السبت، 4 أكتوبر 2014

شتات الذكريات من السوق القديم

ماذا يحدث عندما يفقد الإنسان الأماكن التي ارتبط بها وله ذكريات فيها؟ شخصياً وفي أبوظبي فقدت كل الأماكن التي كان لها مكان في حياتي، كلها بلا استثناء ذهبت وجاء بدلاً منها أشياء جديدة وبالتالي أشعر أنني فقدت شيئاً لا أستطيع وصفه، المجمع الثقافي مات كمؤسسة ومكان وإن كان المبنى لا زال موجوداً هناك وهذا يعطيني بعض الأمل بعودته إلى نشاطه السابق، بحر البطين تغير كلياً ولم يعد له صلة بما كنت أعرفه هناك، لم يعد عفوياً بسيطاً كما كنت أذكره، كنت أحياناً أهرب من المدرسة لأجلس على شواطئ هذا البحر وأراقب الصيادين وهم يبيعون أسماكهم أو أتناول وجبة في مطعم هندي رخيص، السوق المركزي السابق هدم منذ سنوات وفي مكانه ظهرت مبان ليس لها أي صلة بماضي المكان.

السوق المركزي في أبوظبي يقسمه شارع إلى نصفين، أحدهما يسميه الناس السوق القديم، والآخر يسمى السوق الجديد، أذكر أنني كنت أحب القسم القديم منه أكثر من الجديد، لأن القديم يبدو لي رحباً ومرحباً بالناس، إليك ما أذكره من السوق، كان هناك طريق عريض يقطع السوق في منتصفه من أوله إلى آخره، رصيف واسع يسير فيه الناس دون أي خوف من السيارات، على جانبيه محلات مختلفة وتقطع المحلات أحياناً حدائق صغيرة وممرات وكثير من هذه الممرات لها سقف يحمي الناس من الشمس.

أذكر زياراتي للسوق مع أمي حفظها الله، سنمر على محلات أعرفها وسأتمنى أن تتوقف قليلاً عند محل المرطبات لتشتري لي عصير برتقال أو موز أو تطلب ثمرة نارجيل نشرب مائها ونأكلها، وأحياناً نمر على مطعم هندي نطلب منه كيساً أو كيسين من السمبوسة الهندية الحارة، ولا بد من زيارة محلات العطارة التي يديرها في الغالب إيرانيون ونشتري منهم ما يلزم وأكثر مما يلزم فهم يبيعون المكسرات والحلويات ولوازم الطبخ على اختلافها والبهارات وأنواع مختلفة من الأعشاب، ولا زالت هذه المحلات موجودة إلى اليوم، أعني نوعية المحلات لكن في أماكن جديدة.

أذكر زياراتي للسوق مع الأصدقاء وزياراتنا لمحلات ألعاب الفيديو والإلكترونيات، في ذلك الوقت كان لألعاب الفيديو سحر مختلف، اليوم ألعاب الفيديو متوفرة في الشبكة، في الماضي كان عليك أن تذهب إلى محل وتجرب اللعبة هناك، وإن كانت اللعبة مغلفة بالبلاستك الشفاف قد يرفض البائع أن تجربها فإما أن تشتريها أو لا تفعل، وهذه مغامرة كبيرة للبعض خصوصاً أن الألعاب كانت غالية السعر.

أذكر الجسر الذي يربط بين قسمي السوق ويجعلك تسير فوق السيارات فلا حاجة لقطع الطريق، وفي القسم الجديد من السوق كانت هناك محلات قليلة نزورها، محل لمعدات الرياضة كان ضرورياً أن نزوره كل عام دراسي جديد لكي نشتري لحصص الرياضة ما يناسبها من ملابس، كان هناك محل للخياطة كنت أكره كثيراً زيارته لكنه كان خياط البيت وكان أبي رحمه الله يتعامل معه، سبب كراهيتي كان غبياً حقيقة لأنني كنت أفسر ابتسامة البائع على أنها نوع من السخرية في حين أنني أعلم اليوم أنها عادة كثير من الهنود، فهم يبتسمون للجميع سواء كانوا يريدون بيع شيء أم لا، حتى ذلك الهندي في الشارع الذي يمارس الرياضة وليس له أي علاقة بي أجده يبتسم لنفسه وللآخرين ويحرص على إلقاء السلام على الجميع.

عندما بدأت أكتب هذا الموضوع أردت أن أجعله طويلاً متخماً بالتفاصيل لكن ذكرياتي لم تسعفني، لذلك إليكم بعض الصور مع تعليقات.

المصدر: Smeggy
القسم القديم من السوق القديم، هذا جانب من الممر الطويل الذي يقطع القسم القديم من السوق إلى نصفين، محلات على يمين ويسار الممر وبعض الحدائق القديمة، في الصورة ترون الرجل يجلس أمام الميزان، لا أذكر ما وظيفة الميزان، هل هو وزن الأشخاص أم الناس؟ الصورة من عام ١٩٨٦ بالمناسبة.

المصدر: Smeggy
 هذه صورة من القسم الجديد للسوق، بين ممراته الضيقة تكون هناك ساحات واسعة مثل هذه، لاحظ بائع الكتب الدينية والمسابيح، كان هناك كثيرون مثله، أذكر أن هناك بائع للكتب له محل خاص في القسم القديم.

المصدر: Smeggy
 ممر من القسم الجديد للسوق، ضيق المكان كان يجعلني أفضل القسم القديم.

المصدر: Smeggy
صورة من فوق الجسر الذي يربط قسمي السوق، الآن هناك جسر آخر لكنه مغلق، أعني أنه جزء من بناية ومحاط بالزجاج وبالتالي لا يمكن للماشي فيه أن يرى الشارع أسفله بسهولة كما في الجسر القديم.

المصدر: Panoramio
جانب من الممر الطويل للسوق القديم، هناك محل مرطبات على يمين الصورة وهو ما يفسر وجود الكراسي.

هذا كل شيء، كنت أود أن أجمع مزيداً من الصور وأكتب المزيد لكن هذا ما وجدته، ربما لو اجتمع كثير من الناس على مشروع في الشبكة يجمع ذكرياتهم وصورهم سنجد الكثير من المحتويات، من يدري ماذا يخبأ الناس في منازلهم من دفاتر للصور؟ ربما هناك عشرات أو مئات الصور التي لم يرها أحد منذ سنوات طويلة وتحتاج إلى أن تجد حياة جديدة في الشبكة.

2 تعليقات:

حازم سويلم يقول...

صديقى، عبد الله المهيرى.. تحية طيبة وبعد..
هناك الكثير مما فقدناه أو ضاع مع توالى العمر والزمن، أشياء نتذكرها من بعيد فتبدو لنا مثل منزل الجد والجدة رحب وملئ بما يمكننا ان نستكشفه. لكن دوام الحال من المحال، سيما وان كان التطور فى اغلبه هو سير عكس الطبيعة البشرية فنجد حاليا البيوت والاسواق أضيق مما عهدناه فى زمن مضى.. الاماكن الطبيعية التى كانت تأثرنا تم أسرها لصالح من يدفع أكثر..

غير معرف يقول...

احلى ذكريات عشتها في طفولتي
درست في مدرسة ابن سينا ثم زايد الثاني ثم ثانوية ابوظبي وحصلت على الثانوية العامة سنة 1987

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.