الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

رأس المال الفاجر

لا أظن أن هناك شيئاً يضيق به صدري مثل رؤية التناقض الشديد بين الأفكار والأحداث والأشياء، وهذا يحدث كثيراً كلما أصابتنا مصيبة، حرب في العراق وبعض فضائحياتنا لا تستحي فالمالكون لا يهمهم سوى الدرهم والدينار أو قل حسابات الربح والخسارة، ولا شيء أبسط من عرض الخلاعة والفجور على القنوات ووضع شريط للرسائل في أسفل الشاشة ثم انتظار رسائل المجانين، فكما يقال "رزق الهبل على المجانين."

لا يهم إن استشهد في غزة أكثر من 300 شخص، لا يهم إن حدثت هذه المصيبة أو تلك، الفضائحيات تعمل في خارج إطار الزمن والمكان فهي عربية اللسان لكنها لا تتكلم إلا بلغة الدراهم وهي تنطلق من أرض عربية لكنها تحولت لمزرعة فجور أثمرت خراباً وجنت فساداً وباعته في سوق الحماقة.

لندع الفضائحيات فأمرها معروف ولنتجه بأبصارنا إلى الشمطاء الكولومبية التي استقبلت في أبوظبي لتحيي حفل رأس السنة الميلادية، ساعات فقط تفصلنا عن هذا الحفل، رأس المال الفاجر لا يقيم اعتباراً للمكان والزمان فما يهم هو المال والربح، ومقياس الحلال والحرام لديه بسيط: الحلال ما زاد ربحي والحرام ما حرمني من الربح أو سبب الخسارة.

لا يهم أن هذه أرض نسميها الإمارات وهي جزء من الجزيرة العربية مهبط الوحي وأرض الرسالة، لا يهم إن كان هناك مواطنون يحتجون على هذه الحفلات فهؤلاء يمكن تجاهلهم بسهولة فمن هم حتى يمنعوا رأس المال الفاجر من جني المال الحلال؟ بإمكانهم التحدث وبإمكان رأس المال أن يفعل ما يشاء ما دام أن القوانين والظروف تسمح له أن يفعل ما يشاء.

سيقول البعض: ولماذا تحرق دمك؟ اهتم أنت بأمر غزة ودعهم يستمتعون بحياتهم ... أيها المعقد! لماذا تدس أنفك في شيء لا يعنيك؟

دعني أختصر عليك الأمر: لا يحق لأحد أن يمارس المعصية على هذه الأرض، وهذه بلادي التي أعيش فيها وهي جزء من العالم الإسلامي، وفي ديننا لا يمكن أن نفصل بين الناس والأشياء ونقول هذا المسجد وهذا الفندق فمن أراد أن يذهب لهذا فليفعل ومن أراد ذاك فليفعل، لا يمكن أن نوفر الخيار الفاسد بجانب الصالح ونقول للناس: الاختيار لكم ولكل حريته، ليس هذا في ديننا، بل على العكس تماماً علينا أن نفعل ما بوسعنا لمحاربة كل ما يخالف ديننا وفي بلادنا الكثير.

قرار حاكم دبي بإلغاء الاحتفالات في دبي أتى في وقته، وأتمنى لو يتسع الأمر لكل الإمارات بل ولكل الدول العربية ولكل وسائل الإعلام، من العيب أن تكون هناك فضائيات راقصة مغنية في هذا الوقت الذي يعاني فيه إخوان لنا، كذلك الأمر مع الصحف والمواقع وكل وسيلة إعلامية، هذه الوسائل لا تعيش في إطار زمني مختلف.

أتمنى أن يمتد الأمر فنراجع كل شيء ونقلل من حجم التناقض بقدر الإمكان، أتمنى أن ياتي اليوم الذي نتجرأ فيه قليلاً لنقول لفضائيات الخلاعة بأن عليها التوقف فهي ترقص على جراحنا، أتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه التضامن مع إخواننا عملية يومية مستمرة إلى أن يزول الظلم وليس مجرد ردة فعل على عدوان غاشم.

نقطة أخيرة: لست ضد أن يحتفل الإنسان ويفرح فالكل يستطيع ذلك حتى في أشد الظروف، لماذا يجب أن يكون الفرح والاحتفال على حساب ديننا وأخلاقنا؟

9 تعليقات:

غير معرف يقول...

صدقت، فعلاً تناقض غريب.

الغاء الاحتفالات دليل على انها خطأ من الاساس ومن المفترض ان لاتفام خصوصاً اذا كانت في بلد مسلم وفي جزيرة العرب، كما ذكرت.

اخي عبدالله، ايضاً في مقالتك السابقة ذكرت الفرق بين من يصلي الفجر في جماعة ومن يتهاون. سؤالي، كم شخص من هؤلاء الذين سيكونون في الاحتفال سيؤدون صلاة الفجر. بافتراض طبعا ان الاغلبية شباب مسلمين ونتطلع الى انتاجيتهم.

اتمنى ان تلغى الاحتفالات الكبيرة دائماً (وخاصة التي تحمل اسماء مشاهير). ومن يريد ان يحتفل، فسيجد مكان مناسب له لفعل مايريد.

محمد العتيبي
http://malotaibi.wordpress.com

غير معرف يقول...

سيكون شيء رائع لو قامت جميع القنوات بعملية احتجاج بما فيها القنوات الترفيهية لكان الصدى أكبر لحل المشكلة ولإيصال الرسالة بأن الجميع غاضب ويرغب حل المشكلة

ولكن هل (مسموح) لهذه القنوات بهذا العمل الاحتجاجي ام ستسحب منهم الرخصة ؟

بخصوص إلغاء الحفلات فهو بالتأكيد أمر مهم
لأنها تعكس مدى اهتمام العرب بقضيتهم امام غير العرب من الشرق الى الغرب
في حال قيام حفلات في نفس الوقت الذي تمر فيه احدى الدول العربية بمحن سينمي هذا الشيء اللامبالاة في انفس الكبار قبل الصغار وسينعكس هذا الامر لغير العرب اللذين لن يهتموا بعد ذلك لعدم اهتمام العرب انفسهم.

أنا اتقرب ردة الفعل بخصوص الاحتفال ذو الصيت العالي "مهرجان الدوحة" لا اعلم ان كان سيلغى ؟

بخصوص موضوع الشمطاء الكولومبية "والمعاصي" التي تحدث حسب ماذكرت فالامارات والتي احترمها بشدة كدولة شقيقة لها رسالة مختلفة وتريد تعزيز السياحة فبمجرد غناء الشمطاء الكولومبية (اعجبني اللقب) يعتبر الموضوع كدعاية للدولة كوجهة سياحية وثقافية في المنطقة حيث ان الكثير من العرب او غيرهم يعتقدون بأن هذا الاسلوب يعكس مدى شفافية الشعب والدولة ونواياها الحسنة (حسب وجهة نظر المسؤولين )

اقتراحي هو ان التشديد على أن هذه الامور "معاصي" من الاساس (وقد اتفق معك ) والمناداة الى ايقافها للأبد هو تشتيت لموضوع "ايقافها من اجل غزة " والذي يجب التركيز عليه حاليا وغير ذلك يمكن مناقشته في وقت آخر

:)

غير معرف يقول...

أما أنا فأرى أن إقبال الشباب العربي على هذه الفضائحيات سببه فراغ كبير يعاني منه، وأن افضل سبيل لتجفيف منابع الفضائحيات هو شغل هذا الشباب بشيء يجعله يقبل عليه بكل تركيزه، ولا أرى مثل الأعمال الحرة :)

غير معرف يقول...

أحد أجمل اساليب التعبير عن الرأي موجودة في النت
بالامكان استخدمها للنقاش

مثال لأحد اساليب الاستنكار لما يحدث
http://api.seesmic.com/#/video/CCZqVLaEm5/watch

غير معرف يقول...

بالامكان الضغط على conversation اسفل الفيديو لمشاهدة الردود الفيديو والمشاركة فيها :)

غير معرف يقول...

لست بحاجة ان اقول ان ما يحصل في غزة و ما حصل من قبل سببه بعدنا عن الدين و اننا لن نخرج من خزي الذل و لن يرتفع عنا الضعف حتى نعود إلى ديننا و ندرك اننا ما خلقنا إلا لعبادة الله و انه علينا الدعوة لهذا الدين ان تملك نفوسنا هذه العزة و هي اننا خلفاء الله في الأرض لن يكون عدونا إلا كالذباب نهشه عنا بعون من الله. و لكن من باب التذكير و انعاش الذاكرة :)

الخلاصة: مشكلنتا فردية و ليست شعبية فلو ان كل فرد عمل ما يجب عليه لسعد و اسعد من حوله.

و لا ننسى الدعاء لاخواننا في غزة و في جميع البلاد.

غير معرف يقول...

شكليات!

نعم أرفض تماما ما يحدث في تلك السهرات وما تبثه الفضائيات مما يتنافى مع الأخلاق. لكننا نسكت عنها طول الوقت ولا معنى للمطالبة بإلغائها الآن بسبب ما يتعرض له الفلسطينيون الآن. كأننا بإلغاء تلك الإحتفالات سنشعر براحة الضمير وسننام قريري الأعين. لا. هذه مجرد شكليات لن تقدم من الأمر شيئا ولن تؤخر.

هناك ما هو أهم. وكلنا نعرفه.. كلنا ندركه. لكن أغلبنا (إن لم نكن كلنا) نتجاهله ونقنع أنفسنا بأننا نقوم بواجبنا في حين أن كل ما نفعله مجرد أمور تافهة: الخروج في المظاهرات، المطالبة بقطع العلاقات مع "إسرائيل"، الإنقطاع عن الدراسة، تكسير واجهات المحلات، إغراق تويتر بالأخبار (العربية) والكثير من الكلام... إلخ.

عبدالله المهيري يقول...

محمد العتيبي: بالفعل الإلغاء هو دليل على أنها خطأ من الأساس، ومع ذلك هناك من مارس الوقاحة على الهواء في اتصال هاتفي لإذاعة إماراتية معلناً سخطه لأنه دفع 15 ألف درهم لحفلة وتحدث بما يشير إلى منكرات سيمارسها وفوق ذلك أعلن أنه سيتوب في العام القادم، لا أدري من أين يجد هؤلاء الوقاحة الكافية لقول ذلك أمام الناس.

مدون: العمل الاحتجاجي مسموح لأي وسيلة إعلامية، ما هو غير مسموح أن تتحدث عن ما يجب أن تسكت عنه، وكل بلد فيه مساحة تكبر أو تصغر تحوي أشياء كثيرة يمنع الحديث عنها، أما الإيقاف، فأظن أن هذا هو الوقت المناسب لكي نثير الموضوع أكثر، فالأخوة في غزة كانوا يعانون قبل الغارات، لماذا تذكرنا الآن؟ يمكننا توسيع نطاق الموضوع لنركز على أمور داخلية أيضاً، كيف يمكن لنا أن نحتفل وفينا الجاهل والفقير والمظلوم؟

أشكرك على الرابط.

شبايك: الأمر يجب أن يسير في اتجاهات عديدة، أحدها كما تفضلت والثاني التوعية والتربية، قد لا يرى الشاب أمامه خيارات كثيرة لاستغلال وقت فراغه، مع التربية والتوعية بأهمية الوقت سيستغله الشاب في أمور هو يقبل عليها بدون أي مؤثر خارجي، كالقراءة أو البدء في عمل مشروع ما بنفسه.

غير معرف: صدقت.

محمد سعيد: صدقت في قولك بأننا نناقض أنفسنا عندما نتحدث عن الحفلات الآن، لذلك قلت في موضوعي أنني اتمنى أن يمتد الأمر لما بعد الأزمة، أتمنى ألا نعود لسابق عهدنا بمجرد أن تنتهي المذبحة كما حدث في الماضي كثيراً.

لا أؤيد المظاهرات - ليس في الإمارات على الأقل - المطالبة بمقاطعة إسرائيل أوافقه، الانقطاع عن الدراسة فكرة لا أجد فيها مشكلة، لكنك تعلم أن الناس لن يقبلوها، لا أوافق على تكسير واجهات المحلات، وبالتأكيد لا أرى مشكلة حول أخبار تويتر.

غير معرف يقول...

قد يكون هذا الرد متأخر ولكنى لا اعتقد ان نهاية الموضوع - اقصد فى المدونة - يجب ان يكون هكذا
شبايك : اعتقد انه فعلا يتكلم عن جوهر المشكله وليس عن الاعراض التى تصاحبها كما بفعل 99% من الناس
اغلب المشاكل تاتى من الشباب وايضا افضل الاشياء تاتى منهم ولان اغلب الناس سؤاء بالنسبة لهذا الموضوع او غيره ينظرون الى اعراض المرض وليس الى المرض نفسه !
الشباب وانا منهم يملون كثيرا وكثيرا جدا من كثرة الكلام الذى لا اجده سوى انه كلام يخرج من العقل وليس من القلب بدافع المصلحه فعلا
كالفرق بين الذى يصلى الصلاة لانه مجبر لانه فرض
والذى يصليها لانها تقربه من الله وتنير قلبه
واعتذر ان كان الرد متأخرا