الأحد، 17 يوليو 2016

رحلة المطر - ١

في الطائرة ننتظر
في الطائرة أنتظر بدء الرحلة

آخر رحلة للهند كانت قبل أربع سنوات، وكنت أود السفر إلى الهند مرة أخرى لكن في موسم المطر، وأود كذلك أن أنقطع عن الشبكة أياماً وأعني هنا انقطاع تام، بعيداً عن الحاسوب وبعيداً عن هواتف الآخرين، أردت كذلك قراءة الكتب لأنني لا أقرأ بوجود الشبكة والحاسوب، هي رحلة لأهداف مختلفة ومن بينها بناء مسجد أو مسجدين إن استطعت.

لذلك خططت لها قبل ستة أشهر، حجزت التذاكر مبكراً في شهر ديسمبر الماضي ولهذا كانت التذاكر رخيصة ولو اشتريتها قبل موعد السفر بأسبوع لاضطررت لإنفاق آلاف الدراهم فوق سعر التذاكر، ويزعجني أن شركات الطيران ليس لديها نظام مرن، أود السفر في وقت محدد لكن العودة لا أود تحديدها حتى أختار متى أعود في أي وقت يناسبني، لكن يبدو أن شركات الطيران لا تريد تقديم مثل هذه الخاصية التي كانت تقدمها من قبل للمسافرين.

وقت الرحلة سيكون في منتصف رمضان وهو في هذا العام بداية موسم المطر في الهند، كان داوود يتصل كل يوم بأهله ليسأل عن المطر، والخبر أن المطر لا ينزل كثيراً كالمعتاد في هذا الموسم، وفي نفس الوقت كان داوود يعد نفسه للعودة، وأي هندي يعود إلى بلاده يجب أن يستغل هذه الفرصة لحمل أكبر قدر ممكن من الأشياء إلى الهند، هذا شيء رأيته في كل الهنود الذين أعرفهم، بل بعضهم يحمل متاعاً لآخرين، كان داوود يسألني عن وزن حقيبتي قبل أسبوع من السفر وأنا لا أجهز حقيبتي إلا في يوم السفر، لكن لا أحمل الكثير معي، الحقيبة صغيرة وأكثرها ملابس وبعض الكتب، وأعطيت داوود كتباً أخرى ليحملها معه إذ لم تكفي حقيبتي لكل ما أريد قراءته.

اختيار الكتب قبل السفر متعة لا مثيل لها، لا أدري ما الذي يحدث في عقلي عندما أبدأ في اختيار الكتب، يكون معي كوب شاي وهذه علامة أكيدة على أنني أستمتع بما أفعل أكثر من اللازم! ثم أبحث عن الكتب في المكتبة وأختار ما أرى أنه كتاب مناسب للسفر، الكتب التي أقرأها في السفر يجب ألا تكون علمية جافة أو تقنية، حاولت قرائتها في الماضي ولم أفلح، لذلك أفضل الروايات وكتب التاريخ والكتب غير العلمية بشكل عام، وقد اخترت عدد الكتب على أساس أنني سأقرأ واحداً كل يومين، واخترت كتاباً عربياً واحداً لأقرأه في الطائرة، اختياري لكتب إنجليزية أساسه أنني سأترك هذه الكتب هناك ليقرأها آخرون.

على حماسي للسفر؛ هناك جزء مني لا يرغب في السفر بأي شكل، جزء يتمنى أن يحدث شيء في المطار أو الطائرة لكي يعود إلى المنزل المريح، لكن لم يحدث أي شيء، مطار أبوظبي كعادته سريع الإجراءات ووصلنا إلى بوابة الطائرة دون التوقف للتسوق أو أي شيء آخر، ما إن وصلنا إلى هناك حتى ركبنا الحافلة للوصول إلى الطائرة.

شركة الطيران الهندية جيت (Jet Airways) تحاول أن تكون مختلفة عن الشركات الأخرى، وقد جربت شركات طيران هندية أخرى سابقاً ولم يكن السفر معهم تجربة جيدة، لكن مع جيت وجدت مستوى من الخدمة لا يختلف كثيراً عن شركات الطيران المعروفة بخدمتها الجيدة، ولذلك أنوي السفر معهم في أي فرصة ممكنة.

حجزت تذاكر في درجة رجال الأعمال، وأنا أفعل ذلك دائماً الآن لسببين، الأول المساحة المتوفرة والثاني الابتعاد عن الأطفال! والسببين في رأيي يبرران السعر المرتفع للتذاكر، وقد كانت الرحلة هادئة وكان لدي ما يكفي من المساحة لأتحرك براحة، قلتها سابقاً وأكرر: أكره الطائرات، أعلى من اللازم، أسرع من اللازم ومزعجة، لذلك أبحث عن أي وسيلة راحة لكي أقضي وقت الرحلة دون منغصات بقدر الإمكان.

بدأت الطائرة بالتحليق في الساعة الواحدة تقريباً ومدة الرحلة ستكون ثلاث ساعات ونصف، السفر في الليل له ميزتان، الأولى رؤية إضاءة المدن من ارتفاع عال، منظر رائع ولا أمل منه، الثاني إمكانية النوم مع أنني بالكاد أستطيع النوم في الطائرة، لكن معظم الركاب يفعلون، قضيت وقتي أقرأ كتاب من يعرف جنياً يتلبسني، كتاب خفيف ومناسب جداً لمن يسافر، مقالات جمعت في كتاب، وأي كتاب من هذا النوع سيكون مناسباً للسفر.

تناولنا السحور في الطائرة لكن قررت أنني لن أصوم ذلك اليوم، سنهبط في مطار مانغلور صباحاً وأنا لم أشرب الماء، كان يفترض أن نطير مبكراً ونهبط قبل السحور لكن شركة الطيران غيرت وقت الرحلة، لذلك كان هبوطنا في الصباح الباكر في مانغلور، الجو بارد والغيوم تغطي الأرض من تحتنا، بدأ الهبوط واقتحمت الطائرة الغيوم وهي طبقات فوق بعضها البعض، الطيار اضطر للدوران حول عاصفة رعدية وكانت تضيء السماء من بعيد، كلما تجاوزنا طبقة من الغيوم جاءت غيرها، كنت أرى الماء يرسم خطوطاً شفافة على زجاج الطائرة، هذا المنظر كله لا يمكن تفويته، توقفت عن القراءة قبل فترة وألصقت وجهي بالنافذة.


Manglore Airport - مطار مانغلور
خرجنا من الطائرة نسير نحو مطار بنغلور
في مطار مانغلور شبه الخالي كنا الرحلة الثانية التي هبطت ذلك اليوم، المطار هادئ إلا عند مكتب الجوازات واستلام الحقائب، انتهت الإجراءات بسرعة لنخرج ونجد المطر في استقبالنا، وهو ليس مطر كالذي نعرفه في الخليج، بل شيء لا يمكنني وصفه، السماء كانت تهطل كالشلال على كل شيء، كان في استقبالنا ابني داوود أحمد ومحمد، ركبنا السيارة بسرعة لكن كان السماء أعطتني نصيبي من المطر وزيادة.

كنت سعيداً وعلى وجهي ابتسامة عريضة وأنا أرى هذا المطر الذي يحجب الرؤية والسيارة تسير بسرعة كبيرة وكان يقودها محمد بهدوء ويتحدث معي دون أي اكتراث بالجو، الطريق أفضل بكثير مما أتذكره وإن كان يلتف كالأفعى يمنة ويسرة، لكن على الأقل لا حفر إلا القليل، كنت ألتقط مقاطع فيديو لكي أنشرها لاحقاً، لكن هناك أمران علينا فعله قبل كل شيء، الأول البحث عن حمام! وقد وجدنا واحداً تابع لمسجد، الثاني البحث عن مطعم! ووصلنا إلى واحد بعيداً عن الطريق العام في مانغلور وطلبت منهم مسالا دوسا وطلب داوود وجبة وأكلنا في السيارة، لدينا عذر سفر وكنت بحاجة للماء أكثر من الطعام، حقيقة كنت أود إكمال صيامي لكن للأسف توقيت الطائرة لم يكن مناسباً.


Masala Dosa
مسالا دوسا، خبز الأرز مع البطاطا والخضروات في الداخل، من الوجبات الهندية المفضلة لدي
أكملنا الطريق نحو بيت داوود في بلدة بيلتنغادي، لم يكن هناك شيء مختلف في الطريق، الأرض خضراء والأشجار مفعمة بالحياة من المطر ولولا وجود الناس والطرق لكانت كل هذه المنطقة غابات كثيفة، المطر لم يتوقف لحظة، كان يزداد ويقل بين حين وآخر لكن لم يتوقف إلا في الساعة الرابعة عصراً في ذلك اليوم.

عند وصولي كنت متعباً حقاً، مضى ما يقرب من يوم منذ آخر مرة نمت فيها، لذلك طلبت منهم أن أرتاح لكن ألحوا إلا أن آكل شيئاً قبل أن أنام! وهذه مشكلة في الهند أعاني منها في كل مرة أسافر، لا أدري ما الذي يحدث لشهيتي عند السفر، طعامي أقل بكثير مقارنة بما أتناوله في المنزل، أشعر بالشبع بسرعة ويكفيني القليل، لكن هذا لم يمنع أحداً من الإلحاح علي بتناول المزيد.

قبل النوم كنت أفكر "لم أنا أفعل ذلك بنفسي؟" لم أتعب نفسي بالسفر، أريد العودة، أريد أبوظبي وجوها الحار، لن أسافر مرة أخرى ... إلخ، السفر نفسه متعب وأول يوم منه يجعلني أفكر بهذا الأسلوب السلبي، لكن ما إن أنام وأستيقظ لليوم الثاني حتى أجد نفسي نشاطاً، لم كنت أفكر بهذه الأفكار السلبية بالأمس؟ هل أنا مجنون؟! أود أن أبقى هنا حتى آخر يوم من الرحلة.

التعب يؤثر على الإنسان، لذلك أقول لا تقرر شيئاً عندما تكون متعباً وجائعاً، نم قليلاً وتناول الطعام واشرب ما يكفيك من الماء ثم فكر جيداً وقرر، التعب سيؤثر عليك سلبياً.

على أي حال، أطلت الكلام، أراكم في الموضوع اللاحق.

6 تعليقات:

محمد يقول...

أهلاً عبدالله، منذ وقت طويل وأنا أنتظر التقرير الخاص برحلتك للهند في رمضان ..

بالنسبة لي أحب السفر وأحب الطائرات والتواجد فيها، خصوصاً إذا كان ركوبي في درجة الأعمال أو الدرجة الأولى..
الهند أسمع عنها كثيراً لكنني لم أزرها من قبل، وأخطط فعلياً لزيارتها قريباً ..

أشكرك جداً وأنتظر المواضيع اللاحقة لنقرأ بقية التقرير ..

شكراً لك

عبدالله المهيري يقول...

@محمد: لعل تجاربي السابقة مع الطائرات جعلتني لا أحبها، لكن حقيقة درجة رجال الأعمال تجعل الطائرة مريحة ولا أجد سبباً لكراهيتها، إلا أن نمر على مطبات جوية قوية وهذه لا أستطيع تحملها مهما فعلت.

الهند رائعة، إن استطعت أن تحصل على دليل محلي يرافقك ففعل، شخص يمكنك أن تثق به، سفري إلى الهند سيكون مختلفاً جداً لولا وجود داوود، في الغالب لن أسافر إلى الهند بدونه، هناك مناطق سياحية معروفة في الهند وهذه يمكن أن تزورها بسهولة، الدليل المحلي يمكنه أن يدلك لأماكن غير سياحية لكن جميلة.

مدير التحرير يقول...

الحمدلله على السلامة .... الهند من البلاد المحبب زياىتها و استكشافها

Absheba يقول...

صراحة من افضل المدونات انت وشبايك سنوات وانا ابحث عن محتوي ولم اجد افضل منكما لدي طلب قرات لك تدوينة سابقة كتبت انة لديك كتب فايضة عن حاجتك وعرضتها علي قراء المدونة المهم ازا تكرر الامر معك فانا اول الحاجزين لها هل لديك كتب فايضه انا من السودان

Abdulrahman يقول...

وصفك لمشاعر السفر دقيقه و اشعر بانتماء كبير لكثير مما كتب هنا. فكرة السفر من باب الانعزال مع الطبيعه و الاسترخاء بدل ازدحان و نشاط المدن الكبيره هي فكرة بدات تاتي لي كثيرا. اتمنى عملها يوما من الايام في احد دول شرق اسيا كالهند او اندونيسيا او حتى كشمير!

غير معرف يقول...

توثيق لطيف جدا لمثل هذه الرحلة، فبعد الصور جاءت الكلمات لتعزز التصور، تابعت الصور في فليكر والآن مع سردتك للكلمات ووصفك لأحوال الناس صار الموضوع قيماً، أتساءل عن عدم تصويرك في الطائرة؟ أترقب السلسلة الممتعة وبالتوفيق.

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.