الأحد، 26 أغسطس 2012

ليش عمي؟!

كان ولا زال الزكام مزعجاً، أردت بعد العيد أن أكتب شيئاً خصوصاً أنني في رمضان كنت أشعر بعدم قدرتي على كتابة شيء وهو ما أشعر به حالياً، كلما أردت أن أكتب كلمات حول أي شيء أسأل نفسي إن كان هناك أي فائدة ثم أتوقف، في الماضي كان الأمر بسيطاً، كنت أكتب حول أمور صغيرة متناسياً أو جاهلاً بأن هذه الصغائر ترتبط بأشياء وأفكار مختلفة، الآن كل ما فكرت في موضوع أجد له ألف رابط لألف قضية، يبدو أن كل شيء مرتبط بالتعليم والاقتصاد والعمل والتقنية ثم الفلسفة والدين ويصبح ما كان بسيطاً موضوعاً معقداً.

أذكر جيداً كيف كنت في مراهقتي أبحث عن إجابات مباشرة وكم كنت أكره كلام الكبار الذي لا يدخل في الموضوع مباشرة، الآن أصبحت كأحد هؤلاء الكبار الذين لا يستطيعون تقديم إجابة مباشرة، يسألني ابن أخي عن شيء فيصعب علي أن أعطيه إجابة قاطعة إلا إن كان يسأل عن أمر بسيط لكن أسئلة الصغار تزداد تعقيداً كلما تقدموا في العمر، ولديهم سلاحهم الفتاك: سؤال "لماذا؟" أو بالأحرى "ليش؟"

يبدأ الأمر بسؤال بسيط مثل "عمي ليش ما عندك سيارة؟" فأجيب بأنني لا أملك رخصة قيادة ولا يمكن للإنسان أن يقود سيارته بدون رخصة، فيطرح السلاح الفتاك "ليش عمي؟" فأشرح لم القانون يفرض رخصة القيادة ولم على الناس تعلم قيادة السيارة قبل الحصول على الرخصة، "ليش عمي؟" فأجيب بجواب قصير بقدر الإمكان فيطرح السؤال مرة أخرى وهكذا يستمر حتى أصل إلى نقطة الانفجار فأقول له بهدوء وبابتسامة مصطنعة أنه سأل كثيراً اليوم ويمكننا أن نكمل الحوار لاحقاً ... "ليش عمي؟!"

بعض المواضيع تحتاج كتباً للحديث عنها، التعليم أفضل مثال على ذلك والتعليم يجر خلفه كل شيء، علاقته بالعمل وما الذي نعنيه بالعمل وما الفرق بينه وبين الوظيفة، علاقته بتكوين مجتمع متقدم منتج، علاقته بسعادة الإنسان وأسلوب حياته، علاقته بالاقتصاد وسوق العمل أو بالأحرى سوق الوظائف، هذا قليل من كثير.

خذ التبسيط كموضوع آخر، مجتمعاتنا تعيش في نمط حياة لا نناقشه بجدية، أقول مجتمعاتنا وأعني بذلك كل مجتمع تقني سواء كان فقيراً أم غنياً، المجتمع التقني يفرض نوعاً من أسلوب الحياة على الناس، فمنذ السنوات الأولى للمرء في هذه المجتمعات يجد نفسه في نظام تعليمي لم يكن له أي حرية في الانضمام له وقد يسير في هذا التعليم لسنوات دون أن يسأل عن فائدة وهدف التعليم، بعد المدرسة هناك الجامعة وبعدها العمل والزواج، المجتمع التقني هو مجتمع استهلاكي غالباً والحياة في المجتمع الاستهلاكي ليست بسيطة وتكلفة الحياة ليست رخيصة، على المرء أن يعمل كثيراً من أجل بيت وسيارة وتكاليف صحية وتكاليف التعليم وغير ذلك.

الخروج من هذا النمط المألوف ليس سهلاً، وأرى أن الخروج عن هذا النمط من الحياة سيكون إجبارياً في يوم ما لأن تكاليف الحياة تزداد والمجتمع التقني يزداد تعقيداً، هناك أناس حالياً يضعون التعليم الجامعي تحت المجهر لأنهم يسألون عن مدى فائدته خصوصاً أن تكاليفه تزداد عاماً بعد عام، هناك أناس يرفضون التعليم الرسمي بأكمله ويفضلون الحياة البسيطة الرخيصة ويعتمدون على أنفسهم مقابل أن يجدوا حرية أكبر في العيش كما يرغبون، هذه الأفكار ستصلنا عاجلاً أم آجلاً وستواجه مجتمعاتنا تضارباً بين ما تريده القوانين وتفرضه على الناس وما يريده الناس لأنفسهم.

مثال: إجبارية التعليم، لو كنت أباً - وقد قلت ذلك سابقاً - فالمدرسة ستكون محرمة على أبنائي، أعلم أن البعض يحمد الله أنني لست متزوجاً لأن فكرة مثل هذه مجنونة ويجب ألا يطرحها أي شخص، لكنني أطرحها وأذكر بأن هناك أناس من بيننا يفعلون ذلك الآن، أرى أن هذا حق للأسر، لكن القانون في كثير من البلدان يقول بأن الأسرة يجب أن ترسل أبنائها للتعليم وهذا إجباري، بعض الدول لم تمارس إجبارية التعليم عملياً لكن مؤخراً رأيت في الأخبار ما يفيد أن التحرك نحو فرض الإجبارية سيحدث قريباً وسيكون هناك بلا شك تضارب بين رغبات من يريدون تعليماً بلا مدرسة لأبنائهم وقوانين تريد أن تجبرهم على إرسال أبنائهم للمدارس.

كيف ستتعامل مجتمعاتنا مع هذا التضارب؟

بدأت هذا الموضوع وأنا أريد الحديث عن شيء ما ويبدو أنني نسيت ما الذي كنت أريد الحديث عنه، على أي حال، سأتوقف عن الكتابة ومتابعة البريد الإلكتروني وكل نشاط آخر مرتبط بالشبكة، الاستثناء الوحيد سيكون فليكر، لا أدري متى سأعود للكتابة، ربما علي أن أقرأ بعض الكتب وألخصها لكي أكتب شيئاً ... أراكم لاحقاً بإذن الله.

3 تعليقات:

غير معرف يقول...

إجبارية التعليم سببت لنا الكثير من المشاكل
يعاني الكثيرون من الطلبة و أنا منهم هذا نفس التجربة
الكثير ممن أعنيهم كان متفوقاً و على مدى سنوات يحصل على تقدير ممتاز و أحياناً يكرم نهاية السنة
هؤلاء يكبرون مع تقدم تلك المراحل فيهمون الحياة بشكل أفضل و يبدأون بعون كل ما حولهم و تكثر اهتماماتهم بأمور أخرى بعد اهتمامهم الشديد بالدراسة نتيجة إملاءات أهلهم عليهم سابقاً
النتيجة يقل مستواهم الدراسي فيلقون الضرب و الإهانات و التنغيص من أهلهم .!
و أكثر من هذا : غنظر لفلان .. ! كم أنت فاشل ...! لا تصلح للدراسة ....! و غيرها الكثير .
هؤلاء يتخبطون في حياتهم الدراسية و يرسبون لا محالة سواء في المدرسة أو الجامعة .

هؤلاء كما ذكرت منهم و أعرف غيري ممن له تجارب مماثلة.

غير معرف يقول...

مشكلتي مع التعليم الإجباري تتلخص في العمل
في المجتمع العربي توضع مهنة الطبيب في المرتبة الأولى لأن دراسته تعتبر - كما يعتقد البعض - أصعب و راتبه أعلى من غيره و تأتي بعدها المهندس.

حقيقة ما يدرسونه ليس صعباً بل يحتاج للمتابعة فالأول يدرس الأحياء و الكيمياء لمعرفة أعضاء أجسام الكائنات الحية أو العناصر الكيميائية للفائدة منها في الأدوية. و الثاني الفيزياء و الرياضيات ...


علة أية حال ، طرحت عدة نقاشات في البيت مع الأهل و الأخوة ، منها : لم لا يتم تقليص الفارق بين جميع الأعمال و الوظائف فتصبح الأجوة متقاربة ؟ مثلاً راتب عامل النظافة لا يفرق كثيراً عن راتب الطبيب و المهندس . و بهذا ينجذب الشباب العاطل للعمل و الاستغناء عن العمالة الأجنبية .
أحد الردود كانت : يجب أن تهتم بالدراسة لتعمل ، لا يوجد فرص عمل . مع أني طرحت حلاً .

أعتذر عن الإطالة فقد خربت المدونة ، لكن خلاصة القول أن الناس منومون مغناطيسياً و لا أعلم ما هو السبيل لإيقاظهم.

غير معرف يقول...

أحد اﻷسباب التي تجعل اﻵباء لا يميليون إلى التعليم في المنزل ويعتمدون إعتماد كلي على المدارس في تعليم أولادهم هي أن الآباء أنفسهم ليس لديهم ثقة في أنفسهم أو في أولادهم أو ربما لا يملكون المعلومات، أو الطُرق التي تعينهم على تعليم آبنائهم، ومنها التقنيات الحديثة والتفكير الحديث في تلقى العلم.
ليس بالضرورة أن يكون اﻷب أو اﻷم يعلم بكل كبيرة وصغيرة يسألها عنه أولاده، لكن عليه أن يعرف كيف يتحصل على تلك المعلومة، كذلك يربي في أولاده الطريقة الصحيحة للإستنتاج أو البحث عن المعرفة بالطرق التقليدية أو الحديثة.

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.