يمكن حل كل شيء بكلمة واحدة، فقرنا مؤامرة، أحوالنا مؤامرة، تعاستنا مؤامرة، تخلفنا مؤامرة، "هم" يعملون ضدنا، "هم" لا يريدون تقدمنا، "هم" يحاولون قتلنا ... هم لا نحن، بمعنى آخر إذا هم تركونا في حالنا سنصبح أغنياء، ستتحسن أحوالنا، سنصبح سعداء، سنصبح في قمة الأمم، عليهم أن يذهبوا ... هم.
ما أتعس هذا التفكير، تعيس من كل النواحي فمن أين أبدأ؟
دعني أفترض أن دولنا العربية لا يوجد فيها الفقر إلا في حده الأدنى، الناس يحصلون على عمل والبطالة نادرة، الكل يجد الحد الأدنى من المعيشة الكريمة، القانون يسري على الجميع وهناك عدالة وإن كان هناك حالات لبعض الظلم فنحن ككل الناس لسنا ملائكة، معظم الناس متعلمون، مدننا نظيفة مريحة وهناك هامش واسع لحرية التعبير، ضع هذا التصور في ذهنك واسأل نفسك: لو كنا كعرب نعيش هذا التصور فهل ستخرج المظاهرات والاحتجاجات؟
ما يحرك الناس ليس الأيادي الخفية بل ما يجدونه من فجوة بين تصورهم للحياة الكريمة والواقع الذي يعيشونه، القول بأن هناك مؤامرة وأيادي خفية هو إهانة للعقل لأن هذا العقل يرضى أن يفكر بشكل سطحي سريع ويوجه أصابع الاتهام نحو هم قبل نحن ويريح نفسه من التفكير، ثم هو إهانة لمن جرح وقتل في هذه المظاهرات، من خرج مطالباً بالعدالة والكرامة والحرية وتحسين مستوى المعيشة فهو يطالب بحق لا يمكن أن يجده من خلال القنوات الرسمية المتاحة، أخبرني كيف سيصل صوت المواطن إلى فئة من الناس تعيش عالماً آخر؟
كيف سيفهم من يعيش في القصر حياة من يعيش في العشوائيات؟ كيف سيفهم من يصله الخبز إلى مائدة الإفطار فكرة الوقوف في طوابير لساعات لانتظار رغيف الخبز، كيف سيفهم من لا يفكر بالمال حال أناس يشغلهم المال وإدارته لقلته ومحاولة الموازنة بين أمور مستحيلة؟
الأيادي الخفية التي حركت المظاهرات ليست سوى أحوالنا ثم ساعدت التقنية في ربط الناس ببعضهم البعض ونقل الصورة والخبر والأفكار والتقنية يد ظاهرة واضحة، ما كان بالأمس يحتاج لأيام ليصل من بلد لآخر أصبح يصل خلال دقائق بل خلال ثواني، إن كانت الحكومات لا تريد المظاهرات فعليها أن تغلق باب التقنية وتصبح ككوريا الشمالية، نظام قمعي شمولي، لكن هذا أصبح صعباً بل مستحيلاً، عندما تأتي التقنية وتستخدم لفترة طويلة يصبح من الصعب التراجع عن استخدامها.
لو أن الحكومات وفرت الحياة الكريمة للناس فلن يكون هناك سبب للتظاهر والاحتجاج، الناس يريدون الحياة الكريمة وسيقارنون أنفسهم بحال الناس في دول أخرى وسيحاولون الهجرة إلى بلدان أخرى، وقد مضت عقود والناس يرون نفس الحكومات ونفس الوجوه ونفس الوعود ونفس النتائج التعيسة ووصل كثير منهم إلى نتيجة أن تغيير الحال يستلزم تغيير الوجوه والأفكار ولذلك كان الاحتجاج، الضغط يولد الانفجار ... هذه بديهية تغيب عن من يردد: مؤامرة وأيادي خفية.
نحن بحاجة ماسة لتعلم التفكير والحوار، يمكن للمدارس ألا تعلم أي شيء سوى التفكير وستقدم لنا تعليماً راقياً لكن لا يمكنني أن أعول على التعليم الرسمي فهو جزء من المشكلة ... لنتعلم كيف نفكر ونتحاور وسنعالج جزء لا بأس به من مشاكلنا.
ما أتعس هذا التفكير، تعيس من كل النواحي فمن أين أبدأ؟
دعني أفترض أن دولنا العربية لا يوجد فيها الفقر إلا في حده الأدنى، الناس يحصلون على عمل والبطالة نادرة، الكل يجد الحد الأدنى من المعيشة الكريمة، القانون يسري على الجميع وهناك عدالة وإن كان هناك حالات لبعض الظلم فنحن ككل الناس لسنا ملائكة، معظم الناس متعلمون، مدننا نظيفة مريحة وهناك هامش واسع لحرية التعبير، ضع هذا التصور في ذهنك واسأل نفسك: لو كنا كعرب نعيش هذا التصور فهل ستخرج المظاهرات والاحتجاجات؟
ما يحرك الناس ليس الأيادي الخفية بل ما يجدونه من فجوة بين تصورهم للحياة الكريمة والواقع الذي يعيشونه، القول بأن هناك مؤامرة وأيادي خفية هو إهانة للعقل لأن هذا العقل يرضى أن يفكر بشكل سطحي سريع ويوجه أصابع الاتهام نحو هم قبل نحن ويريح نفسه من التفكير، ثم هو إهانة لمن جرح وقتل في هذه المظاهرات، من خرج مطالباً بالعدالة والكرامة والحرية وتحسين مستوى المعيشة فهو يطالب بحق لا يمكن أن يجده من خلال القنوات الرسمية المتاحة، أخبرني كيف سيصل صوت المواطن إلى فئة من الناس تعيش عالماً آخر؟
كيف سيفهم من يعيش في القصر حياة من يعيش في العشوائيات؟ كيف سيفهم من يصله الخبز إلى مائدة الإفطار فكرة الوقوف في طوابير لساعات لانتظار رغيف الخبز، كيف سيفهم من لا يفكر بالمال حال أناس يشغلهم المال وإدارته لقلته ومحاولة الموازنة بين أمور مستحيلة؟
الأيادي الخفية التي حركت المظاهرات ليست سوى أحوالنا ثم ساعدت التقنية في ربط الناس ببعضهم البعض ونقل الصورة والخبر والأفكار والتقنية يد ظاهرة واضحة، ما كان بالأمس يحتاج لأيام ليصل من بلد لآخر أصبح يصل خلال دقائق بل خلال ثواني، إن كانت الحكومات لا تريد المظاهرات فعليها أن تغلق باب التقنية وتصبح ككوريا الشمالية، نظام قمعي شمولي، لكن هذا أصبح صعباً بل مستحيلاً، عندما تأتي التقنية وتستخدم لفترة طويلة يصبح من الصعب التراجع عن استخدامها.
لو أن الحكومات وفرت الحياة الكريمة للناس فلن يكون هناك سبب للتظاهر والاحتجاج، الناس يريدون الحياة الكريمة وسيقارنون أنفسهم بحال الناس في دول أخرى وسيحاولون الهجرة إلى بلدان أخرى، وقد مضت عقود والناس يرون نفس الحكومات ونفس الوجوه ونفس الوعود ونفس النتائج التعيسة ووصل كثير منهم إلى نتيجة أن تغيير الحال يستلزم تغيير الوجوه والأفكار ولذلك كان الاحتجاج، الضغط يولد الانفجار ... هذه بديهية تغيب عن من يردد: مؤامرة وأيادي خفية.
نحن بحاجة ماسة لتعلم التفكير والحوار، يمكن للمدارس ألا تعلم أي شيء سوى التفكير وستقدم لنا تعليماً راقياً لكن لا يمكنني أن أعول على التعليم الرسمي فهو جزء من المشكلة ... لنتعلم كيف نفكر ونتحاور وسنعالج جزء لا بأس به من مشاكلنا.
10 تعليقات:
أتفق معك في كثير مما قلته خصوصاً إن الحكومات التي سقطت كانت من أشد حلفاء الولايات المتحدة و الغرب ، لكن هذا لا يمنع استغلال بعض الناس هذه الأحداث لتحقيق مصالح لجهات خارجية أو إشعال الفتنة في بلدان آمنة مطمئنة .
فعلا أخي الكريم، ما طرحته هو عين الحقيقة والصواب، ولكن صدقني حتى مستعملي مصطلح الايادي الخفية يعرفون هذه الحقيقة ومع ذلك يصرون عليها، والكل يعرف خطأ نظرية المؤامرة ولكنها تعطيهم الاحساس بصدق مسعاهم، الايادي الخفية استعملها زين العابدين بن علي ليبرر أنه يحارب القاعدة وهوفي الحقيقة يحارب شعبا أعزلا، استعملها مبارك متهما الاخوان ليبقى أطول مدة ممكنة، أخيرا استعملها القذافي لتبرير قتل الالاف وربط سقوطه بسيطرة القاعدة على ليبيا بل زاد الطين بلة بأنه أوجد أناسا بسطاء عاديين من تونس ومصر ليكونون حطب حربه تلك، وكانت النتيجة أنه خلق حربا أخرى ضد آلاف المصريين والتونسيين البسطاء ذنبهم الوحيد أنهم كانوا موجودين في ليبيا عندما بدأ يستعرض جنونه، و أحتار في ادمغة هؤلاء، سواء الحاكم او الذي ينفذ أمره، الحاكم الذي يضع الالاف في فوهة المدفع ظلما من أجل الكرسي، وبيدق الحاكم الذي ينفذ وهو يعرف أن الحاكم يكذب في كل ما يقوله.
والغريب أن اصحاب المصالح في اروبا يرددون نفس مقولة كذبة الايادي الخفية صائحين: هل يساعدكم وجود امارة اسلامية على حدود اروبا؟، النتيجة التي أراها أن المصالح هي التي حددت معنى وتوقيت استعمال الايادي الخفية كمصطلح كاذب لتسويق وتبرير القتل والارهاب، والمحصلة النهائية أن الله أقوى منهم وارادته الحكيمة سوف تحوي الكل، فلولا الله ما كانت ازاحة بن علي ممكنة والكل كان يراها مستحيلة، شكرا لك يا طيب، فموضوعك رائع.
بدل أن نموت و يحيا الوطن، سنحيا و يحيا الوطن
بالفعل
من حرك الشارع العربي الظروف الصعبة
بالحقيقة لا أظن أنها مخطط لها من أمريكا وغيرها
ربما من خطط هم الحكام دون ان يشعرو بأن طمعهم وظلمهم سيكون ضدهم في يوم ؟
أصبت أخي عبدالله..هذا ما يحتاج أن تعرفه الحكومات:
"لو أن الحكومات وفرت الحياة الكريمة للناس فلن يكون هناك سبب للتظاهر والاحتجاج.."
بارك الله فيك وفي تفكيرك..
العجيب أن من يتهم أمريكا هم في الغالب حلفاء أمريكا.
أشكرك عبدالله على طرح الموضوع.
الحكومات العربية، التونسية، المصرية، الليبية، ثلاثتها كانت تعلم بأنه لا أيدي خارجية، ولا أغراض خبيثة، ولا أهداف ثورية، ولا اي شيء من هذا كان سببا في انطلاقة الثورات، تونس على سبيل المثال، قدر الله أن يقوم هذا الرجل الفقير أن يحرق نفسه تعبيرا عن سخطه على النظام التونسي، فكانت الثورة، حيث شعر كل تونسي بأنه يستطيع أن يضحي بنفسه لتغيير الواقع.
كذلك في مصر، كانت وقفة اعتصام بسيطة، واعتقد لو أن الحكومة لم تتصدى لها بتلك الوحشية لما حدثت كل هذه الإصلاحات الجذرية في النظام المصري.
أقوى ثورة انطلقت بنسبة ضخمة مقارنة بعدد السكان حسب حساب اليوم الأول كانت في البحرين، حماقة النظام التونسي والليبي والمصري في استفزاز المتظاهرين كسرت ظهر تلك الأنظمة، أما في البحرين فقد رأينا ولي عهد البحرين يقول "خلونا نتفاهم" وكان يتكلم بدون أن يوجه الاتهامات المعتادة (أجندة خارجية، مصالح شخصية، مصالح فئوية، مصالح حزبية) بل لم يتطرق إلى الموضوع الطائفي، وإن حذر من الانجرار وراءه، فهدئت أوضاح البحرين، مع رفضنا التام لاستهداف المتظاهرين بالسقوة التي وقعت أول ثلاثة أيام.
يجب أن تتعامل هذه الأنظمة مع شعوبها باحترام إذا أرادت أن تستمر في قوتها، لذلك ستجد أن الدول التي تتعامل بمزيد احترام مع شعوبها هي أبعد الدول عن مثل تلك المظاهرات، كقطر والإمارات والكويت.
وأكرر كلام حلم:
الذي حرك الشارع العربي هي الظرف الصعبة، لكن أضيف له أمر آخر، احترام الذات، الشعب العربي شعب فيه نخوة ورجولة والعربي يفضل الموت على أن يُهان او يمس شرفه، لكن خلال العقود المتعاقبة تنازل تدريجيا عن كرامته، الآن بدأ الوضع يختلف، لن يرضى شعب أن يسترضيه سادته بقليل من متاع الدنيا من راتب جيد و خدمات مميزة إذا لم يصحبها احترام لوجهة نظر المواطن واحترام حريته وعدم مسها وأن يكون له حق في المشاركة في بناء القرار السياسي.
هناك مشكلة في العقل الخليجي وهو تركزه حول المال وان الحالة الاقتصادية لو كانت جيدة لما كانت هناك ثورة
وهذا خاطئ
لأن ثورتنا المصرية اصلاً لم يكن فيها مطلب واحد اقتصادي بل كل مطالبنا سياسة
ومن خرجوا للتظاهر ليسوا الطبقة المعدمة بل الطبقة الوسطي وستجد ان الكثير من الشهداء مهندسين واطباء ولايعانوا من اي مشاكل اقتصادية
@عبد الرحمن: قد يستغل البعض الأحداث، ما يزعجني هو تأكيد البعض أن هذه الأحداث ما هي إلا تخريب متعمد من قبل جهات خارجية وداخلية.
@المهدي: الحكام قضيتهم مختلفة وأجزم أن بعضهم يعيش وهماً ولم يدرك الواقع، المشكلة في بعض عامة الناس عندما لا يفكرون قليلاً ويتسرعون في إطلاق الأحكام.
@حلم: قصص الحكام تكررت في الماضي ونراها تتكرر اليوم، لو كانوا حكماء لتعلموا من حكمة الماضي.
@غير معرف: مشكلتي أنني لا أفهم لم تصر بعض الحكومات على العبث والفساد وإفقار الشعب في حين أنهم يمكنهم أن يعطوا الشعب حقه ويبقوا حكاماً.
@غير معرف: الوعي يزداد تدريجياً ويتسارع بتسارع التقنية وجاءت أحداث بدأت هذه المظاهرات، الناس اطلاعهم يزداد وثقافتهم تتسع ومن الطبيعي أن تتغير أفكارهم وأفعالهم، هذا ما لم تحسب له بعض الحكومات.
@غير معرف: مشكلتك أنك اخترت ما يوافق لديك حكماً مسبقاً وتجاهلت كلمات في الموضوع مثل: الحياة الكريمة، العدالة، الحرية، الكرامة.
مشكلة العقل الخليجي؟ هكذا؟ كل الخليج لديهم هذه المشكلة؟ هذه مشكلة في أسلوب التفكير، التعميم خطأ في التفكير.
نقطة أخيرة: الاقتصاد محرك أساسي للمظاهرات حتى لو لم ترفع لافتة واحدة تذكر شيئاً عن الاقتصاد، الظلم الاقتصادي وتفاوت مستوى المعيشة سبب للغضب والتظاهر فلا داعي لإنكاره.
بالعكس أخي عبدالله، أوافقك تماما فيما يخص الحياة الكريمة والعدالة والحرية والكرامة، فجميعها أضعها تحت بند احترام الذات، من يحترم ذاته لن يقبل بغير الحياة الكريمة، لن يقبل بغير العدالة، لن يقبل بغير الحرية والكرامة، لذلك أبدا لا أخالفك في أي من كلامك، لكني فقط أردت أن أضع نقطة "احترام الذات" في مقابل النظرة الاقتصادية الضيقة للموضوع.
أتمنى عبدالله لو تتحدث عن قضية التعامل مع الشعوب العربية وكأنها في المرحلة الابتدائية، بحيث يرون أنها لا تستحق أن تمارس الديموقراطية، وهذه حجتهم، بينما الغوغاء الذين قادوا الثورة الفرنسية هم الذين بنوا الديموقراطية لبلادهم، كذلك رومانيا حينما أسقطت الدكتاتور شواشيسكو كانت الشعب الروماني أقل وعيا من الشعوب الخليجية، اقل فهما في السياسة، لكن الديموقراطية نفعته كثيرا ولم تتحول إلى ديموقراطية مشوهة.
تدوينة رائعة .. بالفعل الإقتصاد عامل أساسي وذلك لعدم وجود عدالة إجتماعية فتجد ناس ثروتهم بعشرات المليارات كما في مصر وناس يعيشون على أقل من دولار يومياً !! وأيضا المرتبات الغير متكافئة منطقياً فتجد أن رئيس بنك يتقاضى أكثر من مليون جنية في الشهر دون مبالغة والموطفين يتقاضى كل منهم ما بين 2 ألفين إلى 3 ألف جنية .. وعندما يطالبون بزيادة مرتبهم تجدهم يقمعون من أجهزة الأمن ومن مديرهم بحجة إثارة الفوضى وأن ليس لديهم مال كافي لزيادة المرتبات .. بينما المدير يتقاضي الملايين كل عام ..
لابد من وجود سياسة الحد الأدنى من الأجور والحد الأعلى يعني مثلاً في مصر يريدون وضع حد أدني 1200 جنية .. وحد أعلى 30000 ألف جنية وللعلم إذا تم تطبيق هذا الأمر في مصر سيكون هناك فائض من الميزانية المخصصة للمرتبات !! معنى هذا الكلام أن هناك ناس كُثر يتقاضون أكثر من 30 ألف جنية بكثير ..!!
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.