الاثنين، 7 أبريل 2014

انتصرنا على الملل وهذه مشكلة

توقفنا عند الإشارة الضوئية فأخرج هاتفه الذكي وبحث فيه ثم أعطاني إياه لكي أرى مقطع فيديو لقرد يعتني بدجاجة! كنت أشاهد الفيديو ويشاهده معي فكنت أرفع بصري بسرعة نحو الإشارة وأعود لكي لا تفوتنا الإشارة الخضراء وحتى لو تأخرنا قليلاً سينبهنا من خلفنا لكنني لا أود سماع صوت المنبهات.

انتهى المقطع سريعاً وأعطيته الهاتف وتغير لون الإشارة إلى الأخضر، انطلقنا وبدأت أفكر كم أكره الهواتف الذكية حقاً، لأنني حتى لو لم أمتلكها فهناك أناس حولي يمتلكونها ويرون أنه من اللازم علي رؤية هذا المقطع أو ذاك، وأنا لا أقول لأحدهم "لا" ولا أجد مشكلة في أن أرى ما يريدونني أن أراه، لكن بعد تكرار الأمر مرات كثيرة في أوقات غير مناسبة بدأت أتضايق حقاً.

يبدو أن البعض يريد إلغاء وقت الفراغ تماماً فلا تبقى لحظة دون فعل شيء فيها وهذا في حد ذاته مشكلة، لأن النفس تحتاج لوقت الفراغ لكي تخرج من حالة وتستعد لحالة أخرى، لكن البعض لم يعد يريد أن يجرب هذا الوقت الفارغ من أي شيء فتجدهم يحاولون فعل أي شيء، ولأن الهواتف الذكية متوفرة معهم في كل وقت تجدهم يراقبون هذه الشاشات متنقلين بين صورة ومقطع فيديو ولعبة فيديو وتواصل سريع عبر الشبكات الاجتماعية حتى ينتهي وقت الفراغ الذي قد لا يستمر أكثر من دقيقتين لكنهما في نظر البعض دقيقتان من الجحيم إذ لا صبر لهم وبالتالي عليهم فعل أي شيء والهاتف الذكي يقدم "أي شيء" لأي شخص.

لا أكتب هذه الكلمات لأنتقد الهاتف الذكي لكن لأشير إلى مشكلة أننا قتلنا وقت الفراغ، قتلنا الملل وهذه مشكلة، الناس بحاجة للملل، وقد قلتها سابقاً أن الملل ليس وجود شيء تفعله بل عدم وجود دافع لفعل شيء، ولا زلت عند كلامي لكنني الآن أضيف أن الملل أنواع، أو على الأقل نوعان: ملل الاكتئاب وهو عدم وجود دافع لفعل شيء وهذا نوع سلبي، وملل الفراغ: وهو وجود وقت لا تعرف كيف تستثمره وهذا ملل يمكن أن يكون إيجابياً.

ملل الفراغ تجده في أوقات الانتظار، عندما تدخل إلى مطعم أو مقهى وتجلس إلى طاولة وتنتظر أن يأتيك من يسجل طلباتك، عندما تذهب لمؤسسة حكومية وتأخذ رقماً وتنتظر دورك، عندما تذهب لعيادة وتنتظر، عندما تزور شخصاً فيدخلك إلى المجلس ويذهب ليعد لك شيئاً تأكله وتشربه، الوقت الذي تقضيه في السيارة من وإلى العمل، عندما تسافر وتقضي وقتك في الطريق، عندما تضطر للمشي من مكان لآخر أو عندما تمارس المشي، أنت تحرك قدميك وهذا لا يحتاج لكثير من التفكير لذلك المشي يعتبر وقتاً فارغاً كذلك وكل عمل آخر لا يحتاج للتفكير مثل قيادة السيارة يصبح وقت فراغ.

المشكلة أن البعض يخاف من الفراغ لأنه يجعلهم يفكرون في مخاوفهم، يفكرون في أخطاء الماضي ومجهول المستقبل، والبعض لا يريد ذلك، البعض يريد الهرب باستمرار من هذه الأفكار، لذلك الهاتف الذكي وسيلة رائعة لفعل ذلك، لا غرابة أن تسمع عن حوادث بين الناس وهم يمشون! يصطدمون بأعمدة الإضاءة أو ببعضهم البعض، لأنهم ينظرون إلى شاشات الهواتف وعقولهم لا تستطيع التركيز على أمرين في هذا الوقت.

والمشكلة مرة أخرى ليست في الهواتف بل في الناس، الهواتف وفرت فرصة لهم لكن حتى بدونها سيسعى البعض لفعل أي شيء آخر، البعض يعتبر الفراغ شيئاً كالجحيم أو هو الجحيم وينبغي تجنبه بأي وسيلة، وسيجدون الوسيلة مهما كانت صعبة المنال.

عندما تنتقل من شيء لآخر، من شبكة اجتماعية ترى فيها مختلف الأفكار والصور والطرائف ومقاطع الفيديو، إلى لعبة فيديو تطير فيها طيور تكره الخنازير، إلى تطبيق لتقييم المطاعم، إلى إرسال رسالة قصيرة لصديق في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، إلى الرد على مكاملة هاتفية والمشي في أرجاء الغرفة والعبث بأي شيء أو حتى العبث بهاتف ثان، عندما تنتقل بين كل هذه الأشياء وغيرها فلن يجد عقلك فرصة لأفكار مهمة لأعمالك وحياتك، لن يجد فرصة لتقييم وموازنة فرصة كثيرة وأفكار مختلفة ومشاريع شخصية تريد إنجازها، لن تجد وقتاً للإبداع وللإنتاج فأنت مستهلك دائم لإنتاج الآخرين وتهرب بهذا الاستهلاك من واقعك لكنك أيضاً تستهلك طاقتك فلا يتبقى لك شيء لكي تنتج وتصنع.

عليك أن تعطي عقلك شيئاً من الراحة والفراغ، إذا مررت بوقت فراغ أو انتظار فلا تحاول أن تفعل أي شيء، انتظر فقط، تنفس بعمق، انظر حولك، فكر بما ستفعله لاحقاً أو بما يجب أن تنجزه اليوم، أو حتى لا تفكر بشيء، أعط نفسك يوماً من الراحة، يوماً لا هواتف ولا إلكترونيات ولا إنترنت، المهم أن تفعل ما بوسعك لكي تعطي عقلك شيئاً من الراحة، أقول هذا وأنا مدرك أن التقنيات ستجعلنا نسعى للتواصل الدائم في كل مكان حتى الأماكن التي يفترض بها أن تكون شخصية جداً، قاوم إغراء المنتجات الاستهلاكية، أنت لست بحاجة لأن تشاهد مقاطع الفيديو وأنت تستحم!

8 تعليقات:

Abdulrhman يقول...

لذلك بدات بمحاولة ممارسة اليوجا :) !

حازم سويلم يقول...

حاولت قدر الإمكان تحاشى اقتناء هاتف ذكى لكل هذه الاسباب التى ذكرتها، وتيقنت منها بعدما ابتعت واحد منذ حوالى شهر وهو ببساطة: مضيعة حقيقية للوقت، ويجب عمل "كنترول" لنفسى كى لا أنجرف وراءه فى ما لا يفيد.

غير معرف يقول...

أوقات الفراغ تُساعد على المحافظة أو التقليل من تسارع الزمن، مثلاً تخيل أنك تعمل لشهر كامل دون راحة ودون أي وقت فراغ، فسوف يمر هذا الشهر كأنه إسبوع فقط، وربما يمر دون أن تنجز فيه المخططات، لذلك أوقات الفراغ تُساعد على مراجعة الخطط، ومايريد المرء عمله بدلاً من أن يعمل بدون تفكير.
أيضاً الزحمة في العمل تقلل من الذاكرة - أو هذا مانراه يحدث- والفراغ يُساعد على تنشيط الذاكرة

عبدالله المهيري يقول...

@Abdulrhman: هناك طرق كثيرة، شخصياً أفضل المشي بعد صلاة الفجر لأنه وقت هادئ، أياً كانت الوسيلة المهم هو الابتعاد عن الزحام :-)

@حازم سويلم: لا زلت بعيداً عن الهاتف الذكي وغالباً إن اشتريت واحداً سأستخدمه كهاتف عادي مع كاميرا جيدة فكل ما يهمني هي الكاميرا، التحكم بالذات صعب لكن هو الأساس لأنك أحياناً لا تستطيع أن تبتعد عن أسباب تضييع الوقت.

@أبو إياس: صدقت، أحياناً تمضي الأيام بسرعة دون أن أدرك ذلك وهي الأيام التي أكون مشغولاً فيها حقاً.

techecho يقول...

حتى في ظل عدم وجود هواتف ذكية، لا يكف البعض وأنا منهم أحياناً من فعل أي شيء، الناس لا تُقدر أهمية الراحة - راحة العقل، أنا في كثر من الأوقات أقوم بإجبار نفســي على الجلوس والنوم بدون فعل أي شيء وذلك لكي أستطيع فعل أي شيء بعد ذلك، حقيقي وبالتجربة كلنا في حاجة لراحة عقلية، أحاول تعويد ابني على ذلك، في كثير من الأوقات أجده يلعب ويلعب ويفعل أشياء غريبة بهدف اللعب، أحاول تعويده على الجلوس بدون فعل أي شيء.

ArtsJabyr يقول...

أوافقك الرأي أستاذ في ما كتبت، فعلا دوامة الهواتف الذكية وأكذوبة البقاء على اطلاع دائما تشوش الذهن ولا تبقي له وقتا للتأمل وهضم الأفكار بشكل هادئ مركز، الأدهى من ذلك والأمر أننا نتلقى من جراء هذه الدوامة تفاصيل كثيرة مبعثرة لا صلة بينها مما يشكل لدينا معرفة مجتزأة مضطربة لا نفع من ورائها، فنوهم بوسع الاطلاع لكن الحقيقة أننا لا نستفيد شيئا إلا مزيدا من الضبابية والغموض!

abdenour يقول...

عدم توافر وقت الفراغ بسبب كل هذه التكنلوجيات الجديدة والمشاغل المختلفة هو ماجعلنا لانشعر بمرور الوقت

SIMO GFX يقول...

معك حق, لطالما كرهت الهواتف الذكية لنفس السبب فهي تجلك تشعر كأنك في متاهة لا مخرج لها من التطبيقات و الالعاب وفي الاخير لا تستفيد شيئا سوى صداع الرأس و أمراض العينين

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.