الأربعاء، 17 أغسطس 2011

الظروف والحظ ونجاحك

انتهيت من قراءة كتاب Outliers وهو أحد أهم الكتب التي قرأتها مؤخراً، فكرته بسيطة لكن الكاتب شرح الفكرة بالعديد من الأمثلة في أكثر من 250 صفحة، لن ألخص الكتاب هنا لكن أريد فقط أن أذكر بعض النقاط فيه، من بينها أن التميز والنجاح ليس فقط نتيجة جهد المرء وعمله بل كذلك نتيجة ظروفه والحظ، هذه فكرة كانت تدور في ذهني منذ أن بدأت أقرأ في كتب التطوير الشخصي قبل ما يزيد عن 10 سنوات، هذه الكتب تؤكد مرة بعد مرة أن النجاح هو جهد الإنسان لكنها لا تشير إلى أن ظروف الإنسان قد تحدد مصيره، أن يكون المرء من أسرة غنية متعلمة يعني أن لديه فرصة أكثر للنجاح من الشخص الذي يولد في أسرة فقيرة، هذا ما يريد البعض أن ينفيه كلياً ويؤكد أن النجاح هو فقط جهد الإنسان وعمله، في حين أن هذه الفكرة تضع مزيداً من الضغط على من يعيش في ظروف صعبة، كيف نقارن بين من يعيش في بيئة توفر له فرص النجاح ومن يعيش في بيئة تغلق الأبواب في وجهه؟

الكاتب لا يقول بأن الإنسان الذي يعيش في بيئة صعبة لن ينجح لكن فرصته في النجاح أقل من الشخص الآخر الذي يعيش في بيئة توفر له الفرص، الأمثلة التي ضربها على ذلك كثيرة، منها بيل غيتس الذي قال بنفسه "أنا محظوظ" لأنه وجد فرصاً لم يجدها كثير من الناس في جيله، فرص جعلته يجلس ليبرمج حواسيب تكلف الملايين ويتعلم لأشهر ثم فرص ليبرمج لشركة أخرى، فرقة الغناء البيتلز حصلت كذلك على فرصة لممارسة الغناء لساعات كل يوم في مدينة هامبورغ الألمانية ... أعلم أن البعض سيتعرض على هذا المثال لكن لا يهم هنا، المهم هو أنهم حصلوا على فرصة للتدرب المكثف وممارسة ما يحبونه قبل أن تبدأ شهرتهم.

لنتصور أن بيل غيتس لم يحصل على فرصة للتدرب وبرمجة حواسيب كانت في تلك الأيام نادرة ومن يستخدمها قلة نادرة من الناس، هل في ظنك سيكون هو نفس الشخص الذي نعرفه اليوم؟ الكاتب يذهب لأبعد من ذلك ليقول بأن هناك جيل من المبرمجين ومالكي شركات الحاسوب والبرامج كانوا محظوظين بولادتهم في سنوات قليلة محددة جعلتهم في السن المناسب لاستقبال التقنية الجديدة المتمثلة في الحاسوب، من بينهم مؤسسي شركة أبل ستيف وزنياك وستيف جوبز، هؤلاء وغيرهم كانوا محظوظين بأن كانوا في السن المناسب في الوقت المناسب وحصلوا على فرص للتدرب لساعات كثيرة قبل أن يبدأوا شركاتهم.

ويتحدث المؤلف كذلك عن تأثير ثقافة الإنسان على قدراته، الآسيويون متفوقون في الرياضيات ليس لأنهم أذكى بل لأن ثقافتهم تحث على بذل الجهد والجدية في العمل والتدرب، كذلك اللغة قد تساعد، الصينية مثلاً حروفها ونحوها يجعلان الطفل الصيني يتفوق في استخدام الأرقام أكثر من نظيره الأوروبي والأمريكي.

لا يمكن بعد ذلك أن نقول بأن جهد الإنسان فقط هو ما يحدد نجاحه، هناك حالات من عدم تكافئ الفرص بين أفراد المجتمع ويمكننا أن نعالج كثيراً منها، فمثلاً الأسر الغنية ترسل أبنائها لمدارس خاصة تقدم تعليماً أفضل من المدارس الحكومية، سبق أن قلت بأنني أفضل التعليم المنزلي على المدرسي لكن علي أن أستثني وأقول إلا إن كانت المدرسة ممتازة حقاً وهذا لن يحدث إلا في المدارس الخاصة التي تحرص على تقديم أعلى مستوى من التربية والتعليم وهي تكلف الكثير وبالتالي الأسر الفقيرة لا يمكنها أن تتحمل تكلفة المدارس الخاصة، هنا لدينا عدم تكافئ فرص، يفترض بالتعليم الحكومي المجاني أن يرتفع بمستواه أو يمكن أن تخصص الحكومة مدارس محددة لتقدم تعليماً أفضل وتختار الطلاب عشوائياً، هذا ما تفعله مدارس KIPP في أمريكا التي تقدم تعليماً أفضل وتختار الطلاب عشوائياً، المؤلف ذكر فرعاً لهذه المدرسة يقع في أحد أسوأ الأحياء الأمريكية في نيويورك، المدرسة أعطت فرصة لكثير من الطلاب الفقراء الذين لن يجدوا أي فرصة أخرى والنتيجة أن الطلاب معظمهم متفوقون ويحبون الرياضيات، هذا يعني أن المدرسة تعطي لهؤلاء فرصة أكبر للنجاح في المستقبل.

نقطة ثانية في النظام التعليمي وهو الوقت، عندما نجعل التعليم سباقاً يكون الأول فيه هو الفائز فهذا يجعلنا ننظر لمن لم يفز بأنه خاسر وربما يصبح بعد ذلك فاشل، في حين أننا نعلم جيداً بأن الناس لديهم مستويات مختلفة في التعلم، هناك من يفهم بسرعة وهناك من يحتاج لوقت والنظام التعليمي لا يضع هذا في الحسبان ويضع توقيتاً صارماً لكل الطلاب ومن لم يفهم قبل الامتحان ويفشل في الامتحان عليه إعادة العام الدراسي والتأخر عن بقية زملائه، شيء بسيط لكن أثره يبقى لمدة طويلة وربما طول حياة الإنسان.

هل أنا بحاجة لذكر أمثلة لأطفال فشلوا في التعليم ثم نجحوا في حياتهم؟ السؤال هنا هو كم عدد الطلاب الذين فشلوا لأن التعليم لم يعطهم فرصة أخرى أو لأن التعليم ليس مرن كفاية؟

نقطة أخرى كذلك، موضوع القبول في الكليات بحسب النسبة في الثانوية العامة، هذا الهراء يجب أن يتوقف، نعم أسميه هراء لأنني لا أجد علاقة بين النسبة وإمكانية نجاح شخص في كلية ما، يمكن لمن لم يحصل على نسبة عالية أن ينجح في كلية تحتاج نسبة عالية لكن النظام الحالي في القبول لا يعطي فرصة لهؤلاء، في الهند مثلاً وكما سمعت من داوود لا يوجد لديهم هذا النظام، أي شخص قادر على التعلم يمكنه أن يلتحق بأي كلية يريد وكل كلية لديها اختبار قبول، لا يهم إن كان الطالب في الستين من العمر وتعلم القراءة قبل شهرين، إن نجح في امتحان القبول سيلتحق بالكلية هذا يجعل الكل في مستوى واحد، لا يهم إن جاء من أسرة فقيرة أو غنية، لا يهم إن تعلم في مدرسة أم لم يفعل.

لا شك أن هناك حالات أخرى من عدم التكافئ ومن مسؤولية الجميع في المجتمع أن يلغوا هذه الحالات ليكون للجميع نفس الفرص في النجاح، لو فكرت بالأمر جيداً وربطته بالثورات العربية وأوضاعنا ستجد علاقة مهمة، لو فكرت بنتيجة عدم تكافئ الفرص في مجتمعتنا لفهمت لم وصلت بعض بلداننا إلى هذا الحال.

6 تعليقات:

أسامة يونس يقول...

عندما كنت في السنة الأولى في الجامعة كنت متعقد كيف الهاكرز يستطيعوا عمل الكثير في أنظمة الشبكات وبعدها بسنوات اكتشفت ان التعليم والأدوات المتاحة عندهم في الغرب لم نصل لها بعد، تخيل اني درست مادة شبكات الحاسوب نظري.

وجهة نظر الكاتب في الفرص من وجهة نظري أنا اسميها أرزاق وأقدار كل واحد سوف يأخذ رزقه وعليه المحاولة والفشل كي يتعلم.

مساعد يقول...

نعم للظروف دور لكن الكاتب يحث القاريء على تهيئة هذه الظروف له أو لأبناءه

مساعد يقول...

كذلك أخي عبدالله أنصحك بشدة قراءة هذه المقالة من مجلة ساينتفك أمريكا و المتعلقة حول نفس الموضوع:

http://www.scientificamerican.com/article.cfm?id=the-secret-to-raising-smart-kids

غير معرف يقول...

لربما ذلك الحديث فيه من الصحة الكثير, و لكن المحن و الأزمات في أوقات معينة لها دور كبير صقل الأشخاص و تهيئتهم.
لطالما كنت قد أختلفت كثر حول أهميت التعليم و دور مصدر الشهادة التعليمة في حصوله على وظيفة ما و نجاحه في ما بعد في مستقبله المهني فخريجي هارفورد, كامبريدج و ماساتشوستس يختلفون كل الإختلاف عن خريجي جامعة دولة عربية مثلاً.
ولكننا في عالمنا العربي ميالون إلى وضع المبررات و الأعذار في كل صغيرة و كبيرة و شريحة قليلة هي تلك التي تتقبل الفشل فيحبطها مباشرة.
على الأقل من وجهت نظر شخصية لابد لنا في البداية أن نهيء أنفسنا على العمل الجد و الإجتهاد, أو سنأخذ بأنفسنا إلى خانة المتواكلين مباشرة

مصر دلوقتي يقول...

اكيد الظروف لها دور كبير في نجاح انسان من عدمة لكن يبقي العامل الاكبر علي الانسان نفسة واستغلالة للفرص.

عبدالله المهيري يقول...

@أسامة يونس: هي بالفعل أرزاق، المسئلة هنا أن يعمل المرء على علاج عدم التكافئ لكي يحصل من بعده على فرصة ولا يتكرر الأمر للأجيال القادمة.

@مساعد: صحيح، وشكراً على رابط المقالة، للأسف الموقع يطلب التسجيل لإكمال قرائتها.

@غير معرف: جامعات هارفرد وغيرها ليست متميزة في تعليمها أكثر من الجامعات الأخرى، ذكر الكاتب أن جامعات أخرى أقل مكانة في المجتمع استطاعت أن تعلم من أصبحوا بعد ذلك فائزين بجوائز نوبل، تميز هارفرد وما ماثله يكمن في أنهم يختارون طلابهم بعناية، الطلاب هم المميزين.

أما عن قولك بأنن ميالون لوضع المبررات فهذا تعميم لا يصح، لا يمكن أن نقول بأن الطفل في أحد بلداننا العربية له نفس الفرصة كما للطفل في السويد أو فنلندا أو أمريكا، ليس في ما كتبته دعوة لاختلاق الأعذار أو لعدم الاجتهاد، بل هو دعوة لعلاج أي عدم تكافئ فرص بين أفراد المجتمع.

@مصر دلوقتي: قلتها في آخر ردك "واستغلاله للفرص" وهو بالضبط ما يعنيه الكاتب، في الكتاب تحدث الكاتب عن عبقري يفوق ذكائه ذكاء آينشتاين وهو كريس لانغان (Christopher Langan) رجل لم يصل إلى النجاح المتوقع من شخص بمستوى ذكاءه، ظروف مختلفة اجتمعت عليه، بعض الناس لا يجدون فرصاً مثل من غيرهم، هذا ما أعنيه، عدم تكافئ الفرص هو نوع من الظلم الاجتماعي الذي يحتاج لعلاج.