كنت أتوقع المشهد قبل الوصول إلى قاعة معرض الكتاب، أسمع أصوات الطلاب من بعيد وأعرف جيداً أنني لن أقضي وقتاً طويلاً في المعرض حتى أخرج مسرعاً فلست من النوع الذي يحب أو يتحمل الزحام والإزعاج، رأيتهم طوابير أمام القاعات وهؤلاء قليل من كثير، في الداخل كانوا يتجولون جماعات وأفراداً وكان من الصعب الحديث مع دور النشر دون الاقتراب كثيراً ورفع الصوت.
أول ما رأيته هناك دار نشر تعرض عملية تغليف الكتب، سبق أن رأيتها قبل يومين عندما ذهبت هناك مع أهلي وللأسف لم أستطع المشي هناك كثيراً لألم في الظهر والرقبة فجلست في الخارج، لو كنت أعلم أن اليوم سيكون مزدحماً لتحملت الألم ومشيت لأرى أكبر قدر ممكن من دور النشر وأتحدث مع البائعين، حقيقة لا يهمني شراء كثير من الكتب هناك لأنها متوفرة في مكتبات مختلفة لدينا وفي الإنترنت، لكن الناس قد لا تراهم إلا مرة واحدة، بعض دور النشر قد لا تشارك مرة أخرى، ودور النشر الأجنبية قد لا ترسل نفس الأشخاص مرة أخرى.
رأيت آلات تغليف الكتب أمامي لأول مرة بعد أن رأيتها مرات عديدة في الشبكة، آلات لخياطة أوراق الكتب وأخرى لوضع أختام على الكتب وأدوات لحفر أغلفة الكتب، هناك فرق بين أن ترى كل هذه الآلات في مقاطع فيديو وأن تراها أمامك، لدي اهتمام بتغليف الكتب وإن لم أمارسه عملياً بل حتى اشتريت عدة لتغليف الكتب، ربما حان الوقت لتجربة العدة لتعلم هذا الفن الجميل.
قبل يومين كنت أتجول بهدوء في المعرض وتوقفت عند دار نشر مصرية صغيرة يجلس فيها رجل كبير السن بادرني بالتحية "أهلاً وسهلاً" وفوراً شعرت بأنه من النوع الذي أريد أن أجلس معه لساعات أسمع منه قصص الماضي، رأيت عنده كتاباً عن التعليم فتصفحته وقام ببطء من كرسيه وذهب نحو زاوية وأخرج كتاباً ووضعه أمامي وكان كتاباً عن التعليم أيضاً ثم ذهب لزاوية أخرى وأخرج كتاباً آخر عن التعليم كذلك، لم يتكلم ولم أتكلم، بعد أن وضعت الكتب في أماكنها بدأت الحديث معه عن التعليم، أخبرته أنني أبحث عن كتب تناقش أساس التعليم وأهدافه وهل فعلاً أنظمة التعليم تحقق أهدافها بل ما هي أهدافها؟
لم يكن لديه كتاب يتحدث عن هذه المواضيع ومن الصعب أن تجد أي كتاب عربي ينتقد أساس التعليم، هناك كتب عن المناهج وتطويرها ورعاية الموهوبين ورفع مستوى المتأخرين دراسياً وعن أساليب المذاكرة وغير ذلك، لكن أليس من الأفضل الآن أن نناقش التعليم من أساسه؟ أن تكون هناك كتب ناقدة للتعليم وأنظمته ومناهجه وأهدافه لكي ترى إن كان هناك أي فائدة من هذا التعليم أم لا.
وافقني الرجل على أن المدرسة كانت مضيعة للوقت لكنه سأل أين سيذهب المدرسون والمدارس إن طبق الجميع أفكاري، لم أجبه في ذلك الوقت لكن الجواب واضح، المدارس لها دورها لكن ليس هو الدور الذي تمارسه الآن بل يمكن للمدارس أن تتحول لأسلوب آخر يركز أكثر على تقديم المهارات وإعداد الطالب لكي يصبح قادراً على تعليم نفسه.
في دار نشر أخرى أحرص على زيارتها في كل معرض وجدت كتاباً على غلافه صورة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، أخذت الكتاب وبدأت في الحديث مع البائع الذي أخبرني أنه يعرف حفيد الشيخ، تحدثنا عن الأوضاع في سوريا وأخبرني أنه سيعود إلى هناك اليوم، هل بإمكانك تخيل الأمر؟ نحن في مكان بارد جميل وحولنا الكتب والقراء وهو سيعود إلى منطقة حرب ودمار خلال بعد أقل من يوم، ما الذي يمكن أن أقوله أو أفعله هنا، لم يكن لدي سوى أن أردد "الله يعينكم" وأفكر في حجم العجز الذي أشعر به، ما الذي أستطيع فعله؟ سؤال أردده على نفسي ولا أجد إجابة وفي كل مرة أشعر بكراهية للنفس تزداد يوماً بعد يوم.
كان الطلاب في كل مكان ولم أعد أشعر برغبة في البقاء هناك، تجولت قليلاً ووصلت لدار نشر أخر واشتريت منهم ثلاث كتب أحدها كتاب قرأته قبل 10 سنوات وأريد إعادة قرائته، ثم خرجت من المعرض وشاهدت منظراً عجيباً هناك في القاعة قبل المعرض، مئات ومئات من الطلاب وطوابير لا تنتهي ولا أعرف لها بداية أو نهاية، وقفت على جانب من القاعة أتأمل فقط عدد الطلاب وأنتظر فرصة للعبور.
مقارنة مع المرة السابقة التي زرت فيها المعرض كان المكان هادئاً جداً وعدد الناس قليل ويمكنك أن تسمع شخصاً يجلس في آخر القاعة إذا ما كح قليلاً، كنت أجلس إلى طاولة صغيرة وأقرأ كتاباً وأنتظر أهلي، أمامي أرى عربة تبيع الحلويات العربية وصحون الكنافة الحمراء، منظر لم أكن أقاومه من قبل لكنني الآن لا أجد أي رغبة في تناول أي شيء من هذا الطعام، الكنافة، ألذ طعام غير صحي على الإطلاق، كثير من السكر والدهون والجبن في طبق واحد، شيء يفترض ألا تأكله إلا مرة كل عام أو عامين!
هناك طاولات في الخارج وضعت كما يبدو للمدخنين، كنت أراهم يجلسون هناك رجالاً ونساء ومنظر الدخان يزداد قبحاً كلما رأيته، كان هؤلاء يجلسون حول بوابة كأنهم في مؤامرة غير مخطط لها للمشاركة بدخانهم مع غير المدخنين، يوزعون الدخان على الداخلين والخارجين، تمنيت وقتها أن يطبق الحل الياباني لمشكلة التدخين، في اليابان كما أعرف يدخنون كثيراً لذلك بعض الشركات والمباني وجدوا الحل أن يجعلوا التدخين متاحاً فقط في مكان كئيب بعيد عن الناس، مرآب سيارات تحت الأرض مثلاً حيث الجدران بلا ألوان والإضاءة تأتي من مصابيح كئيبة، هذا ما يجب أن يحدث لدينا لا أن يجلس أو يقف المدخنون أمام البوابات ليوزعوا دخانهم مجاناً على الجميع.
ربما في العام المقبل تكون مكتبتي أصغر حجماً وتكون لدي رغبة أكبر في شراء الكتب والتجول أكثر في المعرض، ولا بد من الإشارة إلى أن المعرض أقصر من اللازم، يفترض أن يكون 10 أيام بدلاً من 6 فقط.
1 تعليقات:
السلام عليكم اخي عبد الله
هذا ليس تعليق وانما رسالة قصيرة لك
بالنسبة لموضوع سوريا فانا اتواصل الآن مع جهات خيرية لتنفيذ فكرة بيوت رخيصة تستر ألاف اللاجئين داخل المدن المحررة في الشمال وليس تركيا
قرات عن بيوت الرمل المعبأ بالاكياس وعن البناء الرخيص/ هل لديك اي شيء تفيدني فيه لأنك قرات الكثير في هذا الموضوع
ربما لديك اسماء شركات تدرب اول دفعة ثم هم يدربون البقية .. ربما لديك افكار اخرى
ربما بدأنا حملة لتبرع لناء هذه البيوت وتقديري ان البيت يكلف اقل من خمس مائة دولار
ارجو التفاعل من سيادتك ولك الشكر الجزيل سلفا
ايميلي هو :aspirin1981mg@yahoo.com
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.