الجمعة، 27 يونيو 2014

هذه مشكلة الإعلانات

ليو بابوتا تحدث في موضوع عن الإعلانات وكيف أنها تتعارض مع التبسيط، بل في أول جملة من مقاله يعتبر الإعلانات أكبر عائق لحياة بسيطة، ثم كتب يشرح ذلك وأجد أن ما قاله هو بالضبط ما اؤمن به.

مشكلة الإعلانات أنها تخلق الحاجة، عندما تتصفح صحيفة ثم ترى إعلانات محل أثاث وصورة لغرفة جميلة قد تفكر بأنك تريد ما تراه في الصورة، خيالك سيلعب لعبة يصور فيها نتيجة الشراء سعادة وانشراحاً وغرفة جميلة، لكن في الواقع قد تشتري كل ما في الصورة وتبقى الغرفة تعيسة لأسباب كثيرة، منها أن الإعلانات تبالغ في تحسين صورة المنتجات وتربطها بالحياة السعيدة والحياة التي يصفها البعض بالإنجليزية بكلمة "كول".

الإعلانات لا تعرض الحقائق بل تلعب بالمشاعر، الشركات الكبرى أنفقت ملايين الدولارات على أبحاث علم النفس لمعرفة ما الذي يدفع بالناس إلى الشراء، هم يعرفون ويتوقعون كيف سيتصرف الناس بناء على أبحاث كثيرة، ونتيجة هذه الأبحاث جعلتهم يعرفون أن تحريك المشاعر هو محرك أفضل للشراء من الحديث عن الحقائق، مثلاً إعلان سيارة لن يخبرك عن مواصفات السيارة إلا لكي يحرك مشاعرك، محرك ٨ أسطوانات خارق وهادئ يعطيك قوة وسرعة بأقل مجهود، ثم تظهر لك صور سيارة تعبر شارعاً جميلاً في منطقة جبلية إيطالية لم ترها طوال حياتك، الآن أنت تتخيل نفسك في هذه السيارة الجميلة الفاخرة، أصبحت لديك حاجة لشرائها، مع أنك لن تقودها في منطقة جبلية إيطالية بل بين إشارات المرور وفي الزحام وأقرب مكان طبيعي هي صحراء رملية قاحلة!

لكن حتى الرمال يمكنها أن تصبح رومانسية، سيارات الدفع الرباعي يصورونها على أنها سيارات للمغامرة ولخوض الصحاري والسير فوق الجبال، ترى صورة رجل يجلس أمام نار أشعلها والشمس تغرب وبجانبه سيارته ذات الدفع الرباعي، في حين أن حقيقة معظم هذه السيارات أنها تسير في المدن معظم إن لم يكن طوال حياتها، سائقوها لا يحتاجون الدفع الرباعي ولا المحرك القوي ولا المبلغ الكبير الذي دفعوه وربما ما زالوا يدفعونه للبنك.

الشركات تعلم كيف تضع المنتجات على الأرفف، وكيف توزعها في مساحة المحل، كل شيء في المحل وضع في مكانه لأسباب علمية بحثوها جيداً في عقود مضت ولا زالوا، بل بحثوا كل التفاصيل الأخرى كالإضاءة والرائحة - نعم الرائحة! - والألوان والموسيقى، هل تعلم أن بعض المحلات تتعمد وضع موسيقى مزعجة؟ لأنها تدفع بعض الناس للشراء دون تفكير، هذا ما أذكره مما قرأته، بالطبع الموسيقى الهادئة أيضاً لها دور لكن في بعض المحلات وفي المقاهي.

والشركات تعلم أنها إن استمرت في الدعاية بأشكال مختلفة ونجحت في جذب انتباهك مرات عديدة فقد تستطيع أن تدفعك للشراء، وكما قال ليو في مقاله، أسوأ ما في الإعلانات أنها تجعلك تشعر بما ينقصك، أناس لديهم هواتف رائعة وأنت لا تملكها، لديهم سيارات فخمة وأنت ليس لديك مثلها، لديهم حياة جميلة وأنت ليس لديك هذه الحياة، أنت تريد هذه الحياة الآن بعد أن رأيت كل ما ترى من الإعلانات، ومجتمع إستهلاكي سيدفعك لكي تصبح فرداً استهلاكياً، فالراتب وظيفته أن يدفعك للاستهلاك أكثر، ثم لا يكفيك فتستدين أو تبحث عن عمل آخر يدفع لك أكثر لكي تشتري أكثر وتستمر الدائرة هكذا إلى ما لا نهاية حتى تقرر كسرها.

ثم هناك حقيقة أنك لن تكون سعيداً مهما حاولت فعل ذلك بشراء الأشياء، لن أنكر حقيقة أن شراء الأشياء تجعل المرء سعيداً لفترة قصيرة ثم تأتي حقيقة أنك متورط مع شيء جديد قد لا تحتاجه ولا تريده، أو شيء يتطلب منك انتباهاً ووقتاً وتنظيفاً وتنظيماً ورعاية دائمة وربما تكاليف جديدة، أنت اشتريت لأنك تصورت أنك ستجد شيئاً مما رأيته من الإعلانات لكن الإعلانات مجرد خيال صمم لكي يدفعك للشراء، مهما حاولت الوصول لهذا الخيال فهو خيال، واقعك مختلف عنه.

مشكلة أخرى للإعلانات أنها ستكون هناك أمامك حتى لو لم ترغب في مشاهدتها، لهذا السبب أستخدم إضافة منع الإعلانات في المتصفح ومنذ أن عرفت هذه الإضافة قبل سنوات عديدة، وأستغرب حقاً لم لا يستخدمها كل الناس، لأن المواقع أقل إزعاجاً بوجود هذه الإضافة.

لكن من أين آتي بإضافة تمنع الإعلانات في الشوارع؟ قد أستطيع التوقف عن مشاهدة التلفاز وهذا ما أفعله، وأستطيع التوقف عن الاستماع للإذاعات التي تضع الإعلانات وهذا يشمل كل الإذاعات المحلية بما فيها إذاعة القرآن الكريم، أستمع للبي بي سي لأنها بدون دعاية وتقدم برامج كاملة.

مع ذلك الإعلانات ستأتيك من طرق مختلفة، من تتابعهم في الشبكات الاجتماعية، الإعلانات في الأماكن العامة، الإعلانات المطبوعة التي ترميها المؤسسات في المنازل، مطاعم ومحلات كبرى تقذف بهذه الإعلانات في كل ناحية دون أن إذن منك أو من أي شخص آخر، الرسائل الإعلانية الهاتفية التي مهما حاولت أن أوقفها فلن تتوقف.

ونحن مقبلون على شهر كريم يتحول في التلفاز إلى شهر إعلانات، التلفاز يتغير ليصبح إعلانات تتخللها فواصل من البرامج والمسلسلات، لذلك هذا تذكيري السنوي: توقفوا عن مشاهدة التلفاز! الفضائيات لا تحترم المشاهدين قبل رمضان وفي رمضان تزداد وقاحة وبأعذار أقبح من الذنب.

خوفك من أن يفوتك شيء قد يمنعك من أن تتوقف عن مشاهدة التلفاز، وإليك الحقيقة: مهما عشت فحياتك أقصر من أن تشاهد وتقرأ وتستمع وتجرب كل شيء، لذلك عليك الاختيار، وقد اخترت شخصياً ألا أشاهد التلفاز، أو أقرأ الصحف، أو أستمع للإذاعات سوى إذاعة واحدة، وقد حان الوقت لأن أفعل نفس الشيء مع الإنترنت.

بهذا الموضوع سأنقطع عن الشبكة مرة أخرى، أراكم على خير بعد رمضان إن شاء الله.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.