الأحد، 24 يونيو 2012

أكثر عنفاً كل عام

ألعاب الفيديو بدأت رحلتها من المربعات ووصلت إلى شبه الواقعية ولا شك لدي أنها تقترب كثيراً من أن تصبح واقعية جداً في كل تفاصيلها، هناك برامج تحاكي الفيزياء وقوانينها، برامج تحاكي حركة الناس والحيوانات، برامج تحاكي التفاصيل الصغيرة كالشعر والريش والملابس، برامج تحاكي الضوء والماء والأبعاد وتأثير الظل على كل هذا، وكل جيل من هذه البرامج يبني على خبرات سابقة ويستعين ببرامج أخرى لتشكل في النهاية محرك لعبة يمكن استخدامه لإنشاء الألعاب التي تحاكي الواقع بأدق تفاصيله ويحتاج المرء منا أن ينظر جيداً ليعرف أنه يشاهد لعبة فيديو لا فيلماً سينيمائياً.

لنأخذ كرة السلة كمثال، فقد بدأت محاكاة هذه اللعبة مبكراً بهذا الشكل:



لاحظ أنه لا توجد تفاصيل لشخصيات اللاعبين بل فقط ألوان لا أكثر، والكرة ليست كرة بل مربع والسلة ليست سلة بل فقط مستطيل! هذا كان أكثر من كافي لأي طفل في ذلك الوقت، بمرور السنوات وتحسن مواصفات الأجهزة وصلنا إلى شيء مثل هذا، شاهد فقط أول دقيقة ونصف:



لو عرضت هذا المقطع في تلفاز ولم أخبر المشاهدين أنها لقطة للعبة فيديو سيحتاج البعض منهم للتفكير قليلاً قبل أن يعرفوا أنها لعبة فيديو، ولا شك لدي أن المحاكاة ستتحسن في السنوات المقبلة ومع ظهور أجيال جديدة من أجهزة ألعاب الفيديو تستطيع أن تقدم قوة معالجة كافية لمحاكاة أدق التفاصيل، وهنا تبدأ المشكلة أو بالأحرى تستمر لأنها بدأت منذ وقت طويل.

بما أن ألعاب الفيديو يمكنها أن تحاكي رياضة ككرة السلة والقدم أو تحاكي قيادة الطائرات أو حتى بناء المدن فهي أيضاً يمكنها أن تحاكي أشياء قبيحة مثل القتل والتعذيب والعنف بأشكاله وحتى أمور أكثر فضاعة من ذلك، ولأن التفاصيل تزداد فالصور تزداد واقعية وكذلك الأصوات ويمكن للمرء أن يعيش في عالم مرعب إن أراد ذلك، لهذا السبب يظن البعض أن العنف في الألعاب يزيد من عنف اللاعبين وهناك أبحاث حول ذلك وما فهمته منها أن العنف في الألعاب لا يجعل اللاعبين أكثر عنفاً إلا لمن لديه استعداد نفسي مسبق لذلك وهم قلة من الناس.

من ناحية أخرى يبدو أن شركات الألعاب تركز أكثر وأكثر على العنف والحركة كعامل جذب للألعاب وفي كل عام تزداد حدة العنف وتفاصيله ولا أدري إلى أين سنصل، لا أظن أن منتجي الألعاب لديهم خط سيتوقفون عنده ليقولوا أنه لا مزيد من العنف بعد ذلك، والأفلام بالمناسبة تسير على نفس النهج منذ وقت طويل، ومع أنني لا أشاهدها إلا أنني أجبرت مرت على الجلوس والاستماع لقصة أحد الإفلام البشعة وذكر المتحدث تفاصيلها حتى أنهيت الحديث بأن أقول بأنه فيلم بشع ومن يخرجه وينتجه ويشارك فيه بأي شكل أو حتى يشاهده لا إنسانية فيه أو عقل، لا أريد الاستماع لمزيد من البشاعة.

هناك بدائل لمثل هذه الألعاب وهناك مطوري ألعاب يرفضون العنف كوسيلة جذب أو حتى يرفضونه لأن أذواقهم ترفضه، هؤلاء المطورين أنتجوا ألعاباً قد تحوي عنفاً لكنه عنف مختلف ومقبول وقد يكون مضحكاً أحياناً، خذ على سبيل المثال ماريو، هذا الشخص منذ ظهر في الثمانينات وهو يقتل السلاحف بالقفز عليها، هذا عنف وقتل لكنه مختلف في تفاصيله، لن تجد بشاعة في الصورة أو بشاعة في الصوت بل ستسمع وتشاهد أشياء جميلة والبعض يعتبرها فناً هذه الأيام.



هناك أمثلة أخرى كثيرة لألعاب جميلة وممتعة، السؤال هنا: لم يتوجه الناس نحو ما هو بشع؟ وإلى أي حد سيصلون في تقبلهم للبشاعات؟ ثم سؤال آخر: لم يشتري بعض الآباء ألعاب وأفلام العنف لأطفالهم؟

هناك شيء ما يجعلني أشعر أن العنف في الأفلام والألعاب خطأ كبير وهو ليس مجرد اختيار يمكن تجنبه، لا أدري كيف أعبر عن ذلك، أشعر بأن ذوق الناس يفترض أن يستهجن هذا العنف ويبتعد عنه مع ذلك هناك من يريده ويطلبه والمنتجون يلبون هذه الرغبات ما دامت أنها تحقق لهم أرباحاً.

وفي موضوع آخر تماماً ولأنني أحاول الهروب بلا فائدة من الأخبار، أبارك للأخوة في مصر اختيار الرئيس الجديد، أظن أنه حان الوقت للتوقف عن الجدال السياسي وغير السياسي والتحرك من أجل نهضة بلدكم، الأفعال أعلى صوتاً فدعوها تتحدث بدلاً من الحناجر.

9 تعليقات:

A.K. AlSuwaidi يقول...

ما يجعلك تشعر أن العنف والقتل في الأفلام والألعاب خطأ هو أنك صاحب فطرة سليمة.. ولكن من يصنع الأفلام والألعاب يفكر في عدد المبيعات وارتفاع أسهمه.. إنه باختصار الجشع..

وعلى ذكر موضوع النهضة.. أتمنى أن تخصص شيئا من وقتك لدراسة كتب مالك بن نبي ^.^

A.K. AlSuwaidi يقول...

الآن فقط شاهدت مقتطفات الفيديو المرفقة.. وُفِّقت في المقارنة في لعبة كرة السلة.. كانت ممتازة..
وأما سوبرماريو.. فالفيديو أسعدني!

قرأت ما قلت بأنه يقتل السلاحف.. وصلتني المعلومة ولم أهتم أكثر.. ولكن بعد مشاهدة المقطع قلت.. "صدق يچتل!"

أعتقد أن طريقة رسم الشخصيات فيه والمؤثرات الصوتية الفكاهية المنتقاه هي من العوامل التي"تلطف" المسألة وتجعلنا نبتسم دون أن نشعر بحقيقة عملية "القتل"

غير معرف يقول...

السلام عليكم ...
أنا صراحة من محبي ألعاب العنف و القتل و الاجرام بأنواعها :D
فهي "أحيانا" تجعلك تفرغ ما في نفسك من غضب في لعبة ما بدل افراغها على شخص حقيقي كما أن الألعاب البسيطة كماريو لا تستهويني مطلقا ..
فالألعاب الحربية تحاكي الواقع من حيث شكل اللاعبين و صوت الرصاص و الصراخ و البكاء و كل شيء ..

عبدالله المهيري يقول...

@A.K. AlSuwaidi: منذ وقت طويل وأنا أحدث نفسي لشراء كتب بن نبي، سأفعل في أقرب فرصة.

@TCanon: لست هنا لأحكم على أحد، وأتمنى لو أجد إجابة حول المدى الذي يمكن للشخص أن يقبله من العنف، بمعنى هل هناك شيء سيجعلك تقول: لا أقبل بهذا الكم من العنف؟ أم أن كل شيء مقبول ما دام أنه مجرد لعبة؟

بخصوص تفريغ الغضب، كنت أحد هؤلاء الذين يغضبون بشدة وفجأة ويرتكبون الحماقات وكنت أضع دائماً عذر "التفريغ" كسبب لهذه الانفجارات، لم يعد هذا يحدث بعد أن ارتكبت حماقة جعلتني أخسر الكثير، الغضب مشكلتي والتفريغ لن يكون بأي وسيلة سوى أن أزيله من نفسي بنفسي دون أي وسيلة خارجية، هذا يحتاج لتدريب طويل.

وسام السراج يقول...

اخي عبد الله كلامك صحيح لكن من ناحية اخرى ترى ان شركات الالعاب ماهي الا مسوق لافكار مطلوبة في السوق تخضع لقانون الطلب ، ما ينجح في السوق هو المرغوب فالخطأ في التركيبة النفسية للمستهلكين .
ايضا و انت ادرى مني بهذا الموضوع ان الافلام و الالعاب لها تصنيفات عمرية تعتمد على المحتوى و جميعها تخضع الى نوع من الراقبة.
بشكل عام عام لا اشجع و لا امنع الباب مفتوح على مصرعيه و اختار ما يتناسب مع شخصيتك و خلفيتك الثقافية.

كريمة سندي يقول...

والله أبناؤنا هم من يتأثرون بالعنف مع الأسف .. موضوع قوي الطرح والمضمون جزاك الله خير الجزاء

Abraham يقول...

إن موضوع الألعاب والعنف والمواضيع غير الأخلاقية فيها أصبح مثيرا للجدل منذ وصول تكنولوجيا الألعاب إلى الحد الذي أمكن فيه محاكاة الواقع بشكل كبير.
هناك دراسات تنفي العلاقة بين تأثير اللاعبين بالعنف داخل الألعاب كما أن هناك جماعات تظن أن التأثر موجود لكن يبدوا أن الأمر غير محسوم. كما أن لب الموضوع هو فئة الأطفال الصغار وما يمكن أن يتعرضوا له من تأثيرات على توازنهم وتطورهم النفسي حيث يظهر هنا دور منظمات التصنيف في الدول الغربية والتي هي غائبة تماما في الوطن العربي والاستهلاك مفتوح مع خط دفاع وحيد متمثل في وعي البالغين المحيطين بالأطفال.

كل هذا راجع لكون صناعة الألعاب أصبحت صناعة مالية تتأثر بالسوق والأرباح، لابد لها من التغير وبهذا أصبحت تعكس تغير الثقافة بشكل عام (العولمة) فالعنف يحيط بنا دوما -مهما كان نوعه أو درجته- كما أن الألعاب توظفه كإطار واقعي أو حتمي، فلا أنظن أن هناك ألعابًا تمجد الشر والعنف صراحة كهدف يصبوا إليه اللاعب.
رغم كل هذا لا زلنا نملك حرية الاختيار لوجود التنوع فمع وجود ألعاب عنيفة لازالت تصدر ألعاب غير عنيفة نسبيا، مرحة وبسيطة. وهذا أمر يدعو للتفاؤل.
شكرا لك على الموضوع.

عبدالله المهيري يقول...

@وسام السراج: كثير من المنتجات لم يطلبها السوق إنما طورتها الشركات وخلقت معها الطلب، بمعنى لو لم تطور الشركات ألعاب العنف هل سيكون عليها طلب؟ أما التصنيفات فهي تفقد قيمتها بمرور الأيام، ما كان في الماضي يصنف للكبار أصبح بالتدريج يصل للصغار وهذا يحدث للألعاب والأفلام.

@كريمة سندي: شكراً أختي الكريمة.

@Abraham: كما قلت للأخ وسام، التصنيفات تفقد قيمتها لأن ما كان مقبولاً في الماضي للكبار فقط أصبح مقبولاً للصغار والتصنيف الغربي يعتمد على ثقافتهم.

غير معرف يقول...

الحمد لله أنا وأولادي نلعب فقط بألعاب لينكس، ومعظمها ثنائية اﻷبعاد، وتعتمد على التفكير أكثر من العنف، ولا تجعلهم يجلسون بالساعات مثل اﻷلعاب الحديثة ذات المراحل المتعددة.
كُنت قبل فترة ألعب لعبة سباق سيارات، وأصبحت مدمن عليها لفترة، وفي اللعبة يجب على السيارة أن تقوم بصدم السيارات الأخرى حتى لا تفوتها، كُنت أخاف أن أقوم بهذا الفعل وأنا سائق السيارة الحقيقية، فيمكن أن ينسى اﻹنسان ذلك عند اﻹدمان الشديد.

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.