكن الاستنتاج بأن الشرطة تشجع الناس على عدم قيادة سياراتهم بانتباه!

الإعلان يتحدث عن "رؤيتنا" وربما "أهدافنا" وأشياء أخرى لم أستطع أن أقرأها، كان بإمكانهم أن يضعوا الخطة الاستراتيجية في الإعلان فالزحام في العاصمة أصبح وسيلة جيدة لقراءة لوحة إعلانية متحركة أو بالأحرى متوقفة وفي الحقيقة الزحام وسيلة جيدة للتأمل في الأشياء التي يمكن رؤيتها من الشارع ولم تلاحظها من قبل، بنايات كثيرة وبجانبها بنايات كثيرة، مواقف مزدحمة وفيها أناس يبحثون عن مواقف لسياراتهم، مشاة يمشون بسرعة في كل اتجاه وأحياناً يركضون لأنهم يرون سيارة دفع رباعي فخمة قادمة في اتجاههم، وهناك الإعلانات.

إعلان على لوحة فوق الرصيف وفي المكان المناسب لمنعك من رؤية السيارات القادمة أو المشاة، إعلان على سيارة الأجرة وآخر على حافلة صغيرة وثالث على حافلة كبيرة، وهناك شاحنة صممت لكي تعرض إعلانات على ثلاثة أوجه وتغير إعلاناتها بين حين وآخر، والآن سيارة تجر لوحة إعلانية، ولا تنسى البنايات التي تضع إعلانات على طول البناية وفي الليل تجد الإضاءة ترقص معلنة عن علامة تجارية يابانية أو ساعة سويسرية أو حتى إطارات فرنسية، من المفترض أن يركز المرء على الشارع لكن قريباً سيكون هذا صعب جداً لأنني لا أشك بأن نوعاً جديداً من الإعلانات سيظهر.

تخيل معي شاحنة صغيرة، بدلاً من مساحة الشحن في الخلف هناك بيت زجاجي وسماعات خارجية وفي البيت الزجاجي إضاءة مبهرة حمراء وزرقاء وبنفسجية والإعلان حي يتحرك، إعلان راقص بمعنى آخر لكنه حي وعلى الهواء مباشرة وأمامك، لن تستطيع الإفلات منه فأنت مجبر على النظر أمامك، أين المهرب؟!

الإعلانات وصلت منذ وقت طويل لحد يثير الاشمئزاز وهي تزداد وقاحة كل يوم، أصبح كل شيء مربوط بعلامة تجارية، في التلفاز كنت أرى الأخبار كشيء يجب ألا يمس ولا يقطع، نشرة الأخبار يجب أن تكون كاملة من البداية إلى النهاية وبدون أي مقاطعات، أصبحنا نرى الإعلانات تقطع أخبار القتل والدمار ومفاوضات السلام وغير ذلك من المصائب، الإعلانات تقطع البرنامج التربوي أو الديني لتدمر كل القيم والأخلاق بعرض أجساد لا يمكنها الثبات لنصف ثانية.

هذا الهوس الاستهلاكي والجنون الإعلاني له تأثير معاكس لما يريده المعلنون، وله تأثير آخر يمكن استغلاله بشكل إيجابي، ليكن لديك مشروع تجاري يتميز بأشياء مختلفة من بينها عدم إزعاج الآخرين بالإعلانات والعلامات التجارية، خذ على سبيل المثال شركة موجي اليابانية، هذه شركة قامت على أساس إلغاء العلامة التجارية واسمها باليابانية هو اختصار "بدون علامة تجارية" وهي شركة لا تعتمد على الإعلانات لتسويق نفسها بل على تصنيع عالي الجودة وبتصاميم بسيطة وأنيقة وتعتمد على السمعة وعلى تسويق زبائنها لبضاعتها.

أصبح الإعلان الهادئ مميزاً لأن كل الإعلانات صاخبة ومثقلة بالتفاصيل، يمكنك أن تجر عين القارئ أو المشاهد بوضع إعلان خالي من الإزعاج ويركز على شيء واحد وجملة واحدة، هكذا تخرج عن قطيع الإعلانات المعتادة، التميز في عالم الأعمال لا يكون بالتقليد بل بالجودة وتميز السلعة ومراعاة الجانب الاجتماعي من المجتمع، في الأيام القادمة سأكتب إن شاء الله عن بعض هذه النقاط.

4 تعليقات:

مرفأ الأمل يقول...

الأنشطة في حياتنا مرتبطة بالإعلان والتجارة ، حتى الأعمال الجيدة و المؤتمرات وأي نوع من الفعاليات لا بد أن تغلف بالرعاة والمعلنين ، وأكثر ما يسوؤني الإعلانات التلفزيونية ، أولا لكثرتها ، وثانيا لتجاوزاتها فكثير من الإعلانات تخرق كثيرامن القيم وتستهر بكثير من التصرفات والأعراف ولا توجد هناك حدود رادعة لهم ، وخاصة في رمضان يزداد الأمر سوءا ...
هناك بعض الإعلانات تتحدث عن تجنب الحوادث ، وعن المواظبة على الصلاة ، وعن مساعدة الآخرين أجدها مؤثرة لقصرها ودقتها ..
وافر التحية

karim يقول...

منذ فترة شاهدت فيلم Hardwired وكانت الفكرة الرئيسية له تتحدث عن أن الشركات حول العالم قد استخدمت كل الوسائل المتاحة للدعاية والإعلان لمنتجاتها من الوسائل التقليدية الى وضع الاعلانات على الأثار المشهورة مثل تمثال الحرية وتاج محل ثم تم وضعها على اجساد الحيوانات فوق الجلد وحين تم استنفاذ كل الوسائل التقليدية واصبح لا يوجد مكان لوضع المزيد من الاعلانات ابتكرت احدى الشركات شريحة الكترونية توضع داخل المخ البشرى لبث الاعلانات مباشرة داخل العقل بحيث تظهر امام أعين المستخدم ويسمعها داخل اذنه دون الحاجة الى الوسائل التقليدية واصبح من الممكن بعد ذلك ان تسيطر الشركة على الشخص الذى يتم وضع الشريحة داخل رأسه لتجبره على شراء السلع التى تقوم ببيعها رغم انفه , ورغم ان فكرة الفيلم خياليه الا أنه يناقش الى اى مدى قد يصل طوفان الإعلانات الذى لا يتوقف ......
ثانيا اعتقد ان المستهلك العادى لابد ان يملك الوعى لتجاهل هذا الكم من الدعاية كمثال عندما تتصفح موقع الكترونى تتجه مباشرة الى الموضوع الرئيسى الذى تريد قرائته وتتجاهل الاعلانات الموجودة على الجانبين ...

غير معرف يقول...

السلام عليكم
كيف الحال
اتمنى ان تكون بخير
اعذرنى لم اتابع التدوين منذ فتره
واشعر بالسعاده للمرور
اخوك
احمد مجدى

عبدالله المهيري يقول...

@مرفأ الأمل: هناك فرق بين التجارة والإعلان، فرق بين إعلان لتوعية وإعلان لتسويق سلعة، وكما في كل شيء هناك الجيد والسيء، ما أتحدث عنه في موضوعي هو الجانب السلبي.

@كريم: الأفلام والروايات تتحدث عن عالم خيالي لتحذرنا مما قد يحدث في الواقع، المستهلك يمكنه أن يتجاهل إلى حد ما وما بعد هذا الحد يصبح الإعلان أكثر من مجرد مساحة تستحق التجاهل، الإعلان أصبح مزعجاً ولا بد من إزالته كلياً، هذا ما يفعله البعض بمنع ظهور إعلانات المواقع من خلال إضافات للمتصفح، وهذا ما يفعله البعض عندما ينتقلون من قناة لأخرى لتجنب مشاهدة الإعلان.

@أحمد مجدي: لا حاجة للاعتذار، حياك الله في كل وقت.