الاثنين، 21 يوليو 2008

كتاب: رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

قليلة هي الكتب التي تجعلني أعيد التفكير في كثير من القضايا، لا زلت أذكر كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله حيث تعلمت منه أن القول الفصيح والأدب الجميل لا يمكن أن يكون متكلفاً ثقيل الكلمات ومتشابك المعاني، ولا يمكن أن ينفصل عن العقيدة والإيمان، تعلمت منه سماحة ديننا وعالميته وعدله مع كل الناس، تعلمت منه أن ديننا لا يمكن فصله أبداً عن أي شيء في حياتنا.

كتاب اليوم هو أحد هذه الكتب التي تجعلني أعيد التفكير في بعض القضايا، الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله رجل أكن له كل الاحترام والتقدير، سمعت باسمه أول مرة حينما كنت في مكتبة ورأيت موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية وقرأت اسم المؤلف ولم أكن أعرف شيئاً عنه، لكن مجرد وجود اسمه على موسوعة حول الصهيونية يكفيني لكي أحترم الرجل.

ثم تعرفت عليه بعد ذلك من خلال الصحف وموقع إسلام أون لاين وعزمت على شراء كتبه لكنني تكاسلت وقدمت كتب الحاسوب والتقنيات وهي ليست رخيصة خصوصاً أن معظمها اشتريته من موقع أمازون أو وصلتني كهدايا - جزاهم الله خيراً من أرسلوها - وكادت مكتبتي تخلو من الكتب العربية.

قبل عامين وفي معرض أبوظبي للكتاب كنت مع صديقي وكنت عازماً على عدم شراء أي شيء، لكنني مررت بدار الشروق ووجدت كتاب "رحلتي الفكرية" وعليه صورة المؤلف كبيرة واضحة فأخذته ودفعت قيمته بدون تفكير ولا حتى الاطلاع على محتويات الكتاب، شيء أفعله عندما أتحمس لبعض الكتب وأندم عليه في بعض الاحيان لكن ليس هذه المرة.

للأسف لم أقرأ الكتاب خلال عامين ثم جاء نبأ وفاته رحمه الله فقررت أن أقرأ سيرته الذاتية وخيراً فعلت بأن بدأت بسيرته لأنها مكتوبة بشكل يوضح أفكار المسيري حول القضايا التي يهتم بها ويعطيني صورة عامة حول آراءه وأعماله.

من الصعب تلخيص الكتاب، لذلك نصيحتي هي أن تقرأه، ابحث عن الكتب واقتني نسخة وتوقف عن قراءة أي كتاب آخر وخصص بضعة أيام لقراءة سيرته، سواء كنت توافق على ما يقوله أو لا تفعل ستجد أفكاراً ومنطقاً يستحق أن تطلع عليه.

عنوان الكتاب يلخص محتواه فهو ليس سيرة ذاتية شخصية تدور حول تفاصيل حياة المسيري ولم يكتب بترتيب تاريخي، فهو لا يبدأ بطفولة المؤلف وينتهي بشيخوخته، بل قسم حسب المواضيع والزمن ينتقل فيها من مكان إلى آخر، فقد يتحدث عن شبابه ليعود إلى الحاضر ثم يرجع إلى الطفولة.

وقد يتحدث عن الأفكار والقضايا ونقاشاته مع المفكرين ومناظراته بدون أن يكتب عن أي شيء في حياته الشخصية، بل يركز على الأفكار والقضايا، ويمكن أن أقول بأن محور الكتاب هو أعمال المؤلف وأهمها الموسوعة.

من الأفكار التي أؤمن بها لكنني لا أعرف كيف أعبر عنها قضية الصهيونية وعلاقتها بالفكر الغربي، فأنا أرى أن الاستعمار واستغلال ثروات الدول الأخرى والبطش والظلم الذي ألحقه الاستعمار بالمستعمرين لا يختلف أصله الفكري عن أصل الصهيونية فكلاهما نتاج فكر واحد، وكلاهما أصل من أصول الحضارة الغربية، النازية مثلاً ليست شذوذاً عن الفكر الغربي فهو فكر يقوم على إلغاء الآخر واستغلال ثرواته وهو عنصري تجاه الآخرين، والشواهد كثيرة حتى يومنا هذا.

المسيري وضح هذه الأفكار أكثر وشرحها بالتفصيل والمنطق المقنع، كنت أقرأ الكتاب وأنا أردد في نفسي "نعم نعم ... صحيح" وأجد أن ما كان غامضاً علي أصبح واضحاً الآن.

وتحدث المسيري عن اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل ووضح أفكاراً كثيرة، من المؤسف فعلاً أن يقع كثير منا في أخطاء كبيرة، كأن يؤمن البعض بنظرية المؤامرة وأن اليهود يقفون خلف كل مصيبة وأنهم مسيطرون على كل شيء في هذه الدنيا حتى القدر، هكذا يخلق البعض من اليهود بعبعاً لا يهزم، ويخطأ البعض حين يظن أن إسرائيل قادرة على التحكم بالحكومة الأمريكية وأن اللوبي الصهيوني قادر على فعل أي شيء في حين أن إسرائيل نفسها هي اداة استراتيجية في يد الغرب والحكومة الأمريكية وبقاء إسرائيل يعتمد على معونات هائلة من أمريكا.

أما اليهود فهم ليسوا شعباً واحداً ولا يجب أبداً أن يظن أحدنا أن لليهود تاريخ واحد منفصل عن بقية شعوب العالم، فهذا تصور خاطئ وخطير، فاليهود تأثروا بشعوب كثيرة ومن يعيش منهم في أثيوبيا يتأثرون بمحيطهم فالحداثة لم تصل لهم بينما يهود الغرب تأثروا بالحداثة وابتعدوا عن دينهم الذي أصبح طقوساً تمارس في المناسبات.

ثم هناك فرق كثيرة في اليهودية وبعضها يقف ضد إسرائيل، وبعضها يناقض بعضاً في أصول الدين، أما الصهيونية فهي عقيدة علمانية شاملة استعمارية وكثير من الصهاينة ملحدون لكنهم يستخدمون اليهودية وأسطور "الشعب المختار وأرض الميعاد" لتبرير احتلال الأرض وتشريد الشعب ونهب الثروات، وهم يحاولون إلغاء التاريخ وفرض أمر الواقع على الأرض.

تحدث المؤلف أيضاً عن ضعف وتفكك المجتمع الإسرائيلي، وتحدث عن هجرة اليهود إلى إسرائيل وهجرتهم منها، والعجيب أن بعض المهاجرين إليها ليسوا يهوداً، لا بل بعضهم كانوا في زيارة لحائط البراق - أو المبكى كما يسمونه - وسمعوا صوت الأذان فذهب أربعة منهم إلى المسجد لأداء الصلاة!

قضايا كثيرة وأفكار كثيرة لا يمكنني الإحاطة بها في موضوع قصير كهذا، لذلك أنصح بقراءة الكتاب مرة أخرى، وإن لم تقرأ شيئاً من مؤلفات المسيري فبدأ بهذا الكتاب.

شخصياً سأبدأ بتوفير بعض مالي لكي أشتري مؤلفاته في معرض الكتاب القادم.

5 تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
أود التعليق على هذه النقطة فقط (يخطأ البعض حين يظن أن إسرائيل ... من أمريكا)
"يبدو أن نفوذ اللوبي الصهيوني قادر على فعل أكثر من ذلك لأن :"جذور نفوذ لجان العمل السياسي التابعة للوبي تعود الى النسبة العالية للعائلات اليهودية الأكثر ثراءَا في الولايات المتحدة.. ومن هنا يمكننا إدراك مدى نفوذ اللوبي في إملاء (سياسة الشرق الأوسط) على الكونغرس والهيئة التنفيذية الحكومية في أميركا!

ثم إن غالبية المناصب الحساسة والمؤثرة في البنتاغون يشغلها متعصبون يهود موالون لإسرائيل!

واذا كانت اسرائيل تعد اداة استراتيجية في يد الغرب والحكومة الأميركية فمن الجدير ذكره أن جهاز الإف بي آي ألقى القبض على ثلاث موظفين يشغلون مناصب رئيسية في آيباك بتهمة التجسس لصالح الحكومة الإسرائيلية!"*


*كل ماذكر نقل بتصرف عن كتاب(سطوة اسرائيل في الولايات المتحدة..جايمس بتراس)

تُرى هل يجب أن نعيد النظر في مدى سطوة اسرائيل واللوبي الموالي لها في سياسة الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط؟!!

عبدالله المهيري يقول...

شعاع: هناك كتاب للمسيري بعنوان "اليد الخفية" يتحدث في الموضوع باستفاضة، لا أقلل من شأن تأثير اللوبي الصهيوني، لكنني في نفس الوقت لا أؤمن بأن إسرائيل هي التي تتحكم بالسياسات الأمريكية إنما الذي يحدث هو العكس حتى لو كانت هناك أحداث تدل على غير ذلك، إسرائيل تكلف الولايات المتحدة 10 بلايين كل عام، في حين لو أن إسرائيل غير موجودة ستقوم أمريكا بتحريك قواتها لتأمين المنطقة والبقاء قريباً من منابع النفط، وهذا سيكلفها الكثير.

بقاء إسرائيل يعتمد على دعم أمريكا، هذا لا شك فيه، وأمريكا تبقي إسرائيل لأنها تحتاج إلى شريك استراتيجي في المنطقة.

غير معرف يقول...

ماتقوله صحيح..
فإذا كانت المصالح الأميركية في المنطقة تتجه نحو النفط وما الى ذلك فهي بحاجة الى ما يغطي هذه المصالح أيديولوجيا(اذا صح التعبير!).. ومن هنا تعد اسرائيل هنا الخيار الأمثل للقيام بهذا الدور!

لم استوعب هذه الفكرة من قبل على الرغم من وضوحها ولكن اسلوب جايمس بتراس في نفي التهمة عن بيغ أويل جعلني أؤيده وبشدة!

غير معرف يقول...

بالفعل الكتاب رائع رائع جدا ، لم أعرف الدكتور المسيري إلا قبل وفاته بأشهر واليوم الذي بدأت فيه بقراءة الكتاب كان يوم وفاته!
الكتاب بالنسبة لي أشعر بأنه من ذلك النوع من الكتب التي ترتقي بك معها، من الكتب التي تريد أن تتوقف بعد كل صفحة وتعيد التفكير فيما قرأته وتود أن تكتب عنه أيضا، هو من الكتب التي لا يمنعني من التوقف عن القراءة إلا النوم.

وبالمناسبة أمس كان على الجزيرة برنامج زيارة خاصة معه رحمه الله والحلقة صورت قبل وفاته بأسابيع وعرضت بعد وفاته ، من استطاع أن يشاهد الإعادة فلا يفوتها الحلقة رائعة وتعطي فكرة عامة عن الدكتور وفكره وكتبه لمن لا يعرفه .

شكرا عبدالله

عبدالله المهيري يقول...

شعاع: الأمر ليس بسيطاً مع تداخل الأفكار والمعتقدات والأحداث، ومن الطبيعي أن يظن كثير من الناس أن إسرائيل هي التي تتحكم بأمريكا وليس العكس، هناك شواهد كثيرة، وربما هم على حق، شخصياً أتبنى الرأي الآخر.

خلود: من حسن حظي أنني لا أشاهد التلفاز إلا مضطراً، وهو أمر مؤسف عندما تفوتني بعض البرامج المفيدة مثل هذا الذي ذكرتي.