الجمعة، 10 يونيو 2011

كل، جميع، دائماً

يمكنك أن تنظر للكلمات على أنها مجرد وسيلة تواصل لا تختلف كثيراً عن أي وسيلة أخرى فتجعلها مساوية للملاعق مثلاً وقد رأيت من يعتبر اللغة مجرد أداة لا أكثر، ويمكنك أن تنظر إلى اللغة على أنها وعاء للثقافة والفكر وهي كذلك، اللغة ليست "مجرد" وسيلة بل هي فكرك وأفكارك وثقافتك، لذلك اختيار الكلمات بعناية أمر ضروري فإن كانت كلماتك هابطة فثقافتك ستكون هابطة ككلماتك، وإن كانت كلماتك راقية سترقى بثقافتك، لكن مجرد رقي الكلمات لا يكفي إذ يجب أن يكون هناك فهم ووعي لمعاني الكلمات والأهم ألا تتساهل مع الكلمات فتعتبرها مجرد كلام، الكلمة لها ثقل ووزن وللأسف كثير من الناس ينسى ذلك وأنا منهم.

كل ما قلته أعلاه هو تمهيد لموضوع بسيط: التعميم خطأ في التفكير، عندما تستخدم كلمات مثل كل أو جميع أو دائماً فأنت هنا تعمم فكرة ما، فمثلاً البعض في الغرب يردد "كل المسلمين إرهابيون" وهذا تعميم ظالم بلا شك ويقابله ما يقوله بعض المسلمين أن كل الغرب مجرم يستحق القتل والتدمير، لاحظ أن "كل" هنا تعني الجميع بلا استثناء، بديهية تغيب عن كثير من الناس.

كثيراً ما أتخيل هذا الموقف لأنني قد أسافر للغرب في يوم ما، أتخيل أن غربياً يقول لي أن كل المسلمين إرهابيون ولدي رد جاهز على ذلك، لدي مجموعة من الأسئلة التي سأوجها لهذا الذي عمم صفة الإرهاب علينا والأسئلة ستمهد لنتيجة أنه ليس كل المسلمين إرهابيون بل أكثرهم لا علاقة له بالإرهاب، بالطبع الأسئلة لوحدها لا تكفي لأن الطرف الذي سيجيب عليها يستطيع أن يكون عنيداً ويصر على تعميمه الظالم وهنا ينتهي النقاش لأن أحد طرفيه لا يريد سوى الجدال.

مع أن الموضوع يبدو بسيطاً وبديهياً إلا أنني أعجب حقاً من تكرار الأمر، أجد في تعليقات المدونات ومواقع الأخبار كثير من الجدال العقيم، جدال في مواضيع بسيطة ككرة القدم والأندية والسيارات وحتى شركات التقنية وجدال في مواضيع مهمة كالاقتصاد والسياسة والشؤون الاجتماعية، ما يحدث في المواضيع البسيطة يزعجني ولن أنكر ذلك خصوصاً التحيز الأعمى مع أو ضد شركة أو نادي، يزعجني فعلاً أن أجد شخصاً يعطي لشركة قيمة كبيرة في حياته ليقضي وقته في الدفاع عنها والهجوم على غيرها، ماذا سينفعه هذا عندما يترك الحياة.

لكن الجدال في المواضيع الجادة ليس فقط مزعج بل خطير، تجد من يعمم بأن الناس من الفئة الفلانية كلهم خونة يستحقون القتل، الثورات العربية أفرزت مثل هذه التعليقات التي لا أشك في جدية أصحابها، تجد من يؤيد الحكومة ويدعوا بالويل والثبور على كل من ثار ضد الحكومة ويتمنى قتلهم وسحلهم وتعليق رؤوسهم على أسوار المدينة وإن جاء خبر عن مقتل متظاهرين أجده يتشفى ويهزأ بهم ويتمنى موت المزيد منهم، والأمر لا يختلف في الطرف الآخر، مزيد من التخوين، مزيد من أمنيات القتل، مزيد من التهديد والوعيد.

وحتى في الدول التي لم تجرب مثل هذه الثورات هناك انقسام بين الناس وهذا أمر طبيعي، من الطبيعي أن يكون هناك تيارات مختلفة وغايات مختلفة وأفكار مختلفة، المشكلة عندما يرى شخص ما أنه ينتمي لفئة وبالتالي عليه أن يعادي فئة أخرى والعداء هنا ليس عقلانياً بل هو موقف لا عقلاني يعمم فكرة سلبية على جماعة من الناس ولا ينظر لهم على أنهم أفراد مختلفون.

يمكنني الحديث في هذا الموضوع طويلاً لكن أكتفي بما قلت فالموضوع بسيط، لا تعمم فالتعميم خطأ في التفكير، بدلاً من كل وجميع ودائماً فكر في استخدام كلمات مثل، كثير، بعض، غالباً، أحياناً، تقريباً، لا يعني ذلك أنني أدعوا لحذف كل وجميع ودائماً من القاموس، بل أدعوك للتفكير جيداً قبل استخدامها، وعندما تحكم على الناس من الأفضل لك ألا تعمم لأنك في الغالب ستكون على خطأ.

8 تعليقات:

إسماعيل يقول...

ببساطة ، التعميم لغة الجهلاء..
لطالما أستعمل هذه العبارة في جلساتي مع الأصدقاء ونقاشاتنا حول مواضيع محددة أين يتحدث البعض بطريقة (كل، جميع، دائما) شكرا لك على الموضوع

جابر يقول...

موضوع مهم، وهنا أتجاوز ما قلت وأشهد أن (جميع) أفكارك فيه معقولة وواقعية إلى حد بعيد.
هناك مقولة جميلة (دائما) ما أستشهد بها في هذا السياق: "كل تعميم خطأ، وحتى هذا التعميم!"

وشكرا جزيلا لك

جسري يقول...

يا سيد عبدالله، من الضروري أن يكون هناك جدل في بعض (وليس جميع) المواضيع، ومن الضروري أن يكون هناك اختلاف في الآراء، فلولا اختلاف الآراء لما نفقت البضائع! (هكذا يقولون عندنا). ولكن من الضروري في المقابل أن لا ينتهي الجدال (أحب أن أسميه "حوار") إلى صراع.
تحياتي.

نسيم الفجر يقول...

كما قيل -قد أكون مختلفاً معك في ما تقوله، لكني سأناضل كي تقوله-

بالنسبة لي و بما أني مغربي، فنحن أيضاً انقسمنا إلى مؤيدين و معارضين للربيع العربي، و أنا من المؤيدين، و رغم ذلك، فاختلافي لم يمنعني من التفكير في سبب البلطجية و منحهم سبب من الإنسانية بل و الدفاع عنهم أيضاً كما في تدوينتي التالية: http://fajrbreeze.blogspot.com/2011/05/blog-post.html .

عبدالله المهيري يقول...

@إسماعيل: التعليم والتوعية يمكنهما علاج الجهل، هناك أناس لا يقصدون التعميم لكن هذا أسلوب تفكيرهم، بنقاش بسيط يمكنهم إدراك أنهم يخطأون في التعميم ومع تكرار التنبيه سيتعودون على عدم التعميم.

@جابر: بارك الله فيك، المقولة جميلة بالفعل.

@جسري: لا شيء في موضوعي يقترح ألا نتناقش وكما ترى في الفقرة قبل الأخيرة أدرك أن الاختلاف أمر طبيعي، ما أتحدث عنه في الموضوع هو استخدام الكلمات بشكل ظالم لتعميم حكم على الآخرين في حين أن التعميم نوع من التفكير المتكاسل، هذا كل شيء.

@نسيم الفجر: أتمنى لو أن هناك مزيد من هذه الإنسانية في حواراتنا، مؤسف ما أراه من عنف حواري في الشبكة، تذابح فكري يؤثر سلبياً على الناس ويجعل كل طرف متطرفاً أكثر.

layla يقول...

صحيح ..

من الرقي بالحديث والعقلانيه والحكمه ايضاً هي ان تتحدث بلغه لا تُغضب الشخص الذي أمامك .
خصوصاً انه يكون مستعد للانفجار بأي لحظه .

شكراً (:

Unknown يقول...

فعلاً دائماً ما أدخل انا و اصدقائي في نقاش طوويل بخصوص مسألةالتعميم هذه...
الله سبحانة و تعالى خلقنا مختلفين تماماً في ابسط الأشياء فلماذا نرتبط أحياناً عند البعض بمسألة التعميم هذه.
و هذه من الأمور التي تعلمتها مؤخراً و خصوصاً بما نمر به من اوضاع في اليمن.

خالد يقول...

التعميم أسلوب من أساليب التفكير ، وهو ليس سلبي في كل الأحوال. لولا التعميم لاضطررنا -مثلا- لتعلم طريقة تشغيل الحاسوب في كل مرة. واضح اخ عبدالله أنك تقصد نوعا معينا من التعميم السلبي ، لكن انتقاد " التعميم " باعتباره "خطأ في التفكير" يحتاج لإعادة نظر. أسعدك الله :)