أحلام المنام قد تكون قاسية حقاً، ولا أعني تلك الأحلام المزعجة أو المخيفة التي تفزعك، ما هو أشد قسوة هي تلك الأحلام الجميلة حقاً، أشياء نتمناها وتحققت أمامنا، نراها ونشعر بها ونسعد بهذا الإنجاز، نعيش الحلم ونصدقه ثم نستيقظ ليكون أول ما نراه هو الواقع، رأيت أحدها اليوم ودخلت في نقاش طويل مع عقلي .. أو لعلي أتخيل أن هناك شخص ما يعيش فيه يحاول أن يصب الحزن في زوايا العقل ... أياً كان، تباً له!
هذا بعض ما أفكر فيه هذه الأيام.
(١)
كررت كثيراً حقيقة أنني لا أشاهد التلفاز، وبدأت قبل سنتين أو ثلاث بتذكير الناس قبل رمضان بأهمية عدم مشاهدة التلفاز، موقفي كان بسيطاً، كل ما أقوله أنني لم أخسر شيئاً عندما توقفت عن مشاهدة التلفاز ووجدت راحة نفسية إذ أن كثيراً مما يعرض في الشاشات يحرق الأعصاب والأخبار تتعب القلب ولا يمكنني فعل شيء بخصوص أي خبر، فلم لا أتوقف عن مشاهدة التلفاز؟ ولم لا تفعل أنت نفس الشيء فلعلك تجد فائدة في فعل ذلك.
لكن الآن أجد أسباباً أخرى تدعوني لأشدد أكثر على أن التلفاز ليس مجرد شيء يمكنك أن تتوقف عن مشاهدته بل شيء يجب أن تتوقف عن مشاهدته، لأنه أكثر ما فيه مضر وحتى المفيد لا يبرر إبقاء قنوات التلفاز، هناك القنوات الفضائية التي تنشر الكراهية بيننا وتحرض الناس على الكراهية، هناك البرامج عديمة القيمة، هناك برامج تظن أنها مفيدة لكنها لن تعطيك فائدة ١٠ صفحات من كتاب، هناك البرامج التي لا تضر ولا تنفع لكنها مسلية وأنت تريد قضاء وقتك في راحة ودون تعب تفكير فتشاهد.
الجهاز نفسه ليس المشكلة بل الفضائيات، من بين مئات الفضائيات هناك ربما ٣ إلى ١٠ قنوات تستحق أن تبقى، لكن حتى هذه لم تعد تبرر مشاهدة الفضائيات.
(2)
نحتفل ونفرح بإنجاز الأشياء، بالوصول إلى نهاية الأشياء، قرأت ٥٠ كتاباً، كتبت ١٠٠ موضوع، أكملت ١٠ سنوات وأنا أفعل نفس الشيء، ولأننا في عصر الويب والمشاركة يشعر البعض - وأنا منهم - أن عليهم المشاركة بكل شيء، بمشاريعهم وأفكارهم وتحدياتهم، ويمكنك العودة لأرشيف هذه المدونة لترى قائمة لا نهاية لها لمشاريع بدأتها ولم أنجز شيئاً منها.
عندما نحاول تسجيل كل شيء ومتابعة كل هدف تصبح العملية نفسها أهم من الغاية، ولأننا نكتب للآخرين فنحن نشعر أننا ملزمون بإكمال السير في الطريق حتى بعد أن أصبح متعباً ومملاً ولم يعد يعطينا فائدة، ما الذي حدث لفعل الأشياء لمجرد أننا نستمتع بها؟ دون أن نخبر أحداً، دون أن نكتب عنها أو نصورها؟
وما المشكلة في التوقف عن فعل الأشياء عندما لم تعد تعطينا دافعاً أو متعة أو فائدة؟
(٣)
المجمتع الاستهلاكي هو أساس كثير من مشاكل عالمنا، لأن الاستهلاك كفكرة مرتبطة بالمال والاقتصاد وهذا بدوره يؤثر على التعليم وعلى السياسة وقد يكون دافعاً ومحركاً لبعض الحروب، وكل هذا له أثر على الناس لأن فكرة العمل تؤثر على التعليم منذ بدايات حياتهم، الطفل يبدأ تعليمه في بعض الدول وهو في الرابعة من عمره ويبقى في مجال التعليم إلى أن يتجاوز العشرين من العمر وكل هذا لكي يصل إلى وظيفة تعمل كقطعة صغيرة لتشغل المحرك الكبير لكل شيء وهو الاقتصاد، مقابل العمل هناك وقت فراغ كل يوم وفي نهاية الأسبوع، ولديك كل هذه الوسائل الاستهلاكية الضحلة التي يمكنك أن تستخدمها لقضاء وقت فراغك لتعود إلى دوامة العمل مرة أخرى.
الإعلانات والإعلام يستخدمان للتلاعب بالناس وجرهم نحو اتجاهات قد لا تخدم مصالحهم، أشتري لكي تكون أفضل، أشتري لكي تعجب بك النساء، أشتري لكي تظهر بشكل أفضل، أشتري لتحل أي مشكلة في حياتك، والإعلام يلعب دوراً في تحريك المشاعر وتوجيه الأفكار ليخدم فئة من الناس قد لا تتوافق مصالحها مع مصالح المشاهدين.
المجتمع الاستهلاكي والثقافة الاستهلاكية، الموضة المتغيرة التي لا تتوقف عن محاولة تغيير أذواق الناس ودفعهم لشراء المزيد لأن ما قررته الموضة قبل ٤ أشهر لم يعد ذوقاً سليماً، الإعلانات والعلامات التجارية وأثرها على حياتنا، فكرة ان الاقتصاد يحتاج لنمو دائم، فكرة أن التعليم يحدث في المدارس والجامعات فقط وأن التعليم الذي يعتد به هو ذلك الذي ينتج شهادات وما غيره لا يستحق أن نلتفت له.
كل هذه الأفكار بحاجة إلى تغيير وأحياناً تدمير، بحاجة إلى نقد مستمر وبحاجة إلى التفكير في بدائل، الناس لا يعيشون في هذا العالم لكي يسيروا في طرق حددها لهم المجتمع مسبقاً، نحن لا نعيش لنعمل ونستهلك.
(٤)
أي تخطيط جديد في مدننا، أي إضافة جديدة أو مدينة جديدة يجب أن تصمم للناس قبل السيارات، من العيب أن تخطط مدننا على أساس أن الناس سيستخدمون السيارات قبل أرجلهم، التصميم للسيارات يعني مساحات كبيرة تأخذها الطرق والمواقف وتكاليف كثيرة لإنشاء وصيانة هذه الطرق وتوسيعها لاحقاً وإضافة الجسور والأنفاق.
في حين أن التصميم للناس يوفر كل هذه التكاليف ويعطينا مساحات لكي نتواصل أكثر، لكي نمشي أكثر، لكي تصبح الأشياء قريبة منا فلا حاجة للسيارة لشراء بعض الفواكه وكيس قهوة مطحونة، يمكنك فقط أن تخرج من المنزل وتمشي خمس دقائق دون أن تخاف على نفسك من السيارات، ترى الناس حولك وتعرف بعضهم وتلقي بالسلام عليهم وتتوقف لتتحدث مع بعضهم، السيارات لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنها سجون معدنية متحركة.
عندما تصمم المدن للنشاط والحركة فلن نحتاج أن نتحدث كثيراً عن الرياضة والصحة، الناس سيمشون أكثر، سيستخدمون السلالم وسيصبحون أكثر تواصلاً مع الآخرين، لأن تصميم البيئة من حولهم يشجعهم على فعل ذلك، هذا خير من ألف حملة توعية تنفق الكثير على التسويق والإعلان.
هذا بعض ما أفكر فيه هذه الأيام.
(١)
كررت كثيراً حقيقة أنني لا أشاهد التلفاز، وبدأت قبل سنتين أو ثلاث بتذكير الناس قبل رمضان بأهمية عدم مشاهدة التلفاز، موقفي كان بسيطاً، كل ما أقوله أنني لم أخسر شيئاً عندما توقفت عن مشاهدة التلفاز ووجدت راحة نفسية إذ أن كثيراً مما يعرض في الشاشات يحرق الأعصاب والأخبار تتعب القلب ولا يمكنني فعل شيء بخصوص أي خبر، فلم لا أتوقف عن مشاهدة التلفاز؟ ولم لا تفعل أنت نفس الشيء فلعلك تجد فائدة في فعل ذلك.
لكن الآن أجد أسباباً أخرى تدعوني لأشدد أكثر على أن التلفاز ليس مجرد شيء يمكنك أن تتوقف عن مشاهدته بل شيء يجب أن تتوقف عن مشاهدته، لأنه أكثر ما فيه مضر وحتى المفيد لا يبرر إبقاء قنوات التلفاز، هناك القنوات الفضائية التي تنشر الكراهية بيننا وتحرض الناس على الكراهية، هناك البرامج عديمة القيمة، هناك برامج تظن أنها مفيدة لكنها لن تعطيك فائدة ١٠ صفحات من كتاب، هناك البرامج التي لا تضر ولا تنفع لكنها مسلية وأنت تريد قضاء وقتك في راحة ودون تعب تفكير فتشاهد.
الجهاز نفسه ليس المشكلة بل الفضائيات، من بين مئات الفضائيات هناك ربما ٣ إلى ١٠ قنوات تستحق أن تبقى، لكن حتى هذه لم تعد تبرر مشاهدة الفضائيات.
(2)
نحتفل ونفرح بإنجاز الأشياء، بالوصول إلى نهاية الأشياء، قرأت ٥٠ كتاباً، كتبت ١٠٠ موضوع، أكملت ١٠ سنوات وأنا أفعل نفس الشيء، ولأننا في عصر الويب والمشاركة يشعر البعض - وأنا منهم - أن عليهم المشاركة بكل شيء، بمشاريعهم وأفكارهم وتحدياتهم، ويمكنك العودة لأرشيف هذه المدونة لترى قائمة لا نهاية لها لمشاريع بدأتها ولم أنجز شيئاً منها.
عندما نحاول تسجيل كل شيء ومتابعة كل هدف تصبح العملية نفسها أهم من الغاية، ولأننا نكتب للآخرين فنحن نشعر أننا ملزمون بإكمال السير في الطريق حتى بعد أن أصبح متعباً ومملاً ولم يعد يعطينا فائدة، ما الذي حدث لفعل الأشياء لمجرد أننا نستمتع بها؟ دون أن نخبر أحداً، دون أن نكتب عنها أو نصورها؟
وما المشكلة في التوقف عن فعل الأشياء عندما لم تعد تعطينا دافعاً أو متعة أو فائدة؟
(٣)
المجمتع الاستهلاكي هو أساس كثير من مشاكل عالمنا، لأن الاستهلاك كفكرة مرتبطة بالمال والاقتصاد وهذا بدوره يؤثر على التعليم وعلى السياسة وقد يكون دافعاً ومحركاً لبعض الحروب، وكل هذا له أثر على الناس لأن فكرة العمل تؤثر على التعليم منذ بدايات حياتهم، الطفل يبدأ تعليمه في بعض الدول وهو في الرابعة من عمره ويبقى في مجال التعليم إلى أن يتجاوز العشرين من العمر وكل هذا لكي يصل إلى وظيفة تعمل كقطعة صغيرة لتشغل المحرك الكبير لكل شيء وهو الاقتصاد، مقابل العمل هناك وقت فراغ كل يوم وفي نهاية الأسبوع، ولديك كل هذه الوسائل الاستهلاكية الضحلة التي يمكنك أن تستخدمها لقضاء وقت فراغك لتعود إلى دوامة العمل مرة أخرى.
الإعلانات والإعلام يستخدمان للتلاعب بالناس وجرهم نحو اتجاهات قد لا تخدم مصالحهم، أشتري لكي تكون أفضل، أشتري لكي تعجب بك النساء، أشتري لكي تظهر بشكل أفضل، أشتري لتحل أي مشكلة في حياتك، والإعلام يلعب دوراً في تحريك المشاعر وتوجيه الأفكار ليخدم فئة من الناس قد لا تتوافق مصالحها مع مصالح المشاهدين.
المجتمع الاستهلاكي والثقافة الاستهلاكية، الموضة المتغيرة التي لا تتوقف عن محاولة تغيير أذواق الناس ودفعهم لشراء المزيد لأن ما قررته الموضة قبل ٤ أشهر لم يعد ذوقاً سليماً، الإعلانات والعلامات التجارية وأثرها على حياتنا، فكرة ان الاقتصاد يحتاج لنمو دائم، فكرة أن التعليم يحدث في المدارس والجامعات فقط وأن التعليم الذي يعتد به هو ذلك الذي ينتج شهادات وما غيره لا يستحق أن نلتفت له.
كل هذه الأفكار بحاجة إلى تغيير وأحياناً تدمير، بحاجة إلى نقد مستمر وبحاجة إلى التفكير في بدائل، الناس لا يعيشون في هذا العالم لكي يسيروا في طرق حددها لهم المجتمع مسبقاً، نحن لا نعيش لنعمل ونستهلك.
(٤)
أي تخطيط جديد في مدننا، أي إضافة جديدة أو مدينة جديدة يجب أن تصمم للناس قبل السيارات، من العيب أن تخطط مدننا على أساس أن الناس سيستخدمون السيارات قبل أرجلهم، التصميم للسيارات يعني مساحات كبيرة تأخذها الطرق والمواقف وتكاليف كثيرة لإنشاء وصيانة هذه الطرق وتوسيعها لاحقاً وإضافة الجسور والأنفاق.
في حين أن التصميم للناس يوفر كل هذه التكاليف ويعطينا مساحات لكي نتواصل أكثر، لكي نمشي أكثر، لكي تصبح الأشياء قريبة منا فلا حاجة للسيارة لشراء بعض الفواكه وكيس قهوة مطحونة، يمكنك فقط أن تخرج من المنزل وتمشي خمس دقائق دون أن تخاف على نفسك من السيارات، ترى الناس حولك وتعرف بعضهم وتلقي بالسلام عليهم وتتوقف لتتحدث مع بعضهم، السيارات لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنها سجون معدنية متحركة.
عندما تصمم المدن للنشاط والحركة فلن نحتاج أن نتحدث كثيراً عن الرياضة والصحة، الناس سيمشون أكثر، سيستخدمون السلالم وسيصبحون أكثر تواصلاً مع الآخرين، لأن تصميم البيئة من حولهم يشجعهم على فعل ذلك، هذا خير من ألف حملة توعية تنفق الكثير على التسويق والإعلان.
1 تعليقات:
السلام عيكم.
اخي عبد الله هل سبق ان قراءة: العادات السبع للناس الأكثر فعالية.
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.