السبت، 23 نوفمبر 2013

دروس التدوين (1) أكتب لكي تكتب

كل الردود في الموضوع السابق طلبت دروساً نظرية لذلك أبدأ هذه السلسلة القصيرة بموضوع صغير، سأحاول في هذه السلسلة أن أن أغطي المواضيع الخمس التي طلبت أكثر من غيرها، ويبدو أن إيجاد أفكار لمحتويات المدونات هو الأهم من بين كل الاختيارات، لذلك قد أكتب عنه في أكثر من موضوع.

لكي تأتي بأفكار للمحتويات عليك ألا تنتظر وصولها قبل أن تكتب، لكي تكتب يجب أن تكتب! يبدو ذلك سخيفاً لكن فكر بالأمر، الكتابة ككثير من المهارات لا يمكن ممارستها بالتفكير فيها، يجب أن تمارسها، وكلما كتبت أكثر كان هناك فرصة أكبر لكي تكتب لأن حبل الأفكار لا ينقطع، فكلما كتبت وجدت نفسك تريد أن تكتب عن أفكار أخرى فكل نقطة أو فكرة مرتبطة بأفكار أخرى.

لذلك أول تطبيق عملي يمكنك أن تنفذه هو التالي: أكتب أكثر، لعل هذه نصيحة غير مفيدة، أكمل قراءة الموضوع.

الكتابة ببساطة هي أن تعبر عن أفكارك، لديك فكرة في عقلك ويمكنك أن تتحدث عنها لآخرين أو تكتبها، لا أظن أن أحداً توقف يوماً عن الكلام لأنه لا يملك أي شيء يقوله، عاجلاً أو آجلاً سيكون لدى كل شخص ما يقوله وسيتكلم حتى للجدران إن لم يجد أحداً يتكلم معه، كذلك أنت سيكون لديك ما تكتب عنه.

التدوين أو الكتابة بشكل عام يجب أن تصبح هي كل ما تفكر فيه طوال يومك، يجب أن تنظر لكل شيء بنظرة "هل يمكنني أن أدون عن هذا؟" ليصبح يومك كله عبارة عن أفكار كثيرة تراها بنفسك في كل مكان، في العمل والمنزل والسوق والسيارة والشارع، كل شيء حولك يجب أن يصبح موضوعاً للكتابة، راقب الناس لأنهم أفضل مصدر للأفكار، لاحظ كيف تسير الأمور في أي مكان وكيف يصبح تصميم الأماكن مؤثراً على الناس، كيف تؤثر القوانين والإجراءات على الناس، كيف تؤثر التقاليد والعادات والثقافة على الناس.

تحدث مع الناس، تحدث مع الغرباء الذين تجدهم في أي مكان، الحديث مع الغرباء سهل وبسيط، ابدأ بالسلام وابتسم قليلاً وتكلم معهم عن أي شيء حولك، إن كنت في محل ما فتكلم عن بضاعة المحل، إن كنت في الخارج والجو جميل أو تعيس فتكلم عنه، أحياناً أقول كلمات قليلة لأفتح باباً واسعاً من الكلام مع شخص لن ألتقيه مرة أخرى.

وأنت تنظر بعين الكاتب أو المدون لكل شيء يجب أن تحمل معك أداة لتسجيل الملاحظات، لو كان لدي مطرقة سحرية تدفع بالأفكار في عقول الناس سأستخدمها لضرب هذه الفكرة في عقل كل كاتب يشتكي من نقص الأفكار، ليكن معك قلم ودفتر، أنت مدون إذاً يجب أن تحمل معك في كل مكان قلم ودفتر، إن لم ترغب في ذلك فيمكنك أن تستخدم هاتفك الذكي، حاسوبك اللوحي أو تستعير قلماً من أي غريب وتكتب على أي شيء تراه أو حتى على يدك!

لا تستهن بالأمر، شخصياً أفضل الورق والقلم لأنه أسرع وأبسط ولا يحتاج لشحن بطاريته كل ليلة، مع أنني أحرص على تدوين أفكاري إلا أنني أهمل ذلك بين حين وآخر، وأعني بالإهمال هنا أنني أنتظر حتى أعود من المطبخ إلى غرفتي لكي أدون الفكرة، في الطريق القصير بينهما تضيع الفكرة وتتبخر، أجلس لأحاول تذكر الفكرة فلا أستطيع، فكرة أخرى كان بإمكانها أن تصبح مقالة في جريدة قتلتها بعدم تدوينها.

الأفكار تموت سريعاً خصوصاً تلك الأفكار التي تخطر على عقلك بدون مقدمات، ستطير سريعاً ما لم تمسك بها وتكتبها، اكتب كل فكرة في عقلك، لا يهم إن كانت سخيفة أم لا، لا يهم إن كانت معقولة أو غير معقولة، لا يهم أي شيء حولها، اكتب أولاً ثم احكم عليها لاحقاً.

عندما تكون لديك أفكار وتبدأ في الكتابة عنها ستجد أن مزيداً من الأفكار تزورك فاحرص على تسجيلها، وفي نفس الوقت ابحث في عالم الأفكار عن مزيد منها، إن كنت شخصاً تهتم بموضوع واحد فقط أو هواية واحدة فقط فاخرج عن هذا الإطار الذي وضعت نفسك فيه وابحث واقرأ وشاهد شيئاً لم تفكر به من قبل.

في الشبكة اليوم هناك مصادر كثيرة للمحتويات والأخبار، الكتب متخمة بالأفكار وفيها تنوع عجيب، إن لم يسبق لك مثلاً أن قرأت الروايات فلم لا تفعل ذلك؟ إن لم يسبق لك أن بحثت عن التسلية في كتب مصورة أو كتب الفكاهة أو كتب الفن فلم لا تفعل ذلك؟ إن كنت لا تهتم بشيء فلم لا تجربه؟ كذلك الأمر مع الشبكة، ليكن لديك من الفضول ما يكفي ليدفعك لقراءة ومشاهدة ما لم تعتد عليه وما لا تعرفه أو تألفه.

كلما وسعت أفق أفكارك زاد احتمال أن تجد روابط بين ما تعرفه وما تعلمته من أفكار جديدة، هذه الروابط هي ما يميز الناس عن بعضهم البعض، لأن المرء يفكر بقضايا كثيرة بطريقة مختلفة عن الآخرين، هذه الطريقة هي نتيجة بحث وقراءة ومشاهدة وكتابة، وكلما مارست هذه الأمور زادت خبرتك ومعرفتك وارتفع مستوى تفكيرك وكان لديك رصيد أكبر من الأفكار التي لا تنضب.

اختصار الموضوع كله:
  • أكتب دائماً ولا تتوقف، إن توقفت وطال أمد توقفك ستصل إلى مرحلة قد لا تستطيع فيها العودة للكتابة.
  • سجل أفكارك، افعل ذلك الآن وبأي طريقة.
  • وسع أفقك، اقرأ وشاهد واستمع لكثير من الأشياء التي لا علاقتة لها بتخصصك أو هوايتك أو اهتماماتك.
  • اقرأ، في كل شيء وفي كل مجال واقرأ حتى الأشياء التي لا تفهمها أو توافق عليها.
لا زال في الموضوع بقية.

12 تعليقات:

aboaljod يقول...

اتبع طريقة تدوين الافكار بشكل مستمر وهي طريقة فعالة، لكن المشكلة لدي عندما اقوم بمراجعة الفكرة التي كتبتها بعد فترة قصيرة أرى الفكرة أنها غير جيدة أو أنها غير مفيدة أو جودة كتابتي دون المستوى.

عبدالله المهيري يقول...

@aboaljod: هذه مشكلة الثقة بالنفس، أفكارك لا شك أن هناك من يملك مثلها لكنه سيتحرك لكتابتها بينما تتردد وتراجع نفسك، الثقة بالنفس تكتسبها كذلك بالممارسة، أن تكتب حتى وأنت تظن أنها غير جيدة وغير مفيدة، صدقني ما أكثر المواضيع التي كتبتها وأنا أظن أنها غير مفيدة ولا تصلح للنشر مع ذلك نشرت لأنني إن توقفت حتى أتأكد أن كل شيء صحيح 100% فلن أنشر أي شيء، لذلك اكتب حتى وأنت تشعر بأنها غير جيدة وأن كتاباتك دون المستوى، صدقني كل كتاباتنا بدأت دون المستوى ثم تحسن المستوى بالممارسة.

حازم سويلم يقول...

نصائح هامة وجميلة, الكتابة كفعل لممارسة الكتابة خطوة تقربك كثيرا من الحل..

وائل حسن يقول...

نصائح صعبة و لكنها في غاية الأهمية، بشكلٍ شخصي فإني أقوم بالاحتفاظ بكل ما أكتبه، حتي و إن كان مجرد عنوان يختصر فكرةً طافت ببالي علي حين سهوة و لم يكن بمقدوري التفرغ لكتابتها في وقتها، بل و حتي إن كان تعليقاً صغيراً لي علي تدوينةٍ أو منشورٍ علي الـfacebook ... إلخ !؛ فربما أجد أن هذا التعليق يفتح لي باب الحديث في موضوعٍ أجده هاماً في يومٍ آخر، أو ربما أجد أن بعض التعليقات و الفقرات المكتوبات في أوقات متفرقة تتحدث عن موضوعٍ واحد، فساعتها أقوم بسبكهن في موضوعٍ واحد. بل إنني عدتُ إلي ملخصاتي في أيام الكلية لأبحث فيهن عما يمكن إعادة صياغته و كتابته في مقالاتي العلمية (و وجدت مجموعةً من الأوراق التي كنتُ قد شرحتُ فيها لزملائي نمط البرمجة الكائنية oop في مادة الـjava، فنشرتها كمقالٍ طويلٍ ثم ككتيب).

بشكلٍ شخصيٍ: فليس أيسر عندي من العثور علي الأفكار التي أكتب عنها؛ فالدنيا مليئة بما يمكن أن أكتب عنه، و مسودات مقالاتي اللاتي أحتفظ بهن بلغن حتي الآن ما يزيد علي المئة مسودة، يتنوعن بين ما لا يحتوي إلا علي مجرد العنوان إلي ما يحتوي علي فقرات عديدة، و منهن ما اكتمل و بقي إضافة بعض الرتوش له ليمكن نشره، لكن المشكلة الأكبر التي تواجهني هي التفرغ؛ فما لدي من انشغالات قادر علي التهام كل وقتي، حتي و إن تفرغتُ و لم أتزوج أو أعمل أو أخرج إلي الشارع أصلاً (تقريباً هذه هي حالتي الراهنة، فأنا عاطل عن العمل هذه الأيام و غير اجتماعي).

المشكلة الأخري و الأكثر خطراً هي فقدان الهمة، و التي تتولد عادةً كنتيجةٍ لذلك الشعور السخيف بأنك "تحرث ماءً في بحر"، و هو ما يُراودك حينما تري أن المقالات التي تبذل الجهد و الفكر فيهن لا يقرأهن إلا أقل القليل، و تزداد الأمور سخافةً حينما تجد أن الآخرين لا يُهملون ما تكتبه لانشغالهم بما هو أفضل منه من معالي الأمور، بل إنك تري أن جل حياتهم محصورٌ في سفاسف الأمور ! و إلي الله المُشتكَي.
و الدواء الوحيد الذي أراه لهذه النقطة هو ما صحَّ عن سيدنا "ابن عباس" رضوان الله عليهما: { لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: "إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَ إِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا"، وَ لَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَ إِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا }، و بالتالي علي الإنسان أن يكتب ما يمكن أن يفيد به الناس بغض النظر عن الثقافة السائدة بينهم.

جزاك الله خيراً و نفع بك.

Reem يقول...

أكتب ثم أكتب ثم أكتب
النصيحه التي يتفق عليها جميع الكتاب ..
كنت قد بدأت الكتابة منذ مدة طويلة ، ولكن اعتقادي بأن ما اكتبه سئ ، جعلني اتوقف عنها .
قبل مدة ، قرأت تجربة لأحد الاشخاص افادته جدا ،
نصحته استاذته أن يكتب كل يوم بما لا يقل عن 3 صفحات يوميا وباسترسال، يتحدث فيها عن اي شئ ،
بعد مرور ايام بدأت الاستفادة تأتي ثمارها ،، فـ في منتصف الاوراق تبدأ الافكار المميزة بالصعود
ومع الوقت اصبحت افكاره اكثر تماسكا ..
هذه النصيحه جعلتني اعيد التفكير مرة اخرى في الكتابة بحدود 300-200 كلمة كل يوم ..
استفدت ايضا في تحفيزي على الكتابه من مدونة تكوين http://www.takweeen.com
تجارب ونصايح اثرائية تمت ترجمتها عن كتاب عالميين .. بعض الكتاب ( مملين حقيقة في اجابتهم على الاسئلة المطروحه ) والبعض ( يشعل فتيل الافكار لدي ، واسلوبه متستسل رائع )

شكرا لاضافتك الجميله
سأقتني دفتر صغير وقلم ،، اجده اكثر متعة من استخدام الجوال

متابعة

أيمن عبدالله الحاج يقول...

الله يبارك فيك أ/عبدالله على هذه السلسلة، وجعلها الله في ميزان حسناتك..

حقيقة أفتحت مدونتي قبل مدة طويلة -أكثر من شهرين- لكن للآن أعاني من رهبة البداية، وللأسف طبيعتي هي أنني أريد كل الأشياء بصورة مثالية. قرأت كتب كثيرة عن التدوين الإحترافي وعن قواعد اللغة العربية، لكن مع ذلك لم أبدا فعلاً في التدوين.

لكن بعد قراءتي لهذا المقال قررت ان أبدأ في التدوين فعلياً. جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك:)

عبدالله المهيري يقول...

@حازم السويلم: الأمر ينطبق على كل شيء آخر، الرياضة تقود لمزيد من الرياضة مثلاً، غالباً الأفعال الإيجابية تؤدي لمزيد من الأفعال الإيجابية.

@وائل حسن: ما تتحدث عنه سيكون موضوع الدرس الثالث إن شاء الله، شكراً على الإشارة له لأنه موضوع مهم لم أفكر به من قبل.

@Reem: شكراً للإشارة لمدونة تكوين، الكتابة مهارة كالعضلات، تحتاج تمريناً يومياً ومستمراً بلا انقطاع، ليسأل أحدنا نفسه: هل أنا كاتب؟ إن كانت إجابته نعم فمسؤوليته أن يكتب كل يوم ولو كلمات قليلة في دفتر خاص، الورق والقلم خيار جيد :-) كما أعلم لهما تأثير إيجابي على الدماغ أكثر من الأجهزة الإلكترونية.

@أيمن عبدالله الحاج: قل "الأخ" عبدالله، لست أستاذاً :-)

ما تتحدث عنه سيكون موضوع الدرس الثالث إن شاء الله، سأتكلم عن تجربتي في الأمر لأنني كنت على وشك التوقف عن الكتابة مرات عديدة في الماضي، وإياك بارك الله :-) بالتوفيق.

أيمن عبدالله الحاج يقول...

هذا من تواضعك أخي عبدالله، أتمنى لك دوام التوفيق:)

Ayoubbouchakour يقول...

أستاد عبدالله , عندما أفتح مدونتك أشعر بنوع من الحنين و الراحة كل شيء منظم و مضبوط أشعر أنني برفقة شخص صاحبته لمدة 50 سنة فأعمل دائما بنصائحك رغم بخلي على مدونتي لكنني كلما أقرأ لك أتحمس مرة أخرى شكرا لك و عذرا على خروجي عن الموضوع

مررت من هنا أيوب

غير معرف يقول...

شكرا اخي عبدالله
شخصيا اريد العودة للتدوين و مشكلتي هي نشر تغريدات في تويتر بدل ان ادونها في مدونتي لافكار تستاهل ان تاخذ مساحه اكبر، لذلك بدات افكر في كل تغريده انشرها هل ستكون نافعه لتدوينه كامله ام لا. بدات بتطيق هذا الشي فور قرائتي لتدوينتك هذه :) .

Unknown يقول...

أستاذ عبد الله ، فى الحقيقة أعجبت جدا بكلامك ، وفقط بقراءة كلماتك المحمسة الرائعة وتعليقات المستخدمين أيضا آتتنى أفكار كثيرة جدا ، لكن هناك مشكلة ، فرغم أنى أملك دفترا وقلما أكتب دوما عن أى فكرة ، لكن مشكلتى تكمن فى النسيان .. لمجرد أننى آتتنى الفكرة الآن مثلا .. وأفتح الدفتر وأمسكالقلم .. تطير الفكرة مع أننى أشعر أننى فقدت شيئا ثمينا جدا كان من الممكن أن يصبح موضوعا مهما للكتابة ماذا تقترح ؟ .. وأمر آخر لو سمحت .. هل أكتب فى مدونتى بغرض الكتابة لنفسى أم بغرض الوصول للمتابعين .. ؟ .. وهل ترى أن هناك مواضيع تافهة أم كل شئ يهمنى وأراه جيدا أكتبه .. هل أنا على حق فى اعتقادى بأن مدونتى هى مساحتى الشخصية التى أكتب فيها ما يعبر عنى .. ولست أكتب فقط ما يريد القرآء قراءته ؟؟؟؟ شكرا جزيلا يا أستاذ !

عبدالله المهيري يقول...

@Yousra Gamal: أكتبي لنفسك، كثير من المدونات حول العالم نجحت لأن كتابها يريدون كتابة مواضيع لأنفسهم قبل الآخرين وهذا ما يعطيها شخصية خاصة بها، أما كتابة الأفكار، هذه مشكلة لا أعرف حلها، ربما تسجيل صوتي للفكرة؟ الهواتف الذكية فيها برامج تسجل الأصوات وبإمكانك تسجيل ملاحظات صوتية مباشرة دون الحاجة للكتابة.

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.