أي شخص يكتب عن تاريخ واجهات الاستخدام سيذكر زيروكس بارك، معهد أبحاث الحاسوب الذي كان له أثر كبير على صناعة الحاسوب، خصوصاً واجهة الاستخدام الرسومية، قصة زيارة أفراد من أبل لهذا المعهد ورؤية نتائج أبحاثه أصبحت الآن مألوفة، ومن زيارتهم طوروا واجهة استخدام ماكنتوش التي تحولت لمحرك يدفع شركات أخرى لتطوير واجهات الاستخدام.
لكن هناك شيء ما فقدناه كمستخدمين عندما انتقلت الفكرة من زيروكس بارك إلى الشركات، فكرة واجهة حاسوب زيروكس ألتو كانت تدور حول المحتويات، المحتوى كان عبارة عن وثائق ويمكن للمستخدم وضع مجموعة أدوات يستخدمها عند التعامل معها، بمعنى أن كل مستخدم سيشكل مجموعة أدوات مختلفة تناسب احتياجاته، لم تكن هناك برامج بل أدوات، المحتويات كانت هي الأساس والأدوات هي وسائل لا أكثر.
شركات الحاسوب والبرامج غيرت هذه الفكرة بل تجاهلتها تماماً لكي تتحكم بوسائل الإنتاج وهي البرامج وتجعلها الأساس والمحتوى شيء ثانوي، الآن كثير من الناس لا يرسمون بل يستخدمون فوتوشوب، كثير من الناس لا يكتبون الوثائق المكتبية بل يستخدمون مايكروسوفت وورد، وفي الهواتف الذكي التطبيقات هي كل شيء، بدون تطبيقات لن يكون الهاتف الذكي ذكياً!
عندما نضع الوثائق أو المحتوى كواجهة استخدام أساسية والأدوات كوسائل مرنة يمكن استخدامها في أي وقت، عندما نفعل ذلك فنحن نعطي قوة التحكم للمستخدم لا الشركات، بإمكان المستخدم شراء أي أداة لتحقيق أهدافه وإن كان مبرمجاً يمكنه برمجتها بنفسه، على عكس برامج اليوم التي تحتاج للآلاف من المبرمجين؛ الأدوات يمكن لشخص واحد برمجتها، الأداة في الغالب تفعل شيئاً واحداً فقط وبالتالي يسهل برمجتها على الأفراد، وعندما يطور عشرات الأفراد مئات أو آلاف الأدوات سيتمكنون من صنع نظام كامل من الأدوات التي تستطيع تلبية معظم احتياجات المستخدمين.
المحتوى كواجهة هو أن ترى المحتوى أمامك مباشرة في الحاسوب، ليس هناك سطح مكتب، بل محتويات تعرض لك بترتيب تختاره، تصوره كمدونة في سطح المكتب، ما إن تضغط على محتوى ما حتى ترى بعض الخيارات، مثل زر لتحرير المحتوى، عند الضغط عليه تظهر أدوات للتعامل مع هذا المحتوى، الأدوات هي مجموعة أزرار وقوائم جمعتها أنت لتناسب احتياجاتك، ويمكن للنوع الواحد من المحتوى أن يستخدم أكثر من مجموعة أدوات، مثلاً الصور يمكن أن يكون لها مجموعة أدوات بسيطة عندما تريد فقط أن تمارس تغييرات قليلة مثل تغيير حجم الصورة مثلاً، ويمكن أن تضع لها مجموعة أدوات ثانية كبيرة للتعامل مع تغييرات كثيرة.
الأدوات تصبح شيئاً ثانوياً، لأن المحتوى هو الأساس، لأن المحتوى هو الواجهة لا التطبيقات ولا نظام الملفات، عندما تصبح المحتويات هي الواجهة فهي تضع المستخدم واحتياجاته كأهم جزء في النظام ... وهذا قوة وتحكم لصالح المستخدم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.