الاثنين، 19 أكتوبر 2009

ثلاث مراحل لفهم التقنية

يقول لي بعض المعلقين "أنت تشتكي كثيراً" ولا أدري هل يقولون ذلك لمدونين آخرين لأنني مررت بمدونات لم يكن فيها إلا الشكوى ومع ذلك استمتعت بقرائتها، الشكوى كما ترى تكون مفتاحاً لكتابة المواضيع، لدي مشكلة هنا أو لدي شيء يضايقني ومن الطبيعي أن أتحدث عنه وأجعله موضوعاً، وبين حين وآخر أكتب مواضيع عن أشياء تعجبني، عن كتاب قرأته أو ملخص لمحاضرة شاهدتها في يوتيوب أو أتحدث عن تقنيات أو منتجات، يبدو لي أن البعض لا يرى إلا ما يريد أن يراه.

انتقادي لما كنت أشجع على استخدامه في الماضي ليس تناقضاً وليس شيئاً يستحق أن يثار حوله نقاش، من الطبيعي أن يتغير الإنسان وتتغير أفكاره وآرائه، من الطبيعي أن يتخلى الناس عن أشياء كانوا يستخدمونها في الماضي أو اعتادوا عليها، لأن كل شخص يفهم العالم بشكل مختلف بل ويختلف فهمه بتقدمه في الحياة، فالمراهق الذي كان متحمساً لقيادة السيارات الرياضية ويعرف كل صغيرة وكبيرة فيها أصبح رجلاً يقود سيارة رخيصة بطيئة ولم يعد له اهتمام بالسيارات الرياضية، من الطبيعي أن يحدث هذا في كثير من الجوانب.

شخصياً لدي الجانب التقني، أرى أنني مررت بثلاث مراحل متعلقة بفهم التقنية، كل مرحلة يمكن اختصارها في سؤال.

ما هذا؟
في منتصف التسعينات من القرن الماضي بدأت أشتري مجلات الحاسوب العربية وبدأت أتعلم الكثير، هذا عالم جديد علي وأنا متحمس لفهم كل صغيرة وكبيرة، كنت أريد معرفة هذه الأشياء التي تسمى حواسيب ومعرفة طريقة عملها، كنت أريد معرفة مستقبل التقنيات وما يمكن أن أستخدمه بعد عشرين عاماً، كنت أبحث عن كل شيء متعلق بالإنترنت واقرأه من أول حرف لآخر نقطة، بعض المجلات احتفظت بها لأشهر لأنني كنت أعود لقرائتها عندما لا يكون لدي شيء آخر أقرأه، هذه مرحلة الاكتشاف والتعرف على الجديد، كل شيء هنا يثير الحماس وكل شيء مفيد ورائع، لم أعي بعد أن لكل تقنية سلبيات، كنت أرى الجانب الإيجابي فقط.

كيف أستفيد من هذه التقنية؟
بعد فترة بدأت ألاحظ تكرار التقنيات والأفكار، لم يعد سؤال "ما هذا" مهماً كما كان في الماضي ولم يعد هناك شيء جديد يطرح أو ربما تعرفت على أشياء كثيرة فلم يعد هناك إلا مساحة صغيرة للأشياء الجديدة والمثيرة، أصبح تركيزي منصباً أكثر على الاستفادة من الحاسوب بدلاً من تعلم طريقة عمله، في هذه الفترة أتقنت استخدام البرامج المعروفة، نظام ويندوز وبرامج أوفيس وفوتوشوب وبرامج أخرى عربية مثل برنامج الأستاذ من شركة صخر، هل يعرف أحدكم هذا البرنامج؟

لماذا؟
هذه مرحلة لا زلت فيها وهي تتداخل مع المرحلتين السابقتين، لم يعد يكفيني أن أسأل عن ماهية الشيء وعن كيفية الاستفادة منه بل أسأل لماذا ظهرت هذه التقنية؟ ما هي إيجابياتها وسلبياتها؟ هل أنا بحاجة لها في حياتي؟ ماذا لو تخليت عنها؟ ما هي عواقب استخدام هذه التقنية؟

تغيرت نظرتي للتقنيات من كونها مجرد أدوات إلى أدوات تحمل شخصية ولها فوائد ومضار، أي تقنية الآن ليست مجرد أداة بالنسبة لي فلكل تقنية ولكل أداة طبيعة خاصة تؤثر في الإنسان وفي البيئة، فمثلاً لا يمكن أن نفصل السيارة عن آثارها على البيئة وعلى الإنسان، لا يمكن أن نصف المسدسات والأسلحة بأنها مجرد أدوا ت في حين أنها مصممة للتهديد والإرهاب والسيطرة والقتل.

بدأت أفهم أن التقنية مصطلح ليس مقصوراً على الهواتف والحواسيب فكل أداة ابتكرها الإنسان منذ فجر التاريخ تعتبر تقنية، بدأت أفهم أن التقنيات تتطور تدريجياً وتؤثر في المجتمعات بأشكال مختلفة، محركات البخار بدأت الثورة الصناعية، الطائرات تختصر الوقت لقطع المسافات وبسببها العالم أصبح صغيراً لمن يستطيع أن يتحمل تكلفة السفر، الإنترنت جعلت العالم مترابطاً ويمكنك أن تعرف الآن ما يحدث في الطرف الآخر من العالم، كل تقنية تحسن من أوضاعنا وفي نفس الوقت يكون لها أثر سلبي وبالطبع يتفاوت الأثر السلبي بين تقنية وأخرى.

لا شيء يلزم أي شخص باستخدام تقنية ما، هذا ما كنت أؤمن به في الماضي لكنني اليوم أعلم أن الضغط الاجتماعي يجبر البعض على اقتناء الهواتف وتبديلها وكذلك الحال مع السيارات والحواسيب، أعرف شخصاً لديه هاتف آي فون واشترى بلاكبيري مع عدم حاجته لبلاكبيري، لكنه برر ذلك بأن الآخرين يريدون منه التواصل عبر هذا الجهاز بالتحديد.

كان بإمكانه أن يتجاهل طلبهم لكن هذا سيكون على حساب شيء آخر، قد يخرج من الدائرة الاجتماعية التي يريد أن يكون عضواً فيها، وربما لن يحدث شيء، طبق هذا المثال على تقنيات أخرى، ماذا لو قرر شخص ما عدم استخدام السيارات أو الهاتف أو البريد الإلكتروني أو التلفاز أو غير ذلك، ما الذي سيحدث؟

أختم بنقاط سريعة:
  • لا شيء يلزمك باستخدام كل تقنية جديدة.
  • إن أردت التخلي عن استخدام تقنية ما فلك الحق أن تفعل ذلك، لا تتوقع أن يفهم الناس أو يتقبلون هذا القرار، بل بعضهم سيذهب إلى أبعد من مجرد عدم الفهم إلى محاولة تغيير رأيك أو حتى الهجوم عليك، رأيت ذلك يحدث في مدونات أجنبية.
  • تذكر أن التقنيات ليست مجرد حلول فكل حل يأتي بمشاكل جديدة.
  • التقنيات الطبيعية القديمة قد تكون في بعض الأحيان أفضل من التقنيات الصناعية الحديثة.
  • التقنيات أدوات نحقق بها أهدافنا، إن لم تفعل الأداة ذلك فعليك أن تتخلص منها، إن كان هناك جانب سلبي لأداة ما فحاول تقليصه بقدر الإمكان.
  • الطريق الأبسط هو ألا تدخل في حياتك أي تقنية ما لم تكن متأكداً من حاجتك لها.
ملاحظات خارج الموضوع:

2 تعليقات:

تونا جاوية بالنكهة اليابانية يقول...

أكثر ما أعجبني هذه العبارة :
"لا شيء يلزمك باستخدام كل تقنية جديدة"

أتمنى أن يحسن الناس اختياراتهم ، فهناك اختلاف كبير جدا بين شراء الجديد وبين شراء المفيد

دمت بود

فيصل الحمادي يقول...

عن نفسي مررت بتجربة مماثلة لتجربتك في بعض تفاصيلها فقد كنت متابعاً لمجلات الكمبيوتر وكنت أشتري التقنيات الجديدة أولاً بأول حتى قبل أن اتأكد من فائدتها لي ..
ففي يوم من الايام اشتريت طابعة متنقلة صغيرة لكي أطبع الملفات في السفر .. والواقع أني لم اطبع منها إلا 3 اوراق فقط وبعد ذلك لم استخدمها نهائياً .. هذا بالإضافة إلى العديد من الأدوات الإلكترونية ..
أما الآن فوصلت إلى ما وصلت إليه من فكر .. فلا داعي أن نستخدم كل تقنية جديدة ..

على فكرة انا أعرف برنامج الاستاذ :) 
شكراً لك