الأربعاء، 19 مايو 2010

محطات هنديه

مشاركة من د. محسن النادي

قد يكون حرّ الايام السابقه في فلسطين هي ما اثارت عندي ذكريات تستحق الكتابه عن الهند والمجتمع الهندي فهم عباره عن حضارة انغلقت على نفسها زمنا طويلا وكأن جيناتهم تتوق الى الحرية والانعتاق فلذلك اول سؤال يبادر الى ذهن الهندي حين يراك هل من الممكن ان تاخذني لبلدك علما ان الهند بلد جميل يحوي جميع مقومات الحياه وسوق كبير يمكن للجميع النجاح فيه بدرجات مختلفه وهو المجتمع الوحيد الذي عجزت عن فهم سرّ ذلك الرضى والسعاده التي يعيشها اغلب السكان الغني والفقير على حدّ سواء.

نسب الجرائم متدنيه مقارنة بعدد السكان وهي البلد الوحيد الذي يتغنى بدموقراطيته التي قد تكون عرجاء ان تعلق الامر بالمسلمين.

المحطه الأولى: زيارة معبد البهائيين في نيودلهي
فمن ضمن الطلاب في المعهد الذي كنت ادرس فيه هنالك طالب ايراني الاصل اسمه احمد واختة جيزّو كانت علاقتي معهم "مرحبا.. كيف الحال.." وفي يوم طلب مني احمد زياره المعبد البهائي واعطاني بعض الصور والمطبوعات حقيقة قررت الذهاب لأرى زهرة اللوتس فالبناء جاء على شكلها وهو تحفة معمارية في التصميم والهندسة والبناء ,لن نناقش افكارهم الخربه ,وعزمت أمري, وفي صباح يوم الاحد وهو العطلة الرسميه ركبت الموترسيكل خاصتي وذهبت مسترشدا بالخارطة التي زودني بها احمد .....للاسف لم اصل اليهم بسبب ثقب في الاطار تكرر 7 مرات وهي المرة الوحيده يثقب فيها الاطار بهذا العدد طوال 9 سنوات قضيتها في الهند.

زرت ذلك المعبد في اخر عام لي في الهند وعلمت ان جمال البناء ودقة صنعته لن تخرج لنا مؤمنين بالمباديء ,المثل والاخلاق التي قام لاجلها الصرح . فالاصلاح يبدأ بالنفس وذلك ما شدد عليه ديننا الحنيف.



المحطة الثانية: كانت درسا لن انساه ما حييت

حيث علمت ان المرض من العباد لكن الشفاء يأتي من رب العباد فقد كنت في فترة التدريب النهائيه في مستشفى امار جيوتي وقد عرض علىّ طفل صغير مصاب بشلل اطفال دماغي وسالتني امة هل سوف يتحسن نظرت اليها واجبتها ان وضعه صعب وقد يبقى كما هو رغم العلاجات التي سوف نقدمها هنا طفرت من عين تلك الام دمعة وغابت ,وغبت عنهما, لالقاها بعد ذلك بسنوات ذكرتني بنفسها وعرضت على الطفل من جديد لم اصدق كم كنت بنظرة قصيره وضعف ايمان فالطفل يمشي ويلعب باعاقة صححت بالجراحه فعلمت عندها في قراره نفسي ان الشافي هو الله وزرع الامل دائما مطلوب حتى لو كان الانسان يحتضر.

المحطة الثالثة: أن فوق كلّ ذي علم عليم
كنت اعمل بدوام مسائي كي اتمكن من متابعة دراستي خاصه بعد ان انقطعت المنحه الدراسيه التي حصلت عليها للتفوق وذلك اثناء حرب الكويت الاولى دخل مريض يحمل ملفا ضخما يعرضه قلت في نفسي احتاج الى يوم كامل لكي اتصفحه لكن الصفحة الاولى قطعت جميع الافكار الاخرى حيث بين تقرير صادر عن مايو كلينك؟! ان المريضة تعاني من ضمور شديد في الدماغ قلت لمن حولي لا نستطيع فعل شيء حيث ان المرض قاتل وهي في مراحلها النهائيه فاقرح مريض كان يسمع الحوار ان ندل الزوج المكلوم على طبيب اعشاب في منطقة جبليه على حدود نيبال وما عملته اني زودتهم بالعنوان وبعد ستة اشهر زارني الرجل وزوجته وهي باتم صحه وعافيه ليتضح لي انه تاجر الماس معروف , وقد وقف الى جانبي وساعدني في باقي ايام اقامتي في الهند وعن طريقه تعرفت على تجار ,وزراء, سياسين وكتاب كبار لم اتوقع في يوم ان اجلس معهم.

المحطة الرابعة: حين قررت ان اصبح ممثلا
عوقبت بكسر في قدمي اعاني منه للان ....في يوم لطيف زارني كاتب سنيورهات هندي واعجب بطريقتي في الحديث واعجب اكثر حين تخلصت زوجتة من الم رقبتها في جلسة واحده وهو من تعب معها لاكثر شهرين يعالجها... وتطورت علاقتي به حتى اقترح ان اصور مشهدا امام شاروك خان (اصبح الان اشهر ممثل هندي) في احد افلامه وهو دور بسيط اقل من ربع دقيقه لكنه قد يكون فاتحا لادوار مستقبليه تدربت على المشهد وحلمت احلام اليقضه لاصحو في يوم التصوير وانا ذاهب على حادث سير وكسر في قدمي ألزمني الفراش اياما وبذلك ضاعت تلك الفرصة غير نادم عليها واحمد الله انه جاء بكسر في القدم لا درسا صعبا وكسرا في الرقبه.


المحطة الخامسة: كانت بتعرفي على عالم الانترنت
كان ذلك في عام 1996 لدى احد المرضى المدللين من قبل اهلهم فقد كانت تلك الايام الشبكة حديثه في الهند وهي غالية التكاليف ويتم الدخول اليها عن طريق الهاتف ,الاتصال بطيء اما امتلاك كمبيوتر فهو حلم... لكن كمّ المعلومات التي كنت اتلقاها حين ابحث عن شيء كان هائلا بمقياس ذلك الوقت , اخذت اول دورة في الكمبيوتر وتعرفت على مصطلحات استخدمها الان من الايميل الى المتصفحات كانت تلك الايام هي من وضع في ذهني مشاريع كثيره منها ما تم تنفيذه ونجح وبعضها فشل والاخر في طور الافكار التي لن ترى النور لان زمانها قد ولى تعلمت من تلك التجربه ان اقتنص الفرص فما ذهب لا يعود وان عاد سيكون اعرج بالتاكيد.

المحطة السادسة: هي للقطار
فقطارات الهند هي من اضخم السكك الحديديه في العالم وتجد فيها جميع الاصناف من البخاري القديم للذي يعمل على الديزل الى الحديث الكهربائي , وقد كان لمحدثكم فرص الركوب في كافة الدرجات ..الاولى حيث رقيّ التعامل والخدمات العاليه, الى القاطرة النهائيه التي يركب فيها دهماء الناس وعامتهم بلا مقابل وكانها ذيل ذلك الوحش الحديدي حطت عليها حشرات من كل نوع وجنس فلا هي تاخذ من دمه شيئا ولا هو يحفل بها, هنا كنت اجد الانسان الحقيقي بلا زيف او خداع على طبيعته يتصرف وكما تربى يتكلم وجدت ان الحياة بقسوتها قد علمت من هم على الذيل المعنى الحقيقي للسعادة والفرح حين كنت اشاهدها في عيني فقير جدت عليه ببعض الطعام لكي يملاء معدته الفارغه عرفت معنى التعاسه حين عايشتها ورايتها في بيئتها مصورة كما خلقت بلا مساحيق تجملها .



المحطة الاخيرة: في الحب
فحين يحب الانسان يخلص لمن يحب وعندها يتحول الحب الى معاني انسانيه اخرى كالاحترام والتقدير وعدم الاحتقار وهي نفس تلك المعاني التي انتشر فيها الدين فحين احب المسلمين الانسان لانسانيته واحترموه وقدرو افعاله راهم الاخرين كمثل الملائكة تمشي على الارض فكان الكثيرين يدخلون في الاسلام بسبب موقف واحد يصدر عن محب واليك ما حدث كنت أقيم مع بعض الطلاب وكان احدهم لديه صديق هندوكي يزوره بين الحين والاخر وكما علمت منه فقد كان موقع سخريه من قبل الطلبة لكن حبه للعرب هو الذي يصبره على القدوم لزياره صاحبنا وفي يوم حار جدا طرق الباب وقد كنت وحيدا في المنزل انا لا اعرفه فدعوته للداخل وحضرت له بعض العصير وتبادلت معه اطراف الحديث وبسبب تعبه استاذن ان ينام على الارض أصررت عليه فنام في فراشي بعدها بسنوات كنت في مدينة اخرى ابحث عن امر يخصني لقيني في السوق فعرفني على نفسه واصر ان اكون ضيفه , وفاخر بي امام من عرفهم وعلمت انه اصبح مسؤولا كبيرا أسرّ لي انه يعتبر نفسه مسلما منذ ان عرف اخلاق الاسلام وتعمق فيها بعد موقفي معه نرجو الله له الهداية والثبات

هذه محطات سبع في الجزء الثاني من ذكريات الهند ننشرها بناء على طلب الاخ عبد الله المهيري فالشكر موصول له في ذلك الامر.

ونختم حديثنا ....دمتم سالمين

9 تعليقات:

غير معرف يقول...

إلى الأخ صاحب المقال
ممكن تعطينا أمثلة على الديمقراطية العرجاء اذا اختص الأمر بالمسلمين


أنا أجزم أن المسلمين بالهند مرتاحين في حياتهم أكثر من المسلمين في البلد البوليسي باكستان ( بلد الأنقياء ! )

عبدالله المهيري يقول...

@غير معرف: اسأل مسلمي الهند واقرأ كتبهم فبعضها بالعربية ولديهم مجلات عربية، الأمثلة لا حصر لها، ولا تدخل باكستان في الموضوع وأي تعلق آخر سيذكر فقط كلمة باكستان سأحذفه.

شبايك يقول...

الشكر موصول لعبد الله أن جعلنا نتعرف على هذا الجانب الجميل من مسيرتك يا طبيب... سبحان الله، كم من لمسات صغيرة، تسببت في آثار عملاقة ... سبحان الذي يبارك في الصغير إن شاء، ويجعل الكبير غير ذا جدوى إن شاء...

abdo يقول...

جزاكم الله خيرا على هذه المحطات الرائعة ومنتظرين باقى المحطات

نوفه يقول...

مقاله جميله جدًا

الحياة تجارب تعلمت من مقالك ان أستغل كل لحظة في حياتي

لأنها في يوم من الأيام ستصبح ذكرى

شكرًا لك

Sameh.De يقول...

جميل جداً.. مقالة تضمنت بين طياتها تفاصيل عميقة,

شكرا لك عزيزي وبالتوفيق دائماً.

غير معرف يقول...

تعليقاً على المحطتين الثانية والثالثة : كم هو صغير الإنسان بتفكيره عندما يعتقد أن يعلم ويعرف كل شيء .

(سبحانك ربي لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين) .

غير معرف يقول...

السلام عليكم
أبدأكلامي بقول الله تعالى"يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا"
فالهند معروفة منذ القديم أنها بلاد يستوطنها أناس عرفوا طريقا للبساطة دلهم على السعادة
ما أجمل الدنيا بلا تعقيدات

بو خليل يقول...

محطات جميلة ومبدعة ابدعتها قلمتك عزيزي عبدالله

كثير اشياء تعلمتهاعن الهند اللي ما تخيلت هذا حالها

شكرا وتقديري لك