الأحد، 28 أكتوبر 2012

في البيوت العربية الدمشقية

جلست مع أمي صباح اليوم وشغلت التلفاز، الجو معتدل ولا حاجة للمكيف ولم أشغل الإنارة فالشمس تكفي، في التلفاز قناة الجزيرة الوثائقية تعرض فيلماً عن البيوت العربية في دمشق، ومع أنني لم أزر سوريا من قبل ولم أرى شيئاً من دمشق إلا صوراً ومقاطع من التلفاز إلا أنني شعرت بالحنين لهذه الأماكن التي لم أزرها، لتلك الحارات الضيقة والبيوت العربية الهادئة التي تستر على أهلها، لزمن جميل مضى، مهما باعدت بيننا المسافات هناك أفكار مشتركة بيننا.

كنت أرى البيوت الجميلة وكثير منها إن لم يكن كلها بيوت قديمة يتوارثها الناس جيل بعد جيل، هناك من حافظ عليها وهناك من لم يستطع وبدأ الإهمال يأكل جدرانها وهناك من يريد المحافظة عليها لكن القانون يقف في وجهه، كنت أرى البيوت وأسأل هل ما زالت موجودة؟ هل المتحدثون في هذه البيوت ما زالوا موجودين؟ هل وصلت يد الحرب والتخريب لهم أم أنهم في أمان؟

لا أكتب عن الحروب والمصائب في بلداننا ليس لعدم اهتمامي بل لأنني أستحي من فعل ذلك، ما قيمة الكلمات؟ يمكن أن أردد "قلوبنا معكم" لكن ما الفائدة؟ حتى يكون قلبي معكم حقاً يجب علي أن أفعل شيئاً ولكن كالعادة يحتار عقلي في ما يجب فعله، لذلك لم أعد أكتب، أقارن حالي بما يحدث وأشعر أن الكلمات مجرد تفريغ بارد لا معنى له.

البرنامج جر ذكريات كثيرة، ظهر شيخ في التلفاز بلحية بيضاء جالس ويتكئ على عصا ويتحدث عن ذكرياته، ذكرني بكبار السن وكيف أنهم لا يختلفون كثيراً عن بعضهم البعض، حديث الذكريات شيء مشترك بينهم ويبدو أنني أشاركهم هذا الحديث حتى وأنا ما زلت شاباً، هناك شيء أفتقده ولم يعد له مكان في مجتمعنا، أن يكون لكلمة "المجتمع" معنى، هذا هو ما أفتقده، أن يعرف الجار جاره، أن يزور الجار جاره، أن يستطيع الجار الاعتماد على جاره في الأمور الكبيرة والصغيرة، وأن يساعد الجار جاره.

أذكر أياماً في دبي وفي منطقة جميرا تحديداً حيث كن نزورها كثيراً، أذكر كيف كان الناس يجتمعون في العصر، الرجال يجتمعون بالقرب من الشاطئ ولهم مجلس مفتوح كبير والنساء لهم مجلس على الرمل الأبيض بين البيوت حيث لا يمكن للسيارات أن تسير، كان البعض يعد القهوة والشاي ويشربونها حول حديث يستمر حتى غروب الشمس، كانوا يفعلون ذلك في الصيف والشتاء ولا فرق بين حر الصيف أو اعتدال جو الشتاء، ملاحظة أرسلها لمن يذكر مشكلة الجو، في بعض الأحيان عليك أن تتعايش مع هذا الجو فهذه بيئتك، يمكنك الاستحمام ويمكنك شرب الماء لتعويض ما تفقد، المكيف ليس الحل الوحيد.

لماذا نكدح؟ ما الهدف من الجري في دائرة لا تنتهي؟ تعليم هدفه الحصول على عمل، عمل هدفه ماذا؟ الراتب لا شك هدف لكن كم نحتاج من هذا الراتب؟ هناك من يحصل على الكثير ومع ذلك لا يكفيه هذا الكثير ويجد صعوبات مالية وأعجب حقاً من أناس لديهم رواتب شهرية تكفي لشراء سيارة جديدة جيدة كل شهر ومع ذلك يجدون مشاكل في إدارة هذا المال وقد تتراكم الديون عليهم، في حين أن بعض الفقراء من أصحاب الرواتب القليلة يجدون بركة في هذا القليل فيكفيهم وأكثر.

مرة أخرى، لماذا نكدح؟ ما قيمة السعي الدائم للحصول على راتب كبير ووظيفة أفضل وترقية بعد ترقية ثم لا يجد المرء وقتاً للجلوس مع أسرته أو التعرف على جاره أو حضور مجلس مفتوح لتبادل الحديث، الأبحاث والأخبار تقول لنا أن المجتمعات الأطول عمراً لا يملكون الكثير لكنها مجتمعات يتعاون فيها الناس ويعملون بأيديهم أكثر من الجلوس في المكاتب ويصنعون لأنفسهم ما يحتاجون ولا يسرفون في المال وطعامهم صحي وأجسامهم صحية والأهم أنهم يعيشون حياتهم ببساطة وبعيداً عن سرعة العالم الاستهلاكي بل قد يصفهم البعض بالكسل لأنهم يستمتعون بحياتهم أكثر من أفراد المجتمع الاستهلاكي الذي يكدح دون توقف.

فكر بالأمر، لو رضي المرء منا بحياة بسيطة قليلة التكلفة فلم سيحتاج لوظيفة براتب عالي تستهلك معظم يومه؟ لعل عمله في تجارة بسيطة سيعود عليه بما يكفيه من الرزق وفوق ذلك قد تكون هذه التجارة البسيطة أكثر فائدة له من الوظيفة لأنه سيكون راضياً أكثر عن نفسه.

مرة أخرى أشعر أنني غير قادر على التعبير عن ما في نفسي فالأفكار كلها تترابط ببعضها البعض، المشكلة أن المجتمع الاستهلاكي يجر الناس ويدفعهم لخيارات محدودة ويظن الناس فيه أن لديهم حرية الاختيار، أن يحاول فرد واحد اختيار طريق آخر غير ما يفرضه عليه المجتمع الاستهلاكي يعني بالضرورة أن يواجه هذا الفرد صعوبات شتى لأنه يسبح عكس التيار، الأمر بحاجة لتعاون مجموعات من الناس لكي يعود المجتمع لما كان عليه أو على الأقل يعيد بعض ما كان عليه، ولن أنسى أن أذكر بأن المدن تحتاج لإعادة تصميم لكي تناسب الناس لا السيارات، جزء كبير من المشكلة يكمن في تصميم المدن.

أتمنى أن أرى بعض بيوت دمشق القديمة وأرى بعض حواريها، أسأل الله أن يعيد الأمن والأمان لبلاد الشام وأهل الشام.

هل يعرف أحدكم طريقة للتطوع في مخيمات اللاجئين؟ بحثت ولم أجد وسيلة، هذا سؤال أتمنى لو أنني أستطيع طرحه في تويتر لأنني قد أجد إجابة هناك.

7 تعليقات:

Toxic يقول...

من اجل التطوع في مخيمات اللاجئين تواصل مع الهلال الاحمر في بلدك.
ما هي مؤهلاتك لتتطوع؟
ما هي المساعدة التي ستقدمها في المخيمات؟
يجب ان تجهز اجاباتك لهذه الاسئلة

عبدالله المهيري يقول...

@Toxic: الهلال الأحمر في بلادنا مشكلة بالنسبة لي، مهما كانت مؤهلاتي فغالباً سيرفضون ولأسباب لا يمكنني الحديث عنها، مع ذلك سأجرب حتى مع معرفتي أن فرصة موافقتهم ضعيفة جداً.

mickey يقول...

"أن يكون لكلمة "المجتمع" معنى، هذا هو ما أفتقده، أن يعرف الجار جاره، أن يزور الجار جاره، أن يستطيع الجار الاعتماد على جاره في الأمور الكبيرة والصغيرة، وأن يساعد الجار جاره."

كلنا هذا الرجل

مدير التحرير يقول...

على الأغلب أن التطوع شيء جميل لكن أغلب الهيئات تبحث عن تبرعات مالية أكثر منها عن متطوعين (بناء على تجربة سابقة)
المشكلة في الراتب القليل لها علاقة رئيسية في المجتمعات العربية، فالمدارس الحكومية في اغلب الدول العربية هي بغاية التعاسة فلا تخرج إلا نصف متعلم في أغلب الأحوال ، و كذلك الحالة في المستشفيات ، كم حالة توفت بسبب الاهمال الطبي و المستوى السيء للأطباء ، بالإضافة إلى الطوفان من الاعلانات الاستهلاكية التي تغذي الشعور بالنقص طوال الوقت

Hussein Alazaat يقول...

لا أريد أن احبطك، لكن نصف بيوت حمص القديمة قصفت واصبحت أثراً بعد عين، بيوت وقصور ومساجد حلب الأثرية تم الاعتداء على الكثير منها.. حتى الجامع الأموي الكبير في حلب تم ضربه وحرقه.. وأسواق حلب التاريخية حرق منها ١٥٠٠ محل من الإرث الحضاري العالمي.
حماة في الثمانينات نالها الكثير أيضا، أحياء كاملة بمبانيها ومتاحفها ومساجدها ذهبت مع الريح.. حتى العديد من النواعير الرومانية لم تسلم من الدمار.

أما دمشق القديمة، أصبح ياسمينها أسود اللون، في انتظار الضربة الكبيرة ماقبل سقوط الطاغية.

يا لخوفي يا أخي عبدالله انني سوف اصطحبك في جولة بمدينتي وأحيائها.. وأقول لك: "كان" هنا قصر القوتلي، و"كانت" هنا المدرسة الجقمقية، ومن هذا السبيل "كان" الدماشقة يشربون مياه عين الفيجة.

اعتذر عن اللهجة التشاؤمية، ولكن الوضع سيء سيء سيء.

والعالم بأجمعه يتفرج "متسلياً" منذ ٤٠ عاماً.

عبدالله المهيري يقول...

@Mickey: لو كنا "كلنا هذا الرجل" فلم لم يتغير شيء؟

@مدير التحرير: فكرة التعليم بحاجة إلى إعادة نظر شاملة، لم يعد من المجدي أن نحصر التعليم بالمدارس أو نجعل توظيف الناس معتمداً على الشهادات التعليمية، كم نخسر من الفرص بألا نفتح المجال ونفتح عقولنا لفكرة أن الناس يمكنهم أن يتعلموا بأنفسهم ويكتسبوا خبرات لا يمكن تعليمها في المدارس.

@Hussein Alazaat: ليس لدي سوى الصمت والدعاء.

hamoud studio يقول...

"لماذا نكدح؟ ما الهدف من الجري في دائرة لا تنتهي؟ تعليم هدفه الحصول على عمل، عمل هدفه ماذا؟ الراتب لا شك هدف لكن كم نحتاج من هذا الراتب؟"

لا أريد إضافة شيء على ما قلته.. لكن هذه الجملة أثرت في كثيراً

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.