الأربعاء، 11 مارس 2009

رواية: Anathem

عندما أقرأ بعض الكتب الصعبة أشعر بأن عقلي يرسل لي ألف رسالة احتجاج كل ثانية، أشعر بأنه متضايق بشدة ويريد مني أن أرمي الكتاب لأقرأ شيئاً أسهل، مقالة في أحد المواقع ربما، أو خبراً في جريدة، أو أمضي بعض الوقت في عدم فعل أي شيء المهم أن أتوقف عن تحريك عضلات الدماغ لأنه سيضطر للتفكير وسيحتاج طاقة أكبر، لكنه في النهاية يستسلم ويبدأ في العمل على تخزين الأفكار وربطها بأفكار سابقة ويرضخ للأمر الواقع.

هكذا كان حالي عندما كنت أقرأ رواية "أناثيم" وهي رواية صعبة وزدت من صعوبتها بأن أصررت على فهم كل كلمة فكنت أسير ببطء شديد في الفصل الأول، كلما مررت بكلمة لا أفهمها بحثت في القاموس فإن لم أجد بحثت في القاموس الملحق بالرواية نفسها فهناك عشرات من الكلمات الجديدة التي ألفها الكاتب وهذا زاد من صعوبة فهم الرواية.

بداية القصة تسير ببطء، ربما الثلث الأول منها كان صعباً بسبب الكلمات الجديدة والأحداث التي لم تجتمع بعد لتشكل ملامح الرواية، لكن بعد ذلك أصبحت الأحداث سريعة ومشوقة وبدأت الخيوط تجتمع شيئاً فشيئاً وانتهت القصة وأنا أتمنى أنها لم تنتهي.

كاتب الرواية هو الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون وهذه آخر رواية نشرها وأول كتاب أقرأه له، نيل عاش طفولته في بيئة أكاديمية فوالداه وأجداده والأقارب كلهم كانوا يعملون في الحقل الأكاديمي وفي تخصصات علمية مختلفة، هذا ينعكس على كتاباته فأغلبها تدور حول الخيال العلمي والتقنيات.

تدور أحداث الرواية في عالم متواز مع عالمنا، في زمن آخر وعلى كوكب آخر وفي تاريخ مختلف، الكوكب يسمى أربر (Arbre) والناس فيه منقسمون لقسمين، أناس يعيشون في ما يشبه المعابد ويسمون أفوت (Avout) وأناس يعيشون خارج هذه المعابد وهم عامة الناس.

تسمية "المعبد" هنا غير صحيحة، في الرواية تسمى هذه الأماكن (Concent) وتعني مدارس علمية يعيش فيها أناس خصصوا حياتهم كلها للعلوم والفلسفة، لا يسمح لهؤلاء بالزواج، لذلك صورتهم أقرب إلى صورة الكهنة في عالمنا.

في المعبد ينتج الدارسون فيه غذائهم وكل ما يحتاجونه في حياتهم، وكل متعلم لديه ثلاث أشياء يملكها ولا يملك شيئاً غيرها، وهي لباسه وكرة يمكن التحكم بحجمها وشكلها وقساوتها وهي من مادة جديدة وحبل يربط به اللباس، هذا كل ما يملكه المتعلم.

كل عام هناك مناسبة تنظم في المعابد تسمى أبرت (Apert) تفتح فيها أبواب المعابد ليدخلها عامة الناس ويخرج للعالم الخارجي من عاش في هذه المعابد، فهناك معبد لأناس يحتفلون بهذه المناسبة كل عام، وهناك من يحتفل بها كل عشرة أعوام، وهناك من يحتفل كل 100 عام وهناك من يحتفل كل 1000 عام، أي أن هذا المعبد لا يفتح أبوابه إلا كل ألف سنة! ولذلك يسمى من يدرس فيه الألفيون (Thousander).

خارج جدران المعابد يعيش عامة الناس، لغتهم لا تكتب بالحروف بل بالرسومات لكي تكون بسيطة على عقولهم، هؤلاء لا يستطيعون التركيز لمدة طويلة على شيء واحد ومدنهم تسيطر عليها شركات المتاجر الكبرى والأجهزة الإلكترونية.

كان الناس يعيشون بسلام فيما بينهم وكل فئة تجد راحة في هذا النظام الذي يفصل بين المتعلمين وعامة الناس، لكن هناك فئة ثالثة جاءت لتدمر هذا السلام وتشكل خطراً على المتعلمين وعامة الناس، وهذا ما يتطلب تعاون الفئتين لمقاومة الفئة الثالثة، القصة تدور حول تفاصيل هذه الأحداث.

هناك نظريات وأفكار كثيرة طرحت في الرواية:
كل هذه النظريات والأفكار وغيرها مما نسيت ذكره جعلت الرواية وجبة دسمة جداً على عقلي، وهي تطرح كثيراً من الأسئلة وتلقي الضوء على قضايا كثيرة في حياتنا، فمثلاً قضية وجود المعرفة لكن عدم وجود عملية التعلم واكتساب المعرفة، اليوم لدينا كم هائل من المعرفة لكن لدينا أيضاً عدد كبير من الناس الذين يعانون من الأمية المعرفية، هم قادرون على القراءة والكتابة لكن معرفتهم سطحية وتركيزهم قصير الأمد وحياتهم تدور حول الاستهلاك المتواصل لثقافة سطحية.

قضية أخرى تدور حول التخطيط بعيد المدى، كيف سيعيش الناس لو أنهم فكروا بجدية في المستقبل البعيد جداً؟ أي المستقبل الذي يزيد عن مئة عام وربما يتجاوز ألف عام، في أيامنا هذه هناك مشاكل كثيرة هي نتيجة التفكير قصير الأمد، كالاحتباس الحراري مثلاً والأزمات الأخرى المتعلقة بالبيئة، لدينا ثقافة استهلاكية اليوم تقوم على أساس أن نستهلك الأشياء بسرعة ونستبدلها بغيرها، هل يمكنك تصور كيف ستكون حياتنا لو أن ثقافتنا هذه كانت مختلفة فتركز على شراء أشياء تعمر مئات السنين بدلاً من سنوات قليلة؟

هذا مثال لما تطرحه الرواية، ومن الصعب تلخيصها لذلك أنصح الجميع بقراءتها، سأقرأها مرة أخرى بعد أشهر فهي تستحق إعادة القراءة.

7 تعليقات:

غير معرف يقول...

شكرا أستاذ عبدالله على هذا المعراج المعرفي مع هذه الرواية ... ياليت تبلغنا إذا ترجمت للعربية ...

واسلم لمحبك

Musaed يقول...

ماشالله عليك ,
والله عندك صبر تكمل فيها, أنا إذا الكتاب ما عجبني و وصلت إلى الربع أو النص أرميه على طول لأنه السوق مليان كتب مفيدة و ممتعة بالقراءة ..

غير معرف يقول...

كما قلت أخي عبد الله ... تطويع العقل هو قضية صعبة لا يفلح بها إلا قويوا الارادة .... لفت نظري ما قلته حول الكلمات الجديدة التي ألفها الكاتب .... ما هو معيار هذه الكلمات ؟؟؟
موضوع الرواية مثير جدا للاهتمام ... هذه من المرات التي أحس بها بالحسرة على اكتسابي الانكليزية كلغة ثانية
أتمنى أن أقرأ هذه الرواية يوما بلغتها الأم
سلامي لك أخي

عبدالله المهيري يقول...

غير معرف: من الصعب أن تترجم هذه الرواية للعربية، كتب نيل بالإنجليزية لم تصل إلى أسواقنا، بالتأكيد سأكتب إن ترجمت .. لكن هناك أمل ضعيف جداً لحدوث ذلك.

HalfCup: بالتأكيد هناك كتب كثيرة مفيدة، وهناك كتب صعبة ومفيدة وعلينا قرأتها حتى لو لم تعجبنا، الغوص في المعرفة أمر ضروري بين حين وآخر.

عطا الله: الكلمات الجديدة هي من تأليف الكاتب، فهو يبني عالماً مختلفاً لقصته ويعيش في هذا العالم أناس يتكلمون لغة مختلفة ولهم مصطلحات مختلفة، هذا ما يحدث في كثير من قصص الخيال العلمي وقصص ما يسمى بالفنتازيا، ليس هناك معيار محدد، كل كاتب يؤلف ما يريد.

الرواية باللغة الإنجليزية، لكن كما قلت تحوي بعض الكلمات الجديدة التي ستجد معانيها في قاموس الكتاب الملحق.

غير معرف يقول...

تبدو رواية مشوقة للقراءة
لكن أخي عبدالله هل عندك تفسير لهذه القوالب النمطية التي يعيش فيها معظم كتاب الرواية العرب، حتى الجيل الجديد واضح انه ورث نفس القالب التقليدي للقصة أو الرواية

عبدالله المهيري يقول...

عمرو فهمي: أي قالب تقليدي؟ أنا لم أقرأ روايات عربية كثيرة سوى روايات نجيب الكيلاني وترجمة روايات أغاثا كريستي.

أظن أنك تقصد النوع الواقعي من الروايات التي تدور حول الأوضاع الاجتماعية والسياسة والدين والجنس، إن كنت تقصد هذا فأنا معك، هذا ما يجعلني أبتعد عن قراءة كثير من الروايات العربية لأنها تدور حول نفس الموضوعات.

ولدي تصور أتمنى أن أكون مخطئاً حوله، أظن أن الروايات الخيالية وروايات الخيال العلمي يعتبرها البعض لدينا في مستوى أدنى من مستوى الروايات الاجتماعية والسياسية، ربما شيء مخصص للمراهقين والأطفال، هذه النظرة الدونية ألاحظها بين الناس وفي الصفحات الأدبية للصحف.

غير معرف يقول...

من خلال قراتي لموضوعك يتضح للقارئ انها رواية خيالية
كما انها ذات طابع منطقي يعتمد على النظريات


توجد لديا رواية لم اقرأ منها سواى صفحات ولم اكملها

حتى انتقل الى اخرى


دمت بود

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.