متى كانت أول مرة سمعت فيها جملة "الحاجة أم الاختراع"؟ أذكر أنني كنت أقرأ كلمة "أم" بفتح الهمزة وليس بضمها إلى أن رأيت الجملة مكتوبة بالإنجليزية وعرفت أن أم هي الأم، أي أن الحاجة هي السبب لوجود الاختراع، ويبدو أن هذا منطقياً في العديد من القصص والأمثلة، ولكن نحن في عالم رأسمالي حيث الاختراع هو أم الحاجة، كثير من الاختراعات صنعت قبل أن تظهر أي حاجة لها ثم خلقت الحاجة لها والآن لا يمكنك تخيل حياتك بدونها مع أنك كنت تعيش بسلام قبل أن تشتريها.
ظهور أفكار وتقنيات جديدة اليوم لا يسبقه سؤال لماذا، لم نحن بحاجة لهاتف ذكي؟ لم نحن بحاجة لحذاء ذكي؟ أو حتى حمام ذكي؟! ما الفائدة؟ ما الذي تقدمه التقنيات لنا وما الذي تأخذه منا؟ كثير من الناس يفكرون بالتقنيات بشكل إيجابي لأنهم يفكرون فقط بما تعطيه التقنية دون التفكير في تأثير هذه التقنية على حياتنا، ينظرون للجانب الإيجابي وينسون أن التقنية تغير حياة الناس بشكل سلبي أيضاً.
في العديد من الدول المتقدمة أصبح هناك تشبع تقني، يمكن تشبيه التقنية بالمال، عندما تكون فقيراً ومعدماً سيكون المال عاملاً مساعداً لك لأن المال يشتري السعادة في هذه الحالة! لست ممن يرددون بأن المال لا يشتري السعادة لأنني رأيت كيف يمكن للفقراء أن تتغير أوضاعهم بمجرد حصولهم على ما يكفي من المال، عندما يكون المرء غنياً ومكتفياً فمزيد من المال لا يشتري مزيداً من السعادة.
كذلك التقنية، عندما يكون المرء فقيراً فالتقنية يمكنها أن تساعده بتوفير كثير من الوقت والجهد، بدلاً من أن تسير المرأة كل يوم أربع ساعات للحصول على الماء؛ يأتي الماء لها في البيت نظيفاً أو تجده في بئر قريبة من البيت، وبدلاً من غسل الثياب يدوياً هناك آلة لغسلها توفر الوقت، وبدلاً من الطبخ على نار تخنق الجميع بدخانها يكون الطبخ على موقد يحرق الخشب بفعالية ويمنع الدخان من الوصول إلى الناس، بهذه التقنيات يمكن أن يوفر الفقير كثيراً من وقته لينفقه على أمور أخرى كالتعليم والترفيه.
لكن ماذا عن المكتفين تقنياً؟ ماذا عن شخص ولد وهو يعيش في بيت متصل بأحدث خدمات البنية التحتية، الكهرباء والماء والمجاري كلها متوفرة وتعمل بفعالية، هناك الآن اتصال بشبكة إنترنت وحواسيب وهواتف ذكية وألعاب فيديو للترفيه، هذا الشخص المحاط بهذه التقنيات لن يجد مزيداً من الفعالية وتوفير الوقت باستخدام تقنيات جديدة، سيصل إلى مرحلة تصبح فيه المنتجات التقنية الجديدة مجرد رفاهية لا تقدم قيمة حقيقية، وهذه الرفاهية لها ثمن يدفعه المرء لكنه ثمن يدفعه المجتمع كذلك وإن فكرت بدائرة أوسع فهي رفاهية يدفع ثمنها العالم.
يمكنك إن أردت أن تربط بين التقنيات الحديثة وما يحدث في دول عديدة من تدمير للبيئة للتنقيب عن معادن تحتاجها التقنيات الحديثة، ومن هنا يمكنك الحديث عن دول تستخدم التنقيب عن هذه المعادن كمصدر دخل لدعم حرب أهلية، ثم هناك التصنيع واستخدام عمالة صغيرة السن ولساعات عمل طويلة ومتعبة، وكثير من هذه العمالة لا يستطيعون استخدام المنتجات التي يصنعونها لأنها غالية الثمن، منتجات رفاهية ستصل إلى سوق آخر، أضف إلى كل هذا الطاقة المستهلكة لصنع هذه المنتجات، ثم دورة حياة هذه المنتجات التي لا يستمر بعضها بالعمل لأكثر من عام حتى تصل إلى سلة المهملات ويظن الناس أنهم يفعلون خيراً عندما يساهمون في جهود إعادة التدوير دون التأكد مما يحدث للمنتج عندما يدخل في هذه الدائرة، هناك الآن مصطلح النفايات الإلكترونية وهي مشكلة تعاني منها دول تستقبل هذه النفايات وتعيد استخدام مواد فيها لكن بشكل غير صحي.
نعم هذا المنتج الذي اشتريته ليس بريئاً، له أثر عليك وعلى كل شيء حولك، وقد وصلت شركات عدة إلى مرحلة تريد فيها أن تجعلك تشتري منتجاتها لكل شيء، هناك زر يساعدك على شراء صابون للغسالة لأنك أكسل من أن تكتب بقلم على ورقة تحوي قائمة عنوانها "مشتريات"، هناك منتجات تساعدك على تشغيل مكيف ما في بيتك وأنت في الطريق إليه لأن الحياة قبل ذلك لم تكن تطاق، تصور كيف كان الناس يعيشون وهم يحتاجون الوصول إلى المنزل ثم الدخول إلى الغرفة وتشغيل المكيف؟ كانت حياتهم صعبة حقاً!
ولم تعد الشركات هي المصنع الوحيد لهذه المنتجات غير الضرورية، هناك أفراد يستخدمون مواقع التمويل الجماعي ليخرجوا لنا بمثل هذه الأفكار، منتجات توفر عليك ثوان هنا أو هناك، أو تفعل شيئاً ما باستخدام الهاتف الذكي وتطبيقاته بدلاً من الأسلوب القديم الذي يعتمد على أن تفعل أنت شيئاً بعينيك ويدك.
العالم فيه من المشاكل الصعبة ما يكفي، ومؤسف أن أفكار أنجلبارت في بدايات الستينات كانت أكثر تقدماً مما نحن عليه اليوم، مؤسف أن الناس يذكرون بأقل اختراعاته أهمية وهي الفأرة، ابتكر أفكاراً كثيرة لأنه أراد من الحاسوب أن يصبح أداة للتفكير ومساعدتنا على حل مشاكل كبيرة بجهود جماعية، لذلك ابتكر النص المترابط والعمل الجماعي في شبكة وحتى أضاف الاتصال المرئي بالصوت الصورة وكل هذا في ١٩٦٨.
كيف يمكن أن نستخدم هذه التقنيات لكي نعالج مشاكل كالفقر مثلاً؟ الجهل؟ المساكن العشوائية؟ انعدام وجود خدمات بنية تحتية في كثير من المناطق؟ سوء التغذية الذي يعاني منه كثيرون بسبب الفقر والجهل؟
الآن أصبح تشغيل الإضاءة من الهاتف الذكي والتحكم بقوتها ولونها نوع من الابتكار الذي يثير إعجاب الناس وربما يحرك أيديهم نحو بطاقات الائتمان لكي يشتروا مزيداً من الرفاهية والكسل، فقد عالجت مشكلة كبيرة وهي الوقوف والمشي نحو زر الإضاءة ثم العودة إلى الكرسي للجلوس مرة أخرى أمام التلفاز، هذا عمل صعب! التقنيات أصبحت منتجات استهلاكية للمتعة والترفيه، ولا يمكنني تجاهل أن هناك من يستخدمها للإنتاج، لكن كذلك لا يمكن تجاهل هذا الوضع المزري لظهور منتجات كثيرة لا نحتاجها حقاً.
ظهور أفكار وتقنيات جديدة اليوم لا يسبقه سؤال لماذا، لم نحن بحاجة لهاتف ذكي؟ لم نحن بحاجة لحذاء ذكي؟ أو حتى حمام ذكي؟! ما الفائدة؟ ما الذي تقدمه التقنيات لنا وما الذي تأخذه منا؟ كثير من الناس يفكرون بالتقنيات بشكل إيجابي لأنهم يفكرون فقط بما تعطيه التقنية دون التفكير في تأثير هذه التقنية على حياتنا، ينظرون للجانب الإيجابي وينسون أن التقنية تغير حياة الناس بشكل سلبي أيضاً.
في العديد من الدول المتقدمة أصبح هناك تشبع تقني، يمكن تشبيه التقنية بالمال، عندما تكون فقيراً ومعدماً سيكون المال عاملاً مساعداً لك لأن المال يشتري السعادة في هذه الحالة! لست ممن يرددون بأن المال لا يشتري السعادة لأنني رأيت كيف يمكن للفقراء أن تتغير أوضاعهم بمجرد حصولهم على ما يكفي من المال، عندما يكون المرء غنياً ومكتفياً فمزيد من المال لا يشتري مزيداً من السعادة.
كذلك التقنية، عندما يكون المرء فقيراً فالتقنية يمكنها أن تساعده بتوفير كثير من الوقت والجهد، بدلاً من أن تسير المرأة كل يوم أربع ساعات للحصول على الماء؛ يأتي الماء لها في البيت نظيفاً أو تجده في بئر قريبة من البيت، وبدلاً من غسل الثياب يدوياً هناك آلة لغسلها توفر الوقت، وبدلاً من الطبخ على نار تخنق الجميع بدخانها يكون الطبخ على موقد يحرق الخشب بفعالية ويمنع الدخان من الوصول إلى الناس، بهذه التقنيات يمكن أن يوفر الفقير كثيراً من وقته لينفقه على أمور أخرى كالتعليم والترفيه.
لكن ماذا عن المكتفين تقنياً؟ ماذا عن شخص ولد وهو يعيش في بيت متصل بأحدث خدمات البنية التحتية، الكهرباء والماء والمجاري كلها متوفرة وتعمل بفعالية، هناك الآن اتصال بشبكة إنترنت وحواسيب وهواتف ذكية وألعاب فيديو للترفيه، هذا الشخص المحاط بهذه التقنيات لن يجد مزيداً من الفعالية وتوفير الوقت باستخدام تقنيات جديدة، سيصل إلى مرحلة تصبح فيه المنتجات التقنية الجديدة مجرد رفاهية لا تقدم قيمة حقيقية، وهذه الرفاهية لها ثمن يدفعه المرء لكنه ثمن يدفعه المجتمع كذلك وإن فكرت بدائرة أوسع فهي رفاهية يدفع ثمنها العالم.
يمكنك إن أردت أن تربط بين التقنيات الحديثة وما يحدث في دول عديدة من تدمير للبيئة للتنقيب عن معادن تحتاجها التقنيات الحديثة، ومن هنا يمكنك الحديث عن دول تستخدم التنقيب عن هذه المعادن كمصدر دخل لدعم حرب أهلية، ثم هناك التصنيع واستخدام عمالة صغيرة السن ولساعات عمل طويلة ومتعبة، وكثير من هذه العمالة لا يستطيعون استخدام المنتجات التي يصنعونها لأنها غالية الثمن، منتجات رفاهية ستصل إلى سوق آخر، أضف إلى كل هذا الطاقة المستهلكة لصنع هذه المنتجات، ثم دورة حياة هذه المنتجات التي لا يستمر بعضها بالعمل لأكثر من عام حتى تصل إلى سلة المهملات ويظن الناس أنهم يفعلون خيراً عندما يساهمون في جهود إعادة التدوير دون التأكد مما يحدث للمنتج عندما يدخل في هذه الدائرة، هناك الآن مصطلح النفايات الإلكترونية وهي مشكلة تعاني منها دول تستقبل هذه النفايات وتعيد استخدام مواد فيها لكن بشكل غير صحي.
نعم هذا المنتج الذي اشتريته ليس بريئاً، له أثر عليك وعلى كل شيء حولك، وقد وصلت شركات عدة إلى مرحلة تريد فيها أن تجعلك تشتري منتجاتها لكل شيء، هناك زر يساعدك على شراء صابون للغسالة لأنك أكسل من أن تكتب بقلم على ورقة تحوي قائمة عنوانها "مشتريات"، هناك منتجات تساعدك على تشغيل مكيف ما في بيتك وأنت في الطريق إليه لأن الحياة قبل ذلك لم تكن تطاق، تصور كيف كان الناس يعيشون وهم يحتاجون الوصول إلى المنزل ثم الدخول إلى الغرفة وتشغيل المكيف؟ كانت حياتهم صعبة حقاً!
ولم تعد الشركات هي المصنع الوحيد لهذه المنتجات غير الضرورية، هناك أفراد يستخدمون مواقع التمويل الجماعي ليخرجوا لنا بمثل هذه الأفكار، منتجات توفر عليك ثوان هنا أو هناك، أو تفعل شيئاً ما باستخدام الهاتف الذكي وتطبيقاته بدلاً من الأسلوب القديم الذي يعتمد على أن تفعل أنت شيئاً بعينيك ويدك.
العالم فيه من المشاكل الصعبة ما يكفي، ومؤسف أن أفكار أنجلبارت في بدايات الستينات كانت أكثر تقدماً مما نحن عليه اليوم، مؤسف أن الناس يذكرون بأقل اختراعاته أهمية وهي الفأرة، ابتكر أفكاراً كثيرة لأنه أراد من الحاسوب أن يصبح أداة للتفكير ومساعدتنا على حل مشاكل كبيرة بجهود جماعية، لذلك ابتكر النص المترابط والعمل الجماعي في شبكة وحتى أضاف الاتصال المرئي بالصوت الصورة وكل هذا في ١٩٦٨.
كيف يمكن أن نستخدم هذه التقنيات لكي نعالج مشاكل كالفقر مثلاً؟ الجهل؟ المساكن العشوائية؟ انعدام وجود خدمات بنية تحتية في كثير من المناطق؟ سوء التغذية الذي يعاني منه كثيرون بسبب الفقر والجهل؟
الآن أصبح تشغيل الإضاءة من الهاتف الذكي والتحكم بقوتها ولونها نوع من الابتكار الذي يثير إعجاب الناس وربما يحرك أيديهم نحو بطاقات الائتمان لكي يشتروا مزيداً من الرفاهية والكسل، فقد عالجت مشكلة كبيرة وهي الوقوف والمشي نحو زر الإضاءة ثم العودة إلى الكرسي للجلوس مرة أخرى أمام التلفاز، هذا عمل صعب! التقنيات أصبحت منتجات استهلاكية للمتعة والترفيه، ولا يمكنني تجاهل أن هناك من يستخدمها للإنتاج، لكن كذلك لا يمكن تجاهل هذا الوضع المزري لظهور منتجات كثيرة لا نحتاجها حقاً.
7 تعليقات:
تحياتي لك
كل ما قلته صحيح
كثير من الناس يستبدلون هواتفهم الذكية خلال عام
أصبح العالم يعيش في هوس
ممكن ايميلك ؟ ابغى اتواصل معك.
@غير معرف: بريد موجود هنا
http://serdal.com/about/
Dear Abdulla, please tell us what are you doing????????????? , it is has been a long time since you upload your last article tow months, do you think the time to stopping visit your blog is now???????
@غير معرف: تمنيت لو أنك كتبت بالعربية، أنا موجود في تويتر ولم يمضي شهران على آخر مقال بل شهر، وأنت من يحدد ما إذا كان عليك التوقف عن زيارة هذه المدونة، وأستغرب حقيقة أنك تزور المدونة، هناك تقنية RSS التي تغنيك عن زيارة أي مدونة.
السلام عليكم .. هذه اول مره اقرا مدونتك وقد اعجبت حقا بمقالاتك .. انا حقا كثيرة النقد اي لماذا يفعلون هذا ويفعلون ذاك ..فقد قرات مقالا عن تشغيل الاطفال والفقراء لتوفير حبات الكاكاو ليصل الينا الشوكلاته اللذيذه التي تباع في البقالة بابخس ثمن ريال او بالكثير خمسة ريالات .. ولكن بدات بتجاهل هذه الافكار ..لن استطيع التوقف عن اكل هذه الشوكلاته ولا مساعدة الاطفال .. من الممكن ان اتصدق عليهم ولاكنني اضعف من انني اغير حياتهم ..لانني تعبت حقا واكتئبت ..فبدات بتجاهل المقالات اللتي تكتب عن هذه الاشياء .. ذهبت البارحه لمكتبة جرير .. اعجبت بكم هائل من الاجهزه وي واحدث جهاز بلايستيشن واحدث جهاز اكس بوكس واحث السماعات حتى انني فكرت في تغير لابتوبي مع انه لايشكو من اي خطب ولكن الجديد له متعته .. باستثناء ان ليس لي المبلغ المطلوب لشراء هذا كله .. وكل هذا كتبته من اجل غاية واحدة نحن اضعف من ان نتخلى عن متعه من اجل السلام العالمي نحن مخلوقات انانية ولن نتغير وسوف نزداد انانية مع مرور الوقت ..شكرا ^^
@غير معرف: الوعي أمر ضروري لأي عاقل، ليس المطلوب أن نفعل شيئاً قبل أن نعي العالم من حولنا، بل نفهم ثم نقرر إن كان بأيدينا فعل شيء، ويمكنك بالفعل فعل شيء، عدم شراء حلويات ثمن بسيط، التبرع لجمعيات خيرية تساعد هؤلاء الأطفال أيضاً أمر ممكن، تقول أو تقولين أننا مخلوقات أنانية ولن نتغير وهذا سيتحقق فعلاً عندما يقرر كل فرد أنه لن يستطيع فعل شيء فلم يتعب نفسه، ليستمر على ما هو عليه، هكذا يحقق المتشائمون توقعاتهم، بعدم محاولة فعل شيء.
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.