الجمعة، 21 يناير 2011

هندسة اجتماعية

ما تأثير هذا على الناس؟ سؤال لا أظن أنه يطرح كفاية عندما يبدأ أي مشروع سيؤثر على الناس، فمثلاً ما تأثير تعبيد طريق يقع مباشرة أمام المنازل؟ ما تأثير إنشاء العشرات من المشاريع العقارية في نفس الوقت وبدون حد منطقي؟ ما تأثير توفير اتصال دائم بالشبكة من خلال الهواتف والحواسيب؟ ويمكنني أن أطرح الأسئلة بدون نهاية.

يفكر البعض في الجانب الاقتصادي فيقولون سيكون هذا أو ذاك نافعاً للناس ويعطيهم فرصة للحصول على دخل أعلى وهذا أمر إيجابي إلى حد ما، من كان يملك دخلاً كافياً فلن يعطيه مزيد من الدخل سعادة أكثر، من كان فقيراً وحصل على دخل يخرجه من فقره فهذا شخص وجد فائدة كبيرة، من كان فاحش الثراء ويريد مزيداً من الدخل فهو طماع لا يشبع بطنه إلا التراب.

البعض يفكر في الجانب العملي فبناء طريق له فائدة عمليه في تبسيط حياة الناس واختصار الأوقات والمسافات عليهم لكن من جانب آخر ازدياد عدد السيارات له تأثير عكسي إذ يزداد الوقت المطلوب لقطع نفس المسافة وبالتالي الازدحام يلغي فائدة الطريق.

هذه أمور واضحة وما هو ليس واضح ولا يهتم به كثير من الناس هو تأثير الأشياء علينا في المدى البعيد؟ أمر بسيط كوجود شارع أمام المنزل مباشرة سيكون له أثر اجتماعي كبير لو نظرت له على نطاق المدينة مثلاً، الناس يخشون على أبنائهم من السيارات فيمنعونهم من الخروج، ماذا سيفعل الأطفال داخل المنزل؟ الفضائيات وألعاب الفيديو وتفريغ الطاقة في الإزعاج، ولأنهم يجلسون في البيت فهم لا يطورون مهاراتهم الاجتماعية من خلال تكوين علاقات مع الآخرين في محيطهم وبالتالي تكون المدرسة مصدر الصداقات الوحيد ولدي ألف مشكلة هنا مع المدرسة ومع هذا الوضع المختل.

ولا يتعلق الأمر بالأطفال إذ الكبار ليس لديهم خيارات كثيرة أيضاً وأنا أتحدث عن الواقع الذي أعيشه في أبوظبي، فليس هناك مكان ثالث غير البيت أو العمل يجلس فيه الكبار من نفس الحي، حتى المساجد لم تعد تؤدي هذا الدور لأنها بكثير من القوانين أصبحت دور عبادة فقط وليس لها أي دور اجتماعي، لا توجد في الأحياء أماكن للكبار فحتى يجتمعون في مكان واحد عليهم قيادة سياراتهم إلى مقاهي بعيدة في المدينة أو في مركز تسوق، ولكي يجتمع الكبار من أجل نشاط أو هواية ما سيجدون صعوبة في إيجاد المكان المناسب لممارسة هذا النشاط أو الهواية، وبالتالي يصبح النشاط الاجتماعي مقتصراً على مناسبات محددة كالعيدين وتنقطع الروابط بين الجيران وأهل الحي الواحد ويصبح البديل لذلك هي مراكز التسوق والفضائيات والشبكة.

مؤخراً بدأت حدائق صغيرة تظهر في الأحياء أو بالأحرى ساحات ألعاب للأطفال وهذا حل جزئي لا يمكنه أن يعالج المشكلة، لا بد من التفكير بإعادة تخطيط المدن لتناسب الناس أكثر، ولا بد من تفعيل دور المؤسسات المجتمعية التي يمكنها أن تمارس نشاطاً لا هو حكومي ولا تجاري لكنه لا يقل أهمية عنهما، قانون جمعيات النفع العام بحاجة لإعادة كتابة لكي يكون أكثر مرونة وبساطة فيتمكن الناس من نقل تجارب الدول الأخرى بإنشاء مشاريع مفيدة لا يمكن إنشاءها في ظل القانون الحالي، خذ على سبيل المثال مشروع تجميع الحواسيب المستعملة وتجديدها ثم توزيعها على مؤسسات وأفراد، هذا مشروع يتكرر في كثير من الدول ويقوم عليه بضعة أفراد وبحسب القانون الحالي توصلت لنتيجة أن هذا المشروع لا يمكن تكراره هنا.

لبناء الثقة بين أفراد المجتمع لا بد من وجود تواصل اجتماعي يومي بين الأفراد في الحي الواحد، لا بد أن نعود لما كنا عليه في الماضي عندما كانت علاقاتنا أمتن وأوثق ولفعل ذلك اليوم يمكن بأشياء بسيطة أن نعيد التواصل الاجتماعي شيئاً فشيئاً لما كان عليه، أشياء بسيطة كتخطيط الطرق والأراضي لتصبح مناسبة أكثر للناس بدلاً من السيارات والسماح لوجود أنشطة مختلفة في منطقة واحدة بدلاً من تقسيم المناطق إلى سكني وتجاري وصناعي، ثم هناك دور مؤسسات النفع العام أو المؤسسات التطوعية، بهذه الخطوات وغيرها يمكن تصحيح الوضع.

1 تعليقات:

نجاة يقول...

ليت الناس تسمع لك هذا الكلام..