السبت، 11 أبريل 2009

حاسوب الخمسون عاماً أو أكثر

في بعض إعلانات الساعات الفخمة أجد جملة تقول بما معناه "لا تشترى، بل تتوارثها الأجيال" أي أن الساعة ستعمل لعقود فلا حاجة لشراء واحدة جديدة، بل عليك انتظار دورك لترثها من أبيك، ويمكن أن أخمن بأن هذه الساعات ستكون غالية الثمن وربما يزداد سعرها في المستقبل، يمكن أن أخمن بأن هذه الساعة لو تعطلت بعد خمسين عاماً سأتمكن من إصلاحها ولو كان ذلك مكلفاً لكن طريقة عمل الساعة وأجزاءها ليست تقنيات يصعب فهمها بل هي قطع صغيرة يمكن إنتاجها في أي وقت وربما هناك شركة سويسرية ما تنتج هذه القطع لمثل هذه الحالات، لأعطال المستقبل.

هناك كاميرات أنتجت قبل خمسين عاماً يمكنها أن تستخدم عدسة أنتجت بالأمس، أو عدسة صنعت قبل خمسين عاماً يمكن تركيبها على أحدث كاميرة رقمية، هناك كاميرات لا زالت تعمل منذ أن صنعت قبل ما يزيد عن سبعين عاماً، المشكلة التي تواجه هذه الكاميرات ليست الأعطال بل توقف إنتاج الأفلام الذي لم يحدث بعد، لكن قد تصبح الأفلام منتجاً نادراً وتتحول لسلعة يقتنيها البعض فقط لتذكر الماضي أو لكي يمارسوا شيئاً مختلفاً عن الآخرين، أي أنها ستصبح سلعة رفاهية وهذا قد يزيد من سعرها.

يمكن الحديث أيضاً عن الأقلام والآلات الكاتبة والسيارات والقطارات ومنتجات أخرى كثيرة صنعت قبل ثلاثين أو خمسين أو حتى سبعين عاماً ولا زالت تعمل حتى اليوم، إن تعطلت يمكن إصلاحها وإن احتاجت قطع غيار يمكن صنع هذه القطع، وستبقى هذه المنتجات تعمل ما دام أن هناك من يحافظ عليها ويستخدمها.

ماذا عن الحواسيب؟ ألم يحن الوقت لحاسوب الخمسين عاماً؟ أو على الأقل ثلاثين عاماً، هناك مشاكل عدة تواجه مثل هذه الفكرة، خذ على سبيل المثال وسائل التخزين، الأقراص الصلبة معرضة في أي لحظة لعطل قد يضيع عليك عليك كل شيء، قبل يومين فقط تعطل حاسوب أهلي ومن خلال التجربة وجدنا أن القرص الصلب قد تعطل، الحمدلله أن هناك لينكس فقد استخدمت DSL لآخذ نسخة احتياطية من ملف مهم، لكن القرص لم يعد صالحاً للاستعمال.

ماذا عن أقراص DVD؟ هل تظن أن الملفات ستكون آمنة هناك؟ إن كنت قد خزنت أي شيء على أقراص مدمجة أياً كان نوعها فعليك أن تسرع باسترجاع هذه الملفات لأنني أضمن لك أن هذه الأقراص ستتوقف عن العمل لأسباب مختلفة بل أن بعضها لا يستطيع أن يصمد أكثر من عامين، هذه الأقراص لم تصمم للعمل طويلاً وهناك قصص كثيرة في الشبكة عن أناس فقدوا ملفات مهمة أو ذكريات جميلة لأنهم وثقوا بهذه الأقراص.

الشركات تقول بأن هذه الأقراص يمكنها أن تعيش لمئة عام أو أكثر، لكن تجارب الناس معها تثبت أنها بحاجة لعناية فائقة وتصنيع عالي المستوى لتحقيق هذا العمر.

كما أعرف ليس هناك شركة أو جامعة تبحث في مجال صنع وسائل تخزين قادرة على الصمود لمدة طويلة، وأعني بالمدة الطويلة خمسين عاماً أو أكثر، لذلك البعض يقترح حلاً عملياً لمشكلة تخزين الملفات وهو استخدام الأقراص الصلبة المتوفرة حالياً مع الحرص على تجديد هذه الأقراص بين حين وآخر واستخدام تقنيات تسمح بنسخ البيانات حتى لو تعطل أحد الأقراص الصلبة، بمعنى آخر الترقية المستمرة وشراء الجديد والتخلص من القديم، حل عملي لكنه ليس الحل الأمثل وعلينا ألا نقبل به كحل أخير.

ثم هناك مشكلة التطور السريع المستمر، يمكن أن تجد حاسوباً صنع قبل 25 عاماً ويعمل اليوم، لكن هل يمكن أن يكون عملياً؟ هناك مئات من حواسيب أبل 2 لا زالت تعمل حتى اليوم ولها أناس حريصون على إبقاءها وصيانتها واستخدامها بل وتطوير بعض الإضافات الجديدة لها، لكن هذه الحواسيب لا تستطيع أن تنجز بعض أبسط المهمات اليوم، تصفح شبكة الويب مثلاً.

لكن يمكن استخدام حواسيب صنعت قبل عشر سنوات وستؤدي معظم المهمات اليومية بشكل جيد، هناك عشرات المقالات حول كيفية الاستفادة من حواسيب قديمة وأكثر هذه المقالات تشجع على استخدام لينكس لأنه النظام الذي يمكنه أن يعمل على أحدث الحواسيب وأقدمها، يمكنه أن يكون صغيراً بسيطاً ويمكنه أن يكون كبيراً وثقيلاً.

هذا يعني أننا وصلنا إلى مرحلة شبه مستقرة، فهناك معايير قياسية للمحتويات وهذا يعني أن صورة ما يمكن رؤيتها في أي نظام تشغيل وأي حاسوب ما دام أن هناك برنامج قادر على عرض الصورة، وكذلك الحال مع المحتويات الأخرى كالنصوص والفيديو.

هذا كلام بديهي اليوم، في الثمانينات كانت الحواسيب مختلفة غير متوافقة مع بعضها البعض، إن كان لديك ملف نصي في حاسوب كومودور مثلاً فمن الصعب أن تنقل هذا الملف لحاسوب آخر صنعته شركة أخرى، بل حواسيب الشركة الواحدة قد تكون غير متوافقة مع بعضها البعض.

المعايير القياسية للمحتويات والأجهزة ستساعد على تطوير حاسوب يبقى لعشر سنين أو أكثر، يمكنني أن أضمن أن أي حاسوب تشتريه اليوم يمكن استخدامه لعشر سنوات ولن أبالغ إن قلت خمسة عشر سنة، هذا إن لم تتغير المعايير القياسية اليوم بشكل كبير بحيث تصبح حواسيب اليوم عديمة الفائدة، يمكنني أن أخمن بأن هذا لن يحدث فقد وصلنا لمرحلة استقرار جعلت الشركات غير راغبة في إحداث تغيير جذري سواء في البرامج أو الأجهزة.

يمكن أن أخمن بأن صورة PNG اليوم سنتمكن من رؤيتها في المستقبل وحتى بعد خمسين عاماً، ربما تظهر صيغة ملفات أخرى للصور تعطينا مميزات أفضل من الملفات الحالية، لكن PNG وغيرها من الملفات عبارة عن معايير قياسية يمكن لأي شخص أن يضيفها لبرنامج ما، وسنرى برامج التحويل التي تحول الملفات من صيغة لأخرى بدون فقدان أي تفاصيل.

مع كل ما قلته، لم أجب على السؤال الأهم، لماذا حاسوب الخمسين عاماً؟ لأسباب بيئية واقتصادية، فعندما يرمى حاسوب ما في سلة المهملات فهذا لا يعني أنه قد ذهب إلى الأبد، المهملات موجودة هناك في مكان ما، هي بعيدة عن عينك ولذلك ستكون بعيدة عن عقلك فلن تفكر فيها لكنها هناك لن تختفي، ماذا يحدث للحواسيب القديمة والإلكترونيات؟ تذهب إلى دول أخرى ليعاد تصنيعها، ومن يقوم بذلك؟ الفقراء الذين يتعرضون لسموم تحتويها هذه الإلكترونيات وغالباً ما يكون هناك أطفال يعملون في هذا المجال.

أما الناحية الاقتصادية فهي بسيطة، حاسوب واحد قد يكلف الكثير لكنه سيبقى معك مدة طويلة أفضل من حواسيب كثيرة رخيصة، البعض يشتري الرخيص من المنتجات لظنه أنه يوفر لكنه لا يفكر في مدة الاستخدام التي تكون غالباً قصيرة للمنتجات التي لم تصنع بشكل جيد، ولا يفكر في ما تتضمنه عملية الشراء من التنقل واستهلاك الوقت.

هذا موضوع مشوق بالنسبة لي وأريد أن أكتب فيه مقالة أكبر أضع فيها بعض الحقائق وهذا يعني بحث عن المصادر ومزيد من القراءة، هل تعرف أي مقالة أو بحث حول الموضوع؟

9 تعليقات:

عبد الرحمن يقول...

معقولة تمشي عليك هذه! الساعة مجرد صناعة إعلانية لا أكثر. الأشياء الثمينة والتي تتوارثها الأجيال، سواء كانت ساعة أو قلم أو دلة قهوة عربية، تبقى تحفة فقط. الحواسيب تتسارع في التقدم، وأعتقد أنه سيأتي عليها يوم وتتوقف. لابد أن يدور الكون. جاء في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن المسلمين سيقاتلون الروم في آخر الزمان وهم على الأحصنة، وسلاحهم المدي، فأين ستكون الطائرات والصواريخ والرؤوس النووية؟! وأين سيكون الكومبيوتر. لست متشائماً أبداً، لكنها مجرد تأملات.

عبدالله المهيري يقول...

عبد الرحمن: وهل لا يعقل إلا التفسير الذي قلته؟ هناك ساعات معروفة تصنع بإتقان عالي وتتوارثها الأجيال فعلاً وتستخدم، الأمر ليس مجرد إعلان، ولو قرأت مواضيعي في الماضي لعرفت أنني أنتقد أساليب التسويق والإعلانات وأنتقد الفكر الاستهلاكي.

بالتأكيد كل شيء سيتوقف، هل نعرف متى وكيف؟ والأهم هل علينا أن نتوقف عن العيش والتفكير في مثل هذه المواضيع وننتظر النهاية؟

أمتون يقول...

السلام عليكم
قرأت منذ مدة طويلة عن تفكير بعض الشركات اليابانية في صناعة آلات ومنتجات إالكترونية تموت بعد عمر معين، مثلا تشتري ساعة ستموت بعد ثلاث سنوات :) والغريب في الأمر أن هذه الآلات لا تسطيع فتحها أو صيانتها لأن أجزائها مدمجة مع بعضها بدقة وليس هناك امكانية فتح علبتها الخارجية :)، أليس الأمر غريب ومنفر، ألا يجعلك تحس أن هذه الشركات الانتهازية تفكر في مصلحتها قبل مصلحة العميل، نعم، هم يقولون أن الأسعار ستكون منخفضة لهذا النوع من المنتجات، وأن هناك ضمان للمنتج لمدة الحياة التي تم تحديدها..
أنا كذلك يا طيب أنتقد الفكر استهلاكي وأراه جشع رأسمالي منبوذ
لا أذكر أين قرأت هذه المقالة بالضبط، ولم أكن متأكد من صحتها يومها، لكن بمرور الوقت بدأت أعي هذا وأراه سيصبح واقعا على المدى القصير..

غير معرف يقول...

استاذنا الفاضل عبد الله

لعل من اسوء السنين جودة للاجهزة هي هذه السنوات نعم امكانياتها اكثر لكن عمرها جدا قصير
وعلى سبيل المثال التلفزيونات القديمة لها ما يقارب العشرين سنة ولا تزال تعمل وبينما الانتاج الجديد تسعد اذا استمر معك بضع سنين
وقس على ذلك الحواسيب ما ان ينتهي الضمان تكون على اعصابك تنتظر وقت خرابه :)
وهاهو حاسوبي توشيبا اشتريته من اقل من سنتين وتعطل القرص الصلب.. وللاسف لم يعد السعر مقياس للجودة
وفكرة حاسوب يتوارثه الاجيال رائعة خاصة وان تطور الحواسيب لم يعد ذالك التطور جذري

شكرا لك ودمت واجهزتك بخير

أطياف

غير معرف يقول...

هناك مثل ياباني يقول
"أنا لست غنياً لأشتري سلعاً رخيصة"

ابوعبدالله يقول...

اشكرك على المدونة المميزة ونتمنى ان تتحفنا ببعض الفوائد المستقاة من الكتب الانجليزية وابرز الكتب التي تحث على قراءتها
اما بخصوص الشركات وماتنتجه من منتجات فيينطبق عليها ان
اغلب المنتجات الحالية هي استهلاكية بالدرجة الاولى الا ماندر

Ahmed يقول...

أثناء الجامعة كنا نعمل في الصيف وفي مرة مرات عمل في شركة من شركات البترول الكبيرة في مصر ووكان عملي متعلقا بالمخزن ووجدت هناك اﻻلف من اﻷجهزة القديمة والعجيبة جدا وليست مستعملة وسألت نفسي كيف تعمل هذا الأجهزة فوجدت برامج وتقنيات عجيبة جدا

ﻵ أظن أنه في ظل التطور المذهل للحواسيب وبرمجيات أننا سنسمع عن أجهزة مثل هذه اﻷجهزة إﻻ في المخازن أو في متاحف

شكرا

Dr Mohsen Nadi يقول...

قديما كانت الصناعه شعارها ....تصنع للابد لكن الان غلبت علينا ثقافه
الدسبوزبل اي الاستخدام لمره واحده
عندي جهاز نبضات كهربائيه لعلاج الم الظهر اهداني اياه تسعيني فرنسي في الهند انا طبعا افخر ان عمرة اكبر مني ب 3 سنوات وهو يعمل تبارك الله كانه صنع بالامس
فضلت جهاز تلفزيون مصنوع قبل 4 اعوام على تلفزيون حديث مع ان القديم اغلى قليلا
والسبب جوده الصناعه
قد ياتي اليوم الذي نعود فيه لصناعه الشيء الذي يدوم
ودمتم سالمين

أحمد عربي يقول...

ربما تكمن المشكله فى ان الحاسوب مختلف !
فتقريبا عمر الحواسيب وتطورها مقارنة مثلا بعمر تطور الإذاعة المرئية او غيرها يعتبر قصير جدا ولذلك فالتطوير فيه سريع ايضا جدا ,كشخص لم يأكل من اسبوعين ووجد امامه باب حجره مفتوح وبها كل أنواع الطعام
اضف الي ذلك أن برمجيات الحاسوب عند تصميمها يراعي فيها إمكانيات الحواسيب التي تعمل عليها والمبرمجين دائما يطلوبون اعلي إمكانيات ممكن للحواسيب لان هذا يكون مريح لهم أكثر
وبرغم هذا اعتقد ان الحواسيب القديمة قد تفعل الكثير لكنها فقط تحتاج الى عقول تعرف كيف تدير الامور
وأعتقد انك كتبت موضوعا عن اشخصا قاموا بتجميع حواسيبهم القديمة لعمل شبكة او موقع (لا اذكر تقريبا)