الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

لا يمكننا أن نستمر هكذا

موضوع تخطيط المدن يشغل بالي منذ وقت طويل، لعل بقائي في مدينة بون الألمانية لشهر كان أول دافع للتفكير في المدن، فقد كنت أمشي مع أختي من الشقة إلى محطة المترو تحت الأرض ثم في المحطة التالية نمشي إلى المستشفى حيث كانت أمي ترقد هناك بعد عملية، ثم نعود في نفس الطريق، لنشتري ما نريد علينا المشي إلى متجر قريب، إذا أردنا التسوق في سوق المدينة علينا استخدام المترو ثم المشي في السوق حيث لا تدخل السيارات هناك ثم العودة مشياً وبالمترو، كان شهر المشي.

في أبوظبي علي استخدام السيارة لإنجاز كل شيء تقريباً مع استثناء البقالة القريبة من منزلنا، إذا أردت إنجاز أي معاملة حكومية علي استخدام السيارة والمؤسسات الحكومية متفرقة في أبوظبي واحدة في أقصى الشمال وأخرى في أقصى الجنوب وأبوظبي تزداد ازدحاماً كل عام وهذا أمر نلاحظه كلنا، إذا أردت التسوق علي الذهاب بالسيارة وفي مركز التسوق السلالم متحركة وبالتالي لا داعي لممارسة أي جهد في تحريك العضلات، إذا أردت الذهاب إلى الحلاق علي استخدام السيارة، كذلك الأمر مع كل شيء تقريباً، مقابل شهر المشي في بون قضيت سنوات من عمري جالساً في السيارة.

أيهما مدينة صحية أكثر؟ بون أم أبوظبي؟ مجرد سؤال صغير.

ما يحدث الآن في أبوظبي هو خروج عدد كبير من السكان إلى الضواحي خارج أبوظبي وللعمل وللتسوق عليهم الذهاب إلى داخل المدينة وهذا يعني مزيداً من استخدام السيارات، بالطبع هناك محلات تظهر ومراكز تسوق في تلك المناطق وربما قريباً كثير من المؤسسات الحكومية تفتتح فروعاً لها هناك لكن هذا لن يلغي حقيقة أن على الناس استخدام سياراتهم لكل شيء تقريباً.

ولنلقي نظرة على سياراتنا، كثير منها من نوع SUV وهذه الحروف هي اختصار Sport Utility Vehicle لكنني شخصياً أحب أن أتخيل بأنها اختصار Stupid Useless Vehicle، هي سيارات دفع رباعية عالية يفضلها كثير من الناس لكنها تستهلك الوقود أكثر من السيارات العادية وهي ثقيلة الوزن وكثير منها ليست سيارات دفع رباعية حقيقية - بمعنى آخر لا يمكنها الخوض في طرق وعرة - وأكثرها لن يستخدم أبداً للخوض في طرق وعرة، لكن شركات السيارات أبدعت في تسويق هذه السيارات وإقناع الناس بشرائها لأن الربح العائد من هذه السيارات أكبر من أرباح السيارات التقليدية.

بالطبع لا يملك الكل مثل هذه السيارات لكن يمكن ملاحظة تفضيل الناس لهذا النوع من السيارات، أصبح رينج روفر كسيارات الأجرة مع أنه سيارة فاخرة لكن تعودت على رؤيته كل يوم مرات كثيرة في الطرق.

لا يقتصر الأمر على السيارات بل يشمل أيضاً المنازل واستهلاكنا لكل شيء، أسلوب حياتنا بأكمله يحتاج لإعادة مراجعة لأننا لن نتمكن من العيش بهذا الأسلوب في المستقبل، لا أدري متى سيأتي هذا المستقبل لكنني متأكد أنه لن يأتي فجأة بل بالتدريج وكثير من الناس سيحاولون إنكار حدوث تغيير جذري في حياتهم لكي يستمروا على النمط المعتاد لحياتهم ثم سيصلون إلى نقطة لا يمكنهم فيها إنكار التغيير.

أنظر لموضوع المدينة هذا واربطه بمواضيع مختلفة كالتعليم، الطرق، البيئة، السيارات، الاقتصاد، الحياة الاجتماعية وأخيراً السياسة.

نحن ببساطة نعيش نمط حياة لا يمكننا أن نستمر عليه لأسباب اقتصادية وبيئية واجتماعية ولتغيير ذلك نحن بحاجة لقرار جماعي يقوده وعي سياسي وهو ما لا يحدث حالياً في كثير من البلدان من بينها بالطبع البلاد العربية.

نحن بحاجة للعودة إلى نمط حياة قديم قبل النفط وربطه بنمط حياة جديد لا يعتمد على النفط أو على الأقل لا يعتمد عليه إلا بنسبة قليلة، نحن بحاجة لمدن ذات كثافة سكانية أعلى تخطط بشكل يجعل الناس أصحاء أكثر مترابطين أكثر وينتجون أكثر، ينتجون طعامهم الذي يستهلكونه، يقدمون خدماتهم التي يحتاجونها، يصنعون الأشياء التي يحتاجونها، يوفرون فرص عمل للسكان المحليين بدلاً من توفيرها للوافدين من دول العالم، مدن تجعل الناس يمشون إلى أعمالهم وإلى الأسواق، ويستخدمون المواصلات العامة أو الدراجات الهوائية بدلاً من استخدام السيارات.

هذا الكلام يتفق عليه خبراء حول العالم، خبراء وعلماء في البيئة، تخطيط المدن، الطاقة، الاقتصاد والسياسة، كثير من هؤلاء ينظرون في المستقبل ويجدونه مستقبلاً مظلماً وتتفاوت نظراتهم بين المتشائم والأكثر تشاؤماً! لكنهم أيضاً يتفقون أن الأزمات تدفع الناس لوضع حلول مبتكرة وعملية وهذه الأفكار قد تعالج مشاكلنا بالتدريج ... لكن لم لا نبدأ من الآن قبل أن نضطر لذلك في المستقبل؟

هذا كلام كتبت عنه قبل سنتين في مدونة "اصنع دولتك بنفسك" وأعيده هنا بصيغة أخرى، ما أريده أن يعي كل من يقرأ هذا الموضوع أن يدرك بأن نمط حياتنا المعتمد على النفط واستهلاكه وعلى المدن وضواحيها والسيارات والطرق الواسعة، هذا النمط لا يمكن أن يستمر، إما أن نتغير أو سنجبر على التغيير عاجلاً أو آجلاً.

بعد الإدراك يأتي العمل، باختصار: بسط حياتك، قلل استهلاكك وإن استطعت أن تنتج طعامك فافعل.

10 تعليقات:

غير معرف يقول...

المترو يجبرك على المشي فعلاً... لكن مشكلتنا اننا احياناً نحسب الوقت بالثانية و الدقيقة في قطع المسافة من مكان الى اخر ... يعني اروح بالسيارة في ١٠ دقايق ... بالمترو في ١٥ دقيقة .. لا خليها بالسيارة! جربت اخلص مشاوير بالمترو و هو في كثير من الاحيان افضل خصوصاً في مسألة البحث عن موقف للسيارة ... و لكن بطبيعة الحال هناك مشي اكثر من الي تعودنا عليه في النمط السائد.

بس عبدالله حتى قبل النفط الهجرة طلباً للرزق كانت عامل اساسي في حياة الكثيرين في المنطقة، اعتقد من الصعب حصر العمل في مكان معين بأهل هذا المكان فقط ... اتفق معاك انه لازم يكون في نوع من التنظيم، و لكن هذا لا يعني عدم استخدام عمالة من الخارج .. العمالة الوطنية لا تكفي لا من ناحية العدد ولا من ناحية الخبرة في تطوير حتى ١٠٪ من ما نشوفه عندنا و لله الحمد ... و اعتقد ان اختياري ل١٠٪ هو رقم مبالغ فيه ... الرقم اعتقد اقل من هذا.

ايضاً انتاج الطعام و استهلاكه ... حتى فترة ما قبل النفط اهل الخليج كانوا يتروون السفن الي اتيب الفواكه و غيرها من بلدان ثانية و الحمدلله الله انعم علينا اليوم بأنك تقدر تحصل الي ما كان يتخيله احد في الماضي من كل انواع الطعام من مختلف انحاء العالم ... هذه نعمة اكيد. و لكن هذا الامر قد يكون له بعض السلبيات ايضاً و هي الاعتماد على الاستهلاك فقط على نطاق الاسرة ... و لكن ايضاً في الماضي لم تكن كل الاسر تنتج الطعام الا الامور البسيطة (بيض؟ حليب؟)

اتفق معاك ان نمط حياتنا اصبح يعتمد على الامور المستوردة و حياتنا استهلاكية بشكل كبير و لكن ليس بالضرورة انه علينا ان نكون منتجين ١٠٠٪ و لا نستهلك او نستخدم اي شي من خارج نطاقنا ... الامر يحتاج الى نقطة وسط بين الاولى و الثانية.

مرشد

مدونة محمد المجتبى يقول...

إماأن نتغيًر أو نجبر على التغيير" عبارة صادمة يجب أن نعلقها على حوائط منازلنا ومكاتبنا وأسواقنا بدلا من إعلانات المواد المٌستهلكة بضم الميم وكسر اللام،
فريدة هي رؤيتك لتطبيق واقع جديد ل مدن أكثر حضارة حسب مفهوم المفكر مالك بن نبي وحسب رؤيتك النافذةلإستهلاك أقل وإنتاج أكثر
مقال فعال وعميق،يثير عصفا ذهنيا نحتاجه بشدة
و ..دم بخير
مجتلى

غير معرف يقول...

بارك الله فيك أخي عبد الله على المقال المفيد جدا
احمل هما كبيرا عن هذا النمط الذي الحياتي الذي نعيشه حاليا و أكثر ما يؤرقني هو الغذاء ..
وضعت منذ سنوات هدفا نصب عيني و هو العمل بجد للحصول على قطعة أرض لأزرع شتى أنواع الخضروات والأشجار لأحقق اكتفاء غذائيا لعائلتي ولمن يحيط بي
فأنا لم أهضم فكرة أن أشتري كل غذائي و الذي بدوره تشتريه الدولة من الخارج
نحن عبيد من ينتج الغذاء لا يمكن أن نستمر هكذا أبدا
...

غير معرف يقول...

هذي مشكله كبيره لكن في الرياض سمعنا خبر انه بيتم وضع مراكز في الاحياء تجمع الدوائر الحكوميه اللي تقدم خدمات مثل الجوازات ومكاتب العمل والاحوال والبلديات وغيرها هي شي جميل لو طبقت في القريب وبيخف الزحام بشكل كبير

لكن يبقى المترو حل جذري والاهم تكون من مصانعنا خاصه اذا بدوا في الاعتماد على هالقطاع المهم والحيوي

riyadh يقول...

اوافقك بان السيارات اقل صحيا من المشي من محطة المترو الى الباص وبما اني في هولندا وفي مدينة جامعية تقريبا فاني استخدم الدراجات الهوائية كوسيلة نقل رئسيية وكبداية كان جميلة جدا اريح في التنقبل اوفر من ناحية سعر الدراجة وايضا الوقود والمواقف لكن ليست عملية اذا كنت تعودت على السيارات
اذا بتقضي حق الشهر واذا بتتنقل لمسافات طويله غيره اذا كنت تعبان اوووه شغله وخاصة في الثلج صعوبه من تستدعي انك تاخذ اشتراك باص
وعلى فكره انا اعيش في مدينة ماستخرت(maastricht)
فياليت تشرفنا زياره اذا ارسلي في تويتر على الاسم riyadh7

عبدالله المهيري يقول...

@مرشد: أتفق معك أننا لا نستطيع أن نكون منتجين 100%، ولا يمكننا في الإمارات أن نعتمد كلياً على العمالة المواطنة لأننا وضعنا أنفسنا في موقف لا يمكننا إلا نعتمد فيه على العمالة الأجنبية، كلامي في موضوعي لا يعني بالضرورة أن نتخلى كلياً عن كل شيء ونذهب من طرف إلى طرف بل أوافقك أن التوازن مطلوب، حالياً نتفق جميعنا أن التوازن مختل لدرجة كبيرة لصالح الاستهلاك الزائد عن الحد ولا يمكن الاستمرار بهذا الشكل.

نقطة ثانية هي النظر إلى 100 سنة قادمة بدلاً من النظرة القصيرة التي تستخدم هذه الأيام للتخطيط حتى مع وجود خطط لعام 2030، لو فكرنا في المستقبل البعيد علينا أن نفكر في عالم ما بعد النفط وما أراه حالياً هو حراك بطيء جداً في تنويع مصادر الدخل وتوفير الأمن الغذائي والطاقة.

@محمد المجتبى: شكراً على تذكيري بمالك بن نبي رحمه الله، علي أن أقرأ له.

@dailybarid: يمكن أن تبدأ في المنزل وفي مساحات صغيرة، صحيح أن هذا لن يكفي لتغطية احتياجاتك من الغذاء لكن على الأقل تتدرب وتتعلم، في كوبا الناس يستغلون شرفات البيوت والشقق لتأمين بعض غذائهم والآن جعلوا مساحات من مدنهم وفي محيطها مزارع جماعية وكثير منها يعتمد على الزراعة العضوية بدون كيماويات.

@غير مغرف: نفس الفكرة بدأت تطبق هنا في أبوظبي، هناك مركز واحد أعرفه يحوي مؤسسات حكومية مختلفة، أتمنى انتشار هذه المراكز في مدننا وفي كل مدينة عربية، سيوفرون على الناس الوقت.

@riyadh: هولندا كما أفهم هي بلد الدراجات الهوائية، مما شاهدته من صور وبرامج وثائقية الناس هناك لديهم الدراجات الهوائية ثقافة، رأيت دراجات هوائية يستخدمونها لنقل البضائع وحتى نقل الأطفال!

إن زرت أوروبا سأحرص على زيارة هولندا، أتمنى أن ألتقي بك هناك.

غير معرف يقول...

فعلاً النظر إلى عالم ما بعد النفط على دولة تعتمد على النفط هو امر ضروري خصوصاً في هذه المرحلة الي "تتكالب" بعض الجهات لانتاج سيارات كهربائية و غيرها من الامور .. و اعتقد ان مدينة مصدر شيء غير بسيط في هذا المجال ... ليس فقط اننا بدأنا نبتعد عن النفط .. بل أسسنا مدينة لهذا الغرض .. و الوكالة الدولية عندنا .. اعتقد ان هذا بعد نظر فعلي:) ربما تحصل اخطاء هنا و هناك و لكن التوجه سليم ان شاء الله.

مرشد

غير معرف يقول...

صحيح،

ذهبت لأبوظبي و ليتني لم أذهب !
زحمة و قلة مواقف ! أمر أتعجب منه كثيرًا

رأييك يحتاج لتطبيق

العين في طريقها لتصبح مثل أبوظبي قريبًا ..
لذا علينا تدارك الأمر

حنونة يقول...

تعليقا على الاخ غير معروف

وجدت تجربة المترو اوفر في الوقت و امثل للصحه
يحد من الاستفاده الكامله منها عدم تغطيتها كل ماتحتاج اليه عند التنقل
فعند دراسته يجب على المخطط ان يشمل بمحطاته المراكز الرئيسيه وفق مسافة مشي مقبوله والاماكن النائيه قليلا ( تكون استثناء ) يسير لها وسائل نقل جماعيه كافيه

تخطيط المدن اشمل من مجرد التنقل وللاسف هو غائب لدينا لعلنا نخطط لطرقنا كي لا تبللها قطرتي مطر ضحاياها ارواح بشر :)

عذرا على الاسترسال فهذه التدوينه تهمني

hiwaar يقول...

وانا انهل من رقة مدن اسكوتلندا انتهي بي المقام لدراسة تخطيط المدن والان ادرك دور الثقافة في تشكيل ملامح الامكنة بل والازمنة