الأحد، 27 ديسمبر 2009

منازل وضرائب وأحمق غاضب

بين حين وآخر أبحث وأقرأ عن المنازل حول العالم وفي كل مرة يزداد تحسري، لماذا لا يستطيع المرء في بلادنا أن يمتلك بيتاً بسهولة؟ لماذا يجب أن يكلف بناء بيت ما كثيراً من المال؟ أتحدث عن ملايين الدراهم التي هي في نظر الأغنياء مجرد "خردة" وفي نظر أغلبية الناس مبلغ كبير يحتاج لوقت طويل من التفكير قبل إنفاقه ومعظم الناس لا يملكونه وهذا يعني قرض يسدد خلال 10 أو 20 عاماً، لا أستطيع تخيل نفسي مربوطاً بدين لأسبوع واحد فكيف بعدة سنوات؟

ما يغضبني حقاً وما يثير حنقي ورغبتي أن ألكم أحدهم على أنفه هو تقبل البعض للواقع كما هو دون أي مسائلة، دون أن يطرح أحدهم سؤالاً بسيطاً "لماذا؟" دون أن يحاول أحدهم أن يفكر بطرق تسمح للناس بتقليل تكلفة البناء، البعض يقبل الواقع كما هو ولا يفكر - مجرد تفكير - في أن هذا الواقع يمكن تغييره، لا أطالب بأي حركة أو مبادرة، لا أطالب بأي شيء سوى أن يفكر الإنسان منا بهذا الواقع ويحاول معرفة أسباب وصولنا لهذا الحال.

الأخ عصام الزامل كتب مقالة عن قانون ضريبة إمتلاك وتجارة الأراضي كحل لارتفاع أسعار الأراضي في السعودية، وأظن أن قانوناً مثل هذا يصلح لبقية الدول الإسلامية، لا بد من وجود حزمة قوانين تطبق على الأفراد كلهم والشركات تمنع مالكي الأراضي من احتكار الأراضي بدون تقديم شيء في المقابل، تمنع امتلاك شخص ما لأرض دون استغلالها لفترات طويلة.

ثم لا بد من قوانين وإجراءات تجبر السوق على تخفيض تكاليف البناء ولن يقنعني أحد أن تكاليف البناء عالية أصلاً في كل مكان لأن بناء بيت في إحدى الإمارات سيكلف صاحبه نصف المبلغ الذي سيضطر لدفعه لو بناه في إمارة أخرى وهذا يعني أن هناك عوامل كثيرة تتدخل لرفع أسعار البناء، وهذه العوامل ليست إهرامات راسخة بل أوهام ثابتة لدى البعض أو أوهام يريد البعض أن نبقى مقتنعين بها.

لدي قناعة أن أسعار البناء وكل شيء متعلق بالأراضي يمكن مراجعته ووضع حلول له لتخفيض التكاليف إلى حد يمكن للمواطن أن يشتري ويبني أرضاً دون أي تدخل أو مساعدة من الحكومة، وهذا يتطلب إعادة التفكير في كثير من المسلمات التي يؤمن بها البعض، سواء كان هؤلاء "البعض" أناساً يبحثون عن بيوت أم مسؤولين بيدهم قرارات التغيير.

***

من ناحية أخرى وفي موضوع آخر تماماً، أتعامل مع البريد كثيراً هذه الأيام فأنا أنتظر وصول رسائل أو كتب، في يوم ما وصلتني كتب وذهبت إلى المكتب الرئيسي للبريد حيث وصلني صندوق من الكتب، دفعت درهمين لكي أستلم الصندوق لكن العامل أزاحه إلى جانب وطلب مني أن أنتظر، جاء عامل آخر وأخذ مشرطاً وقطع اللاصق وفتح الصندوق، أنا أشاهد بعيني كيف تمارس الرقابة على الكتب، الرجل يؤدي وظيفته ولا ألومه لكن الرقابة نفسها تغضبني وموقفي منها واضح، أخرج أحد الكتب وقال "هذا كتاب طبخ" ولم يكن كتاب طبخ شاهد غلاف كتاب ثاني ولم يقل شيئاً ولم يشاهد بقية الكتب، أعاد الكتاب وأغلق الصندوق ووضع لاصقاً يشير إلى أن الصندوق قد فتح للرقابة.

أهذا كل شيء؟ ما شاهدته ليس رقابة بل "لعب عيال" وخطوة غير ضرورية ومضيعة للوقت ولأعصابي، الغضب في هذه المواقف حماقة خصوصاً أنني لا أستطيع كبح لساني عن الحديث، ولم يحدث من قبل أن رفعت صوتي أو أسأت لأي شخص لكنني أقول ما يفترض أن أحتفظ به لنفسي، فمثلاً أتذكر قولي لموظفين في مكتب للرقابة على الكتب "من المفترض ألا تكون هناك أي رقابة على الكتب" وهذا يعني أنني أقول لهم "وظيفتكم ليس لها فائدة ويجب أن تلغى" لكنني لم أفكر بهذا المعنى عندما قلت كلامي.

إن كانت هذه صورة الرقابة على الكتب والمجلات التي تأتينا من الخارج فليس لدي شك أن هناك مواد دخلت البلاد ومن المفترض ألا تدخل، ومن يرى أن الرقابة يجب أن تشدد على المواد المخلة بالأدب فعليه أن يقول شيئاً على الأقل، الرقابة بصورتها الحالية لا ترضي أحداً.

اليوم كنت في مكتب البريد لاستلام طرد وتبين أن علي دفع ضريبة، هذا أمر جديد علي ولم أكن أعرف وجود مثل هذه الضريبة، منذ متى فرضت هذه الضريبة علينا؟ على أي حال ليس لدي خيار سوى الدفع فطلب الرجل مني رقم سماه "الإمبورت" أو رقم الاستيراد فأخبرته أنني لا أعرف ماذا يعني، أخبرني أنه سيعطيني رقماً جديداً وعلي أن أدفع 50 درهماً لهذا الرقم، بمعنى آخر لكي أدفع علي أولاً أن أدفع! فقلت بصوت عالي "مثل المنشار! في الطالع ياكل وفي النازل ياكل" لكن الرجل يبدو أنه تعود على سماع هذا الكلام فلم يلتفت لكلامي.

لعشر دقائق كان الرجل يحاول أن يدخل بياناتي في الحاسوب لكن "السيستيم" لا يعمل جيداً لذلك أعطاني الطرد بدون أي دفع، أنا محظوظ بذلك لكنني خرجت متضايقاً، عندما فتح الطرد ليرى محتوياته تمنيت لو أنه فعل ذلك بأسلوب يحترم خصوصيتي لا أن يعرض الطرد أمام الجميع، عندما كان يحاول أن ينجز معاملة الضريبة كان أشخاص آخرون ينتظرون دورهم ليحصلوا على طرود لهم، فكانت تفتح أمام الجميع، في هذه اللحظات كنت أبتعد عن الطاولة لمسافة كافية لكي لا أرى ما تحويه طرود الآخرين، أظن أنه من حقهم ألا يعرف أي شخص محتويات الطرود التي سيستلمونها إلا المفتش من الجمارك، لكن أسلوب التعامل هناك يجعلني أشعر أننا في سوق السمك، يمكن لأي شخص أن يرى كل شيء.

هذا ما لدي الآن، مجرد شكاوي لا فائدة منها، كلما مرت الأيام شعرت بأنني أتحول بسرعة إلى رجل عجوز مزعج كثير الشكوى.

17 تعليقات:

ديلمي محمد ياسين يقول...

لا ,لم تتحول الى رجل عجوز مزعج كثير الشكوى.
لو كنت مكانك لفقدت اعصابي وانا ابن 15 ربيعا, فعندما يتحول مكتب البريد الى سوق سمك حيث يعرف الجميع محتوى طردك ,لا شك ان ينتابك الغضب وتبدا بالتذمر فانتهاك الخصوصية اعتبرها جنحة كونها تعني لي بطريقة ما ان ذلك الشخص لايحترمني.
ربما هذا اول تعليق لي في مدوناتك الشخصية منها او المتخصصة و انا اتابعك من زمان, ثم اريد ان اقول لك تذمرك في محله وهو يصنع في داخلي الرغبة في الغيير لو كنت صاحب القرار.
حفظك الله يا جد ههههههه(اتسمح لي بمناداتك يا جد لانك نسخة طبق الاصل عن جدي وتذكرني بجدي بطريقة ما)
والسلام على المرسلين .

R-H-S يقول...

بتعاني من المشاكل دي في السعوديه اما لو جيت مصر هتعمل ايه
مفيش داعى افضح الدنيا بس بالنسبه للطرود كان جالي اسطوانه من شركه ميكروسوفت كانت مغلفه بشكل جميل لقيت التغليفه دي مقطوعه بطريقه غير اداميه زي مايكون في حيوان قاطعها وفوق كل دا دفعونى 6 جنيه ممكن يكونوا شويه بس اشمعني يعني وغير كدا ليه الرقابه يعني الغلاف مكتوب عليه من برا ان دا تبع شركه كذا مش هتكون حاجات ممنوعه يعني

تحياتي لك

غير معرف يقول...

اعرف مواطن اشترى مزرعه و كرفان و فك راسه من الإيجارات و البناء و هو الأن في السنه الرابعه وهو مرتاح في الكرفان!

al7yatumadrasati.wordpress.com

محمد المحارب يقول...

أي نوع من الكتب تقصد؟ تلك التي تريد إزالة الرقابة عنها

عبدالله المهيري يقول...

@dilmi: ربما يكون للتذمر فائدة، من يدري، لكننا بحاجة لعمل أكثر تذمر أقل.

@عاوز أصحى: ربما المبدأ في الرقابة هو الشك بكل شيء وكل مواطن.

@غير معرف: الله يسعده، بحسب ما أعرف يمكن بناء بيت صغير من طابق واحد في المزارع، أتمنى لو فتحوا المجال أكثر من ذلك لرأيت الناس يستغلون مزارعهم أكثر ومن يدري لعلهم يعملون في مزارعهم.

@M.A.H: الرقابة الحالية في الإمارات لا تبدو لي جادة فعلاً وهي الآن أقرب ما تكون لإجراءات روتينية عقيمة تؤخر طباعة ونشر الكتب، لذلك رأيي أن تلغى الرقابة بشكلها الحالي على جميع الكتب وليكن السوق هو الرقيب أو لتفعل وتطور لتكون سريعة في السماح للكتب العادية - وهي معظم الكتب - بدخول السوق وطباعتها ونشرها وتكون فعالة في منع ما لا يرغب المجتمع به.

TotaLenne يقول...

كانت لي أيام طويله هاهنا لـ المرور والتفقد وآخيرا تغيرت المقدمه بموضوعك الجديد.

مازلت افكر حقيقة كيف تكون لدي معرفة في البناء والاعمار والاصلاح والادوات في عملية الاعمار حتى لااصرف مبالغ لا طائل منها الا أنها سرقةبحق عندما انظر حولي اجد الكثير لا يعرف اسهل الامور وهذا محبط وهو مجعل غلاء الادوات والاراضي الخالية ذو اسعار عالية جدا لدينا في مدينة جدةغلاء غير طبيعي للمناطق على حسب نوع المنطقة والان بعد الازمة التي لحقت البنيه التحتية اصبح العديد متضرر وجدا . ولا احد يمتلك ابسط مهاره لـ اصلاح بيته .

الرقابـة - ولد مشوهه في نظمنا العربية وماتصدره الساحة عربيا منه الاسواء ع الاطلاق والكتب المفيدة علميا او ادبيا عليها وضع الشمع الاحمر .

BilalRt يقول...

استمر بالشكوى فكلنا نعاني، وعلى الأقل يوجد أحدٌ يتكلم، ولا تنس أن من "كتم دآءه قتله".

اقصوصه يقول...

اممم

اول شي لفت نظري جدا اسلوبك في الطرح

ما شالله مميز جدا وسلس..اهنيك عليه

موضوع امتلاك بيت هذا يؤرق كل الناس

اكيد في حلول بس ايد وحده ما تصفق

اعذني لاعتيادي على العاميه :)

ناصر يقول...

لا أعلم لم علي أن أقول هذا!
ولكني أعتقد أن مشاهدة فيلم "Amelie" الفرنسي يمكن أن يلهمك بعض الحلول.

محمد سعد القويري يقول...

تحية عطرة
ثم أعتذر عن تطفلي ..
دعوة عامة لمشاركتنا مشروع مقروءاتي ..
على قويريات
http://www.qwiriat.com/2009/12/1430.html
ودمتم سالمين

عبدالله المهيري يقول...

@T o t a l e n n e: الاعتماد على الذات سيقلل التكاليف ولا شك، مسئلة اكتساب مهارات يدوية مختلفة بحاجة لتشجيع ولأن تكون مبادرة إيجابية.

@BilalRt: لا بد من الكلام بين حين وآخر، والكتمان في بعض الأحيان خيار أفضل، خصوصاً مع تكرار المواضيع.

@أقصوصة: أشكرك، أتمنى لو أنني أستطيع امتلاك منزل، لا أريد شيئاً كبيراً بل شيء يكفيني وهذا يعني بيت صغير، لا مكان لمن يفكر بأسلوبي، الخيارات المتوفرة كلها غالية لدرجة تجعل الأحلام مضيعة للوقت.

@ناصر: أقرأ قصة الفيلم في ويكيبيديا، هل تقصد الأشياء الصغيرة التي قد تسعد الناس؟ إن كان هذا ما تعنيه فهذا ما أحاول فعله كل يوم.

العلم نور يقول...

قريبا جدا ستزول كل هذه البلاوي بإذن الواحد القهار في كل الدنيا الفانية.

غير معرف يقول...

سبب ارتفاع تكاليف البناء هو بكل بساطة الطمع والغش، قبل 3 سنوات أراد والدي بناء منزلين وكان أقل سعر في المناقصة هو 2.2 مليون درهم، فقرر إنشاء شركة لبناء المنزلين واستطاع إنهاء المشروع بنصف المبلغ شاملة تكاليف إنشاء الشركة وحالات الغش التي وقع فيها.
حتّى مع الحذر لم يسلم من الغش، فالكل يترقب أي سهوة منك حتى يغشوك، من المقاول حتى النجار والبنّاء.

تامر يقول...

لقد مررت على الجرح اخى الكريم، لدينا فى مصر اكبر مصادر الاسمنت و مواد البناء و خامات الحديد الموجودة بصورة طبيعية و الاكثر من ذلك لدينا مصانع الحديد و الصلب و عدد هائل من شركات المقالاوت ( انظر لكم الكبارى الموجودة فى بلادنا و ستعرف ذلك )، اى ان لدينا مواردنا المحلية كما يوجد لدينا صناعة قائمة و قوية جدا لتشغيل تلك الموارد، و رغم ذلك انظر لارتفاع اسعار الحديد و مواد البناء و التى تصب فى نتيجتها النهائية فى اسعار المنازل و البيوت.

اخى الكريم عبد الله المهيرى، اى وضع خطأ او فاسد يجب ان يكون هناك مستفيدون يقفون وراؤه و يحمونه ايضا، و طالما انك تتكلم عن الاسعار، فيجب ان تلقى نظرة على شركات البناء فى البورصات العربية، و كيف جعلت البورصة هى المتحكم لصالح تلك الشركات و من يقفون خلفها و ذلك على حساب طبقة المجموع... أسأل الله ان يرحمنا... وافر تحياتى

ناصر يقول...

بالإضافة إلى التفاصيل الصغيرة، بطلة الفيلم كانت تحاول مساعدة الآخرين للتغلب على مشاكلهم و لكن بطريقتها الخاصة. طريقة تفكيرها بحد ذاته ابداع :)

مدون يقول...

تكلفة البناء في السعودية (ولا اعلم ان كان الوضع بالسعودية مشابه لنظيره بالامارات) هي من اقل التكاليف مقارنة بكثير من دول العالم
في امريكا على سبيل المثال منزل يحوي 3 غرف نوم وصالة ومجلس يكلف 1 مليون دولار في ولايات كنيوجرزي وكاليفورنيا وواشنطن (وقد تزيد عن مليون دولار)

في كندا وامريكا ايضا تكلفة الكونيمنيوم (وهي الطريقة الحديثة للمعيشة!) "تبدأ من" 300 الف دولار والكندمينيوم قد يتكون من غرفتان وصالة (دور ونصف)


بالمناسبة (موضوع آخر)
ماهي توقعاتك للمساكن في المستقبل؟
هل تعتقد ان الزيادة (الزحمة) الهائلة في مدن الخليج قد تؤدي بنا الى اللجوء للمساكن الصغيرة؟

Unknown يقول...

ذات يوم، تلقيت مجموعة كتب وصلتني عبر البريد، ذهبت لمكتبهم، مر الصندوق بالجمارك ليخضع للمراقبة، كما العادة، لكن الموظف ذاك بدأ يتفلسف علي (ويزعجني): ما فائدة هذه الكتب؟ ماذا ستفعل بها؟ هل ستقرأ كل هذا؟ كيف حصلت عليها؟ من أرسلها؟ وهلم جرا!
أكثر شيء أكرهه أن يعاملني أحدهم ك"مواطن جاهل درجة 5"، لا يحق لأحد أن يسألني ماذا سأفعل بتلك الكتب أو كيف حصلت عليها وهلم جرا، لم التدخل في خصوصيات الآخرين؟
ثم جائت المرحلة الثانية: يا سيدي عليك الذهاب لوزارة الثقافة (التي لا توجد بمدينتي أصلا) واستصدار موافقتهم لدخول هاته الكتب للمغرب!
لم أصدق نفسي، أأحمل كتبا تشرح طريقة صناعة الصواريخ العابرة للقارات؟