كوني شخص غير اجتماعي لا يعني أنني أرفض كل أشكال التواصل مع الآخرين، ما أريده هو اختيار وقت وهدف التواصل وكذلك الوسيلة وهذا أمر يصعب تحقيقه، إن كان التواصل عبر الهاتف فأريده أن يكون سريعاً ومختصراً وبلا مقدمات طويلة، والأفضل من ذلك رسالة قصيرة "أريدك في موضوع كذا وكذا" والأفضل من كل هذا رسالة على البريد الإلكتروني، لكن من يستخدم البريد الإلكتروني؟ قلة من الناس الذين يعيشون في نفس المنطقة، وكثير منهم لا يعتبر البريد الإلكتروني وسيلة جادة للتواصل.
يذكرني البعض "لكنك كنت اجتماعياً في فترة كذا وكذا، كنا نراك كل يوم" وهم على حق، الفترة التي يتحدثون عنها كانت سنوات التطوع، وكنت أتواصل مع الناس لأن هناك عمل أريد إنجازه معهم، عندما انتهت هذه الفترة انتهى تواصلي مع الناس، لا أحب زيارة المجالس ولا المناسبات الاجتماعية على اختلاف أنواعها، لكنني كنت أحضر هذه المناسبات الاجتماعية وأشارك فيها بدون أي مشكلة عندما كان هناك عمل يجمعني مع الناس، لاحظوا أن العمل تطوعي، ليس تجارة ولا وظيفة.
هذا يقودني للحديث عن أمر أكبر وأكثر أهمية، في مجتمعنا هناك كلام كثير يطرح في المنتديات والمدونات والبريد الإلكتروني، وكذلك يكتب الصحفيون في صحفهم ويتحدث الناس في الفضائيات والإذاعات، هناك كلام كثير يطرح كل يوم، لكن كل شخص يعيش في جزيرة معزولة عن الآخرين.
فكر في أي قضية مهمة في بلادنا، ستجد كل يوم موضوعاً عنها في وسيلة ما، ويتكرر الكلام عن كل قضية في كل عام، التغيير لا يأتي من الكلام ولن يأتي، التغيير يحدث عندما يتخذ قرار أو يبادر شخص ما بفعل شيء.
دعوني أضرب مثالاً، حوادث السيارات وتهور السائقين، في كل عام لدينا ما يسمى بأسبوع المرور، في كل عام لدينا عشرات المقالات واللقاءات والتحقيقات والتقارير الصحفية والإذاعية والفضائية، لدينا أخبار كل يوم عن الحوادث وضحاياها، ولدينا حملات توعية.
أرى أن كل هذا ليس كافياً، يمكن فعل المزيد بتشريع قوانين مختلفة وعقوبات مختلفة وحملات توعية بأفكار جديدة، لكن كل هذا ليس كافياً أيضاً، لدي قناعة أن الحديث المباشر وجهاً لوجه مع المتهورين والنقاش معهم حول الموضوع سيعطي تأثيراً أكبر، لكن هذا بحاجة لجهد أكبر، بحاجة لأفراد ينزلون من مكاتبهم ويخرجون للشارع وللمقاهي ولأماكن تجمع الشباب، يصافحون كل يد ويحدثون كل أذن ويخاطبون العقل والقلب، لا يمكن لشخص واحد أن يفعل ذلك، نحن بحاجة لمجموعة من الناس يؤمنون بقضية واحدة ويتفقون على العمل لهذه القضية لسنوات.
آل غور فعل ذلك عندما طرح عرضه المشهور حول الاحتباس الحراري، قدم عرضه وجعله فيلماً يعرض في دور عرض السينما ثم درب آخرين ليقدموا نفس العرض في كل مكان يمكنهم تقديمه، آل غور وزع العمل على آلاف من الناس وكل شخص يخاطب من يعرفه من أصدقاء وأسر وزملاء عمل، تأثير هذه الحركة أكبر بكثير من محاولة بث خطاب عبر التلفاز أو إجراء حملة إعلانية في وسائل مختلفة.
بعد سفره إلى الأرجنتين ومصاحبته لأطفال لا يملكون أحذية افتتح بليك مايكوسكي شركة لتصنيع الأحذية TOMS Shoes، ولهذه الشركة فرع يعمل كمؤسسة خيرية والفكرة بسيطة، اشتري حذاء وستتبرع الشركة بحذاء لطفل لا يملك واحداً، في عام 2006 استطاع توزيع 10 آلاف زوج من الأحذية، والهدف لعام 2009 هو: 300 ألف زوج من الأحذية.
بليك حصل على دعم وتشجيع من الناس ومن مؤسسات مختلفة، هدف بسيط وغاية نبيلة ووسيلة تحقيق هذا الهدف لا تتطلب الكثير، لكنها بدأت بشخص واحد يملك قصة ويملك إرادة ورغبة في التغيير، البداية لم تكن سهلة، هناك أناس سخروا من الفكرة، رأوها سخيفة، لكنه نجح في إيجاد فريق آخر من الناس يعملون معه لنقل الأحذية وتوزيعها على من يحتاج، بليك لم يفعل ذلك من خلال حملات إعلانية.
الحملات الإعلانية تضع المعلن في طرف والمتلقي في طرف آخر، المعلن يصبح كالملك الذي يرمي بفتات الخبز على رعاياه، أما الأسلوب الثاني فالملك يتحول لواحد من الناس، لديه معرفة وحماس وشغف ينقله للآخرين ويشاركهم بما لديه وهم بدورهم يشاركونه بما لديهم ويعملون معه لتحقيق أهداف مشتركة.
هذا النوع من التواصل هو ما أريده، ما يحدث اليوم هو كلام يقال في جزر منعزلة، الشوارع قطعت التواصل على مستوى الحي، المؤسسات التطوعية الرسمية لا تؤدي دورها كما ينبغي ولا ألقي اللوم عليها بالكامل، الناس يتحملون جزء من المسؤولية أيضاً.
هناك طريق آخر للعمل التطوعي، طريق غير رسمي، وسائل التواصل المختلفة يمكنها أن تجمع الناس بسرعة، المطلوب هو اتصال مجموعة أشخاص لتحقيق هدف ما، لا بد من التضحية ببعض المال وبشيء من الوقت لتحقيق الهدف، في المقابل سنرى تأثيراً أكبر على أرض الواقع وسنرى تواصلاً أكثر فائدة بين أفراد المجتمع.
التواصل في المقاهي والمجالس قد يكون مفيداً وقد لا يكون، التواصل من أجل تحقيق هدف سامي وفعل الخير سيكون بالتأكيد مفيداً، هل لديك قضية؟ هل لديك شغف في موضوع ما؟ ابحث عن من يشاركك الشغف.
الاثنين، 29 يونيو 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
10 تعليقات:
صراحة أنا متفق معك من ناحية ومن ناحية اخرى لا.
التواصل من أجل هدف مـا -- لا نقاش فيهـا
لكن أن تعدم التواصل الإجتماعي فهو الموت بعينه..
فأن يكون لك صديق تتحدث معه في كل شيء وتقضي معه بعض وقتك اليومي .. سيفرج عنك الكثير وستحس براحة أكبر.
هل سبق ولعبت لعبة the sims ؟؟ هنـاك فكرة أنك إذا لم تتكلم مع شخص اخر لمدة طويلة دون أن يكون لك غرض معه.. سينهار لاعبك وسيصاب بأزمة نفسية تجعله يتخيل الكلام مع "صديق وهمي".
هذه النتيجة أسميهـا الجنون..
هذا بالإضافة الى نتيجة اخرى حقيقية اذا لم تحادث أحداً
إلا بإكمال غرض مـا.. أن الاخر سيعتبرك صديق سيء.
لا يهمه إلا قضاء مصلحته.
أمـا النقطة الأخيرة بالبحث عن صديق لديه نفس الاهتمام فأنـا متفق معهـا تماماً .. لكن لا تنس أصدقئك القدامى :)
أيمن عبد الحق: تذكر أنك تتحدث مع شخص لا يهتم كثيراً بالتواصل الاجتماعي، أجد راحتي في العزلة، عندما يكون هناك عمل مع الآخرين فليس لدي مشكلة في العمل والتواصل معهم، هناك آخرون لديهم نفس السلوك، لماذا لا تستغل طاقة هؤلاء - وأنا منهم - في العمل التطوعي؟ ما يطلبه الآخرون هو التواصل الاجتماعي الدائم بكل أشكاله بدون أن يكون هناك عمل أو مشروع مشترك.
أما صداقة المصلحة فهذا موضوع آخر، لاحظ أنني أتحدث عن التطوع، أنا وفلان وفلان نجتمع من أجل هدف سامي وليس لمصلحة شخصية، هذه ليست صداقة مصلحة.
أصدقائي القدامى ليس لديهم أبداً أي اهتمام بما أهتم به :-) اعرف ذلك جيداً.
السلام عليكم. عبد الله مشكور على الموضوع .
لدي نقطة حول الموضوع الا وهي التواصل الاجتماعي لايكون من خلال العمل التطوعي فحسب, ارى ان التواصل الاجتماعي له فائدة اكبر من تحقيق عمل او تطوع او شيئ آخر, التواصل الاجتماعي يحقق عدة رسائل ولولا التواصل الاجتماعي لما حققت المشاريع ولما وجدت الاعمال , لكن التواصل الاجتماعي الايجابي .
انا احترم رايك في الانعزال ولكن اظن ان الناس خلقوا مختلفين في توجهاتهم.
قادة: كما ترى في الموضوع، عندما أتحدث عن العزلة فأنا أتحدث عن نفسي، عندما أتحدث عن التواصل الاجتماعي فأعني به أنني أريد هذا النوع من التواصل وأريد من الناس الانتقال من التواصل الاجتماعي في المجالس والمقاهي إلى التواصل من أجل تحقيق شيء إيجابي، لدينا طاقة ووقت يمكن استغلالهما بشكل إيجابي وهذا ما لا يحدث عندما يكتفي الناس بالجلوس والتحدث بأي وسيلة.
. .
بالنسبة لموضوع إنشر الفكرة عن طريق تدريب الآخرين ، فقد بدأ تطبيقها على مستوى العالم في منظمة شباب لأجل القدس ، وهي جميلة جداً قد لا أستطيع الحكم على النجاح أو الفشل الآن لكن الأيام ستثبت . . الشيء الوحيد الذي أريد أن أقوله أن بعض الأشخاص يبدون متناقضينمن بعيد لكنهم من قريب يحملون ترتيب وتنظيم معين لمسألة العلاقات وحدود واضحة . .
أوافقك في مسألة :
(لن أفيدك ، لن تفيدني) لاداعي أبداً أن نتواصل . .
ممكن من واقع الخبرة في الجانب التطوعي إخبارنا بما تحتاجه المؤسسات التطوعية العربية الإماراتية في نقاط كي تنتعش ؟
،
أنا شخص أنعزالي ليس لأني أريد ذلك ولكن لأني لست أجتماعياً وأسباب أخرى نابعة من ذاتي وليس من الآخرين .
آلاء: القوانين المتعلقة بمؤسسات النفع العام بحاجة لإعادة نظر شاملة، هذه القوانين تقيد وتضع حدوداً كثيرة لما يمكن لأي مؤسسة أن تفعله، هناك شروط حول عدد الأعضاء المؤسسين وتشكيل مجلس الإدارة وقبول التبرعات وعدم إمكانية بيع المنتجات لدعم المؤسسة، القانون لا يعطي مجالاً لمؤسسات خيرية صغيرة بالظهور، مؤسسات لا تحتاج مجلس إدارة بل يديرها شخص واحد أو اثنان.
نقطة أخرى مهمة، وزارة الشؤون الاجتماعية هي من توافق أو لا توافق على إنشاء أي مؤسسة نفع عام، بمعنى آخر قد ترفض أي جمعية لا تريد الوزارة أن يكون لها كيان رسمي، وأظن أن هذا هو حال جمعية المحامين أو جمعية باسم آخر تتعلق بالقانون، أتذكر أن الوزارة رفضت إنشاء هذه الجمعية ولم تبين السبب، لم أتابع الموضوع منذ وقت طويل.
غير معرف: وأنا كذلك، انعزالي ليس بسبب الآخرين بل لأسباب شخصية.
افهم تماما ما تقول يا عبد الله، وفي الواقع فإني لا أفهم كيف يقضي الناس أوقاتهم في التواصل الإجتماعى في المقاهى والمقاهي وهو غالبا لا يضيف لأي أحد أي شيء مفيد!
عموما لا احد ينعزل 100% لكن اختيار من احب أن اكون معه موضوع شخصى لا يستدعى تدخل الناس وان اعضبهم ذلك فلسنا مطالبين بتضضيع أوقاتنا فيما لا يفيد. ومن الجيد أن يكون للمرء صحبة بلا هدف شخصي سواء اجتمعوا على فعل الخير أو مقابلات للإطمئنان على البعض.
تعالوا نفكر من زاوية أخرى. لماذا لا يكون هناك مقاهي متخصصة؟ كواحدة للأدب و أخرى للتشكيلين و ثالثة لهواة اللاسلكي مثلاً و التي تليها لحماية البيئة؟
أعلم آن هناك جمعيات متخصصة لهذه الأشياء، و لكن لماذا لا يكون على شكل مقهى بحيث يرتاده أناس آخرون لشرب القهوة التركية و لربما أبدوا اهتمامهم في أجهزة لاسلكية قد يرونها للمرة الأولى.
تحياتي للجميع.
لا اعتقد ان التواصل الاجتماعي محصور بالمجالس و المقاهي لأن اغلبها و خصوصاً المقاهي عبارة عن قتل للوقت بشكل عبيط لا ادري عن اي تواصل و اي اجتماعي فيها! و الذي لا يذهب للمقاهي لا يعني انه منعزل ابداً .. خصوصاً اذا كنا نقصد مقاهي الشيشة.
طبعاً الانسان لابد ان يكون له هدف و ان يشغل نفسه بهدف و لكن لا يعني بالضرورة ايجاد عمل جماعي ضخم لتغيير حياة الملايين حتى يبتعد عن انعزاله .. اقل ما يمكن عمله للخروج من الانعزال الى التواصل الاجتماعي هي مصاحبة شخصين على الاقل مشتركين في الاهتمامات .. ليش بالضوررة ان يكونا توأم الروح! و لكن على الاقل لهم اهتمامات مشتركة ( سواء في البزنس, في الاسهم, في العقار, في القراءة , في جمع الطوابع, في اي شي!) و ترى ان النقاش سيكون في الغالب حول الاهتمامات المشتركة.
هذا الامر سيخرج الشخص من انعزاله .. وخروجه هنا في كل مرة ليس بالضرورة ان يكون لتنفيذ شيء محدد.. بل يمكن ان يضعه تحت خانة مشاركة معلومات جديدة او غيرها من الامور التي لا تنحصر بtasks معينةو لكن هدف طويل المدى مثل تطوير الذات مثلاً.. بهذه الطريقة سيكون الشخص اجتماعي و لو في حدود معينة تكفي لخروجه من الانعزال:)
بالتوفيق
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.